آراءشويّة دردشة

يحدث في العاصمة .. طرابلس !!| بقلم حنان موج

فجأة عادت ليبيا إلى صدارة الأحداث، لكن هذه المرة ليس من باب المفاوضات والمساعي الدولية، بل بسبب اشتباكات طرابلس ثم فرض لحالة الطوارئ، ومن بعدها فرار المساجين، كل هذا وسط حيرة وتضارب للتقارير حول من يقاتل من في العاصمة الليبية؟

عشرة أيام من الاشتباكات بين الميليشيات المسلحة كانت جديرة بأن تقضي على الأخضر واليابس بالعاصمة الليبية طرابلس، اشتباكات بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخطيرة، بين المليشيات المتصارعة، خلفت أضراراً بشرية ومادية في صفوف المدنيين.

استيقظ سكان العاصمة كل يوم خلال تلك الأيام العشر على موجات متجددة من القذائف العشوائية، استهدفت سرّة المدينة تارة، وجنوبها ووسطها تارات!! على نحو يشي بأن لا مكان آمن في هذه المدينة التي تعيش على وقع القذائف ودانات الدبابات وصواريخ الجراد.

نيران المعارك وأصوات القذائف لاتزال تلتهم تدريجيا الأرض الليبية وخاصة داخل العاصمة طرابلس جراء تقاتل الكتائب المسلحة وتناحرها من أجل السلطة والمال و الخاسر في تلك المعركة كالرابح، لا فرق بينهما، وأعداد الضحايا والجرحى يدعو إلى طرح النزاع من أجل الحفاظ على أرواح الأبرياء والاستعداد لبناء الدولة، ولكن لا مستجيب.

بعد تجدد القتال جاء فيديو للمتحدث باسم اللواء السابع مشاة، التي لم تكن معروفة قبل هذه الأحداث، وظهرت بشكل مفاجئ، قال المتحدث ان مشروع اللواء السابع هو تفعيل المؤسسات القضائية والنيابية وتفعيل مؤسستي الجيش والشرطة، ودعم المؤسسات والوزارت للقيام بدورها المناط بها، مؤكدا لليبين أن اللواء السابع منهم وبهم، ومن أجل الليبين يقدم التضحيات الجسام.

إذن اللواء السابع يقدم نفس الهدف التي يفترض أن حكومة الوفاق في طرابلس التي يقودها فائز السراج تضطلع بها، بدعم دولي، لكن هذه الحكومة أصدرت بيانا وصفت فيه تلك الاشتباكات بانها محاولة لعرقلة الانتقال السياسي في البلاد مضيفة انها لا يمكن أن تبقى صامتة أمام انتهاكات الأمن في طرابلس، لكن البيان لم يحدد موقفا واضحا من أي من الفصائل المتحاربة.

لكن الكثيرين ما يزالون يطرحون السؤال، من يقاتل من في طرابلس؟ بينما وقع جمهور التواصل الاجتماعي في تخبط بين الأخبار والبيانات.

دعنا نبدأ البحث من مدينة ترهونة، حيث جاءت قوات اللواء السابع مشاة، التابع للحرس الرئاسي، والذي أعلن فائز السراج في الثاني من أبريل 2018 انه قام بحل هذا اللواء، إلا أن المتابع للشان الليبي يعلم جيدا أن القرار اتخذ إداريا، ولكنه لم ينفذ فعليا، حيث لم يتم نقل أفراد وجنود وضباط اللواء السابع إلى أي كتائب عسكرية أخرى، وبالتالي ظل القرار حبرا على ورق، وقابلا للطعن أمام القضاء الإداري، وظل اللواء بكامل تشكيله حتى بداية الاشتباكات في السابع والعشرين من أغسطس الماضي.

ولكن لنعد مرة أخرى إلى مدينة ترهونة التي تبعد ستون كيلو مترا عن العاصمة الليبية طرابلس، والتي منحت اللواء السابع مشاة كثيرا من أبناءها، فمدينة ترهونة مدينة فقيرة، لا ينعم أبناؤها برفاهية التعليم، وأسهل طريق للعمل هو التجنيد في فرق الجيش الليبي.

في 27 أغسطس اندلعت اشتباكات بين اللواء السابع مشاة وبين كتائب مسلحة تابعة لحكومة الوفاق ودخلت مجموعات مسلحة للقتال إلى جانب الطرفين، وبعد يومين من القتال جرى التوصل إلى اتفاق على هدنة لوقف القتال بين الطرفين، تبعها دخول قوات حيادية إلى مناطق الاشتباكات، وسمح بدخول الفرق الطبية وإجلاء الجرحى، لكن في الأول من سبتمبر تجدد القتال بعد هجوم لقوات اللواء السابع، كما أعلن عن فرار 400 سجين من سجن طرابلس.

استهدفت المنشآت المدنية بقذائف المتحاربين، بعض المنظمات غير الحكومية دقت ناقوس خطر، حيث الكثير من المهاجرين الأفارقة عالقين بسبب الاشتباكات، حكومة الوفاق كانت قد نقلتهم في أماكن منفصلة عن الاشتباكات.

قوات اللواء السابع وصفت بأنها غامضة، بعض التقارير أكدت انها على علاقة بـ خليفة حفتر، وأخرى نسبتها لحكومة الوفاق، بينما البعض الآخر يؤكد انها تتلقى دعما من محمد بادي قائد فجر ليبيا السابق.

يوم الجمعة الماضي كان يوما داميا على سكان العاصمة الليبية، وكانت طرابلس، وليس ضواحيها، هدفا مباشرا للقذائف العشوائية ، التي بحسب إحصائية رسمية، بلغت 16 قذيفة،

أصبحت كل المعطيات في طرابلس تؤكد عجز المجلس الرئاسي عن تنفيذ أهم الاستحقاقات المتفق عليها والمحددة في الاتفاق السياسي ومنها ضبط المجموعات المسلحة وجمع السلاح وتوحيد المؤسسات العسكرية والمدنية السيادية.

وتردي الحال الاقتصادي الذي وصل إليه الحال العام للبلاد ومعاناة المواطن التي ازدادت سوءاً كل يوم، والتي عجز الرئاسي أيضًا عن حلحلة أيٍ منها أو تخفيفها على الأقل، ولم يجد المجلس شجاعة في تنفيذ ما اتفق عليه مع المجلس الأعلى للدولة ومع المصرف المركزي مند شهور بشأن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي ظل ينتظرها المواطن؛ لتحسن الوضع الاقتصادي وتخفيض الأسعار التي أثقلت كاهل وأعباء المواطن زيادة كل يوم.

منذ وصول حكومة الوفاق الوطني التي ترعاها الأمم المتحدة إلى طرابلس في مارس 2016 اعتمدت على مجموعات من الميليشيات وتمويلها، ولا تزال المليشيات الأخرى ذات الانتماءات المختلفة تعمل في العاصمة.

ويبدو أن سلطة الحكومة الوطنية على الميليشيات التابعة لها محدودة، حيث صرح مسؤول استقال من حكومة الوفاق في منتصف يوليو الماضي من أن طرابلس كانت تحت رحمة هذه الجماعات، التي قال إنها لا تحمي الحكومة، وإنما تحمي مصالحها فقط، ولا تخجل من خطف المسئولين في الحكومة وتهديدهم بقوة السلاح، حتى أن الوزراء في حكومة الوفاق يخشون أحيانا اتخاذ القرارات التي تصب في صالح المواطن إذا لم يكونوا تحت حماية إحدى الميليشيات.

في طرابلس، لا تزال الميليشيات تملك كلمة الفصل في أمن العاصمة، وتتراوح أنشطتهم بين العمل كقوات أمن بحكم الواقع و “حراس” للمؤسسات الرئيسية، وطرد منافسين يتعدون على أراض جديدة، واختطاف المسؤولين، وممارسة الضغط على المؤسسات المالية .. في حين يرفض اللواء السابع مشاة كما يرفض الأعيان والمشايخ في ليبيا أي حل سلمي إلا بعد تفكيك المليشيات وتسليم أسلحتهم ومعاقبة قادتهم وفقا للقانون الليبي .. وتظل العقدة هنا.

بالأمس أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك برعاية الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة.
تمَّ التوقيع على وقف إطلاق النار، الثلاثاء، لإنهاء جميع الأعمال العدائية وحماية المدنيين، وصون الممتلكات العامة والخاصة، وإعادة فتح المطارات للملاحة في طرابلس.
واتفق كافة الأطراف على إيجاد حل سلمي للأزمة، ووقف الأعمال العدائية، مع وضع آلية ملائمة للمراقبة، حيث أكدت المنظمة الأممية أنه في حال أثبت مختلف الأطراف احتراما حقيقيا وكاملا للالتزامات الواردة بالاتفاق ستقود المنظمة بعقد حوار آخر يكون مكرسا لبحث الترتيبات الأمنية الملائمة في العاصمة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل تلتزم أطراف الصراع في طرابلس ببنود الاتفاق السبعة التي تم التوقيع عليها ؟ المؤشرات تشي بضعف الأمل، حيث تجددت الاشتباكات عقب خروج المتصارعين من مجلس الاتفاق، ورغم الهدوء الحذر وعودة الحياة إلى العاصمة الليبية في اليوم التالي للاتفاق، إلا أن جوف العاصمة المنتفخ بالعواصف قد يفاجئ الجميع بالانفجار بين لحظة وأخرى، خاصة أن الحالة التي تعيشها العاصمة طرابلس برعاية دولية هي الحالة المثلى لذلك المجتمع الذي يدعم الفوضى في ليبيا رغبة في الاستيلاء على النفط الليبي، التمزق ينهش الجسد الليبي، وأمل المواطنين الذين يعانون ويلات الحرب هو انتخابات تفرز استقرارا وتعيد المؤسسات لتعود معها الحياة، الجارة الحزينة تنشد الدعم العربي في صمت وألم، والتوازنات السياسية تعيق وهم يعلمون ذلك جيدا، والجيش الليبي يحاول التقاط أنفاسه، ولا يقوى على حرب الغرب في ظل حالة الضعف التي يعانيها، والسؤال ما زال قائما .. هل تسقط طرابلس في الأيام القليلة المقبلة؟ أم تسقط حكومة الوفاق التي عجزت وفشلت وصنعت ورما سرطانيا يسمى الميليشيات يعجز الجسد الليبي عن احتماله؟

المؤكد ان طرابلس تحتاج الآن جراحا من طراز فريد .. هل أفرزت ليبيا هذا الجراح؟ ربما تجيب الأيام القادمة .. ربما

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى