كــن مختلف | بقلم د. جيهان عفت

كان بائع القبعات عائداً من السوق نحو بيته، و في طريقه مر بغابه و لكون الجو حاراً قرر أن يأخذ قسطا من الراحة في ظل شجرة تاركاً سله القبعات بجواره وراح يغط في نوم عميق …وبعد ما يقارب الساعة استيقظ جراء صوت ما فلاحظ خلو سلته من القبعات و سمع اصوات القرود و هي تقفز فوق الشجرة و عندما رفع رأسه هاله جمع القرود و قد وضعوا قبعاته كلها علي رؤوسهم ، فجلس مكانه وراح يفكر في الطريقة التي تمكنه من استرجاع قبعاته كلها…. فكر ثم فكر وراح يخدش رأسه و يضرب جبينه على فكرة ما تنبثق من دماغه المنهك .. بينما هو كذلك لاحظ أن القرود كانت تقلده ..ضرب جبينه مرة اخرى ..فعملت القرود مثله، و أخيرا جاءته الفكرة ..رمي قبعته أرضا ..فتبعته القرود و رمت القبعات و بذا أسترجع قبعاته كلها .
قد تكون قصه خياليه ذات طابع كوميدي ساخر تظهر سذاجة كائنات تتمتع بخفه الظل وأيضا ذكاء و سرعه بديهة بائع القبعات ، لكن عزيزي القارئ دعني اصارحك بحقيقه صادمه وواقع نعايشه و نلمسه في واقعنا ، فما فعلته القرود في القصة ينتهجه البشر أحيانا …أقصد التقليد الأعمى غير المبرر أو المنطقي و لنطرح بعض الأمثلة:
شاب يقرر إقامه مشروع أو تحقيق حلم لطالما حلم به فيجمع المعلومات و يقوم بعمل دراسة جدوي ، يحاول أن ينمي مهاراته التي تساعده علي إدارة مشروع كمهاره التواصل مع العملاء أو مع الموظفين ليصل ليس فقط للنجاح لكن ايضا للتميز و عندما يكلل الله مجهوده بالنجاح نجد العديد ممن يقوموا باقتباس نفس الفكرة و تقليده و أقامه نفس المشروع حتي يتشبع السوق و يحدث ركود للمنتج أو قد يفشل المشروع لدي البعض و يعانى من خسارة فادحه لعدم تمكنهم من امتلاك الادوات التي تساعدهم على النجاح و التميز أو لان هذا الحلم لم يكن حلمهم الحقيقي بل فقط ارادوا التقليد للوصول للنجاح .
موضة تظهر في بيوت الازياء العالمية فيقوم المصممين و المصانع بتقليدها دون الاخذ بعين الاعتبار الاختلاف الثقافي و الاجتماعي و العادات و التقاليد أو اختلاف الطبيعة المناخية أو لون البشرة ..وربما قد تصلح خطوط الموضة للبعض و قد لا تناسب البعض الاخر بناء على بعض الصفات الجسدية كالطول أو الوزن و غيرها ….فنجد البعض يقوموا بالتقليد دون وعي أن الموضة عليها أن تعبر وتتلائم مع شخص من يسايرها .
شخص حباه الله موهبه كالرسم ، عزف الموسيقى، الصوت العذب، كتابه قصص قصيرة، إلقاء الشعر أو غيرها من المواهب و قد حرص على التدريب وصقلها بالدراسة و القراءة في كل ما يتعلق بتلك الموهبة و استطاع أن يحقق ذاته و يجد له مكان تحت الشمس، فنفاجأ بآخرين قد لا يمتلكون الموهبة ذاتها يحاولون التقليد في محاوله للوصول لنفس النجاح غير مدركين أو عابئين أن يبحثوا داخل انفسهم عن مواهبهم الحقيقية التي قد تجعلهم متميزين دون التقليد الأعمى .
فكر الزواج ايضا أصبح يخضع للتقليد ..ففي مجتمعاتنا الشرقية يتوقع الجميع من كل فرد أن يبحث عن الزواج و يصل الامر احيانا إلى درجه من التمييز ضد من لا يتزوج و حسب هذا المفهوم فإن بعض الناس يقبلون على الزواج ليحققوا توقعات المجتمع و يشعروا أنهم ليسوا غرباء بل طبيعيين و ينتموا لهذا المجتمع و ذلك نابع من الحاجه إلى الشعور بقيمه النفس أو التقدير الذاتي كعامل مهم في حياه الانسان .كثير من الاشخاص يفعلون ما يحسن صورتهم في نظر الناس ، مما يجعل رغبتهم في الزواج ليس من اجل حياه المشاركة مع من اختاروا بل من أجل تقدير المجتمع أو الحصول علي رضي الوالدين و تقدير الاصدقاء .
أحبائي
كفــــانا تقليدا ….. كن أنت تكون متميزا
يقول جون سيوارت ميل “الخطر الحقيقي في العصر الحالي هو قله من يجرؤون على أن يكونوا مختلفين
كن مختلف فالعلم لم يعد بحاجه لمزيد من النسخ