آراءشويّة دردشة

ترامب.. رئيس ناجح بإقتدار| بقلم عميد د. عمرو ناصف

شهدنا فى العشرين من الشهر الجاري حفل تنصيب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد ( رقم ٤٦ ) ولكننا – وطبقاً للبروتوكولات العالمية والأمريكية – لم نشاهد الرئيس السابق ( دونالد ترامب ) يسلم الرئيس الحالى ( جو بايدن ) مقاليد الحكم وسط الأجواء الإحتفالية المعهودة، وإنما شاهدنا مباراة لتكسير العظام، كإحدى مباريات المصارعة الحرة التى دأب الأمريكان على مشاهدتها، فقد إستجمعت الإدارة الأمريكية ممثلة فى ( بايدن ) قوتها لإسقاط غريمة بالضربة القاضية قاطعة عليه كل سبل العودة للمنزل الأبيض، بينما تفنن ( ترامب ) برد اللكمة لمنافسه وإدارته فى الخروج بهيبة الفاتحين بعد إحراج الوسط الأميريكى كله وتغيبه عن حفل التنصبب.

– ماذا فعل ترامب ؟ ولماذا ؟
– وكيف وصلت الأمور لذلك الحد ؟

١- يعد الرئيس ( ترامب ) من أنجح الرؤساء الذين تولوا سُدة حكم الولايات المتحدة الأمريكية.. ونجاح الرؤساء يقاس على مر الأزمان بما يحققه الرئيس للدولة العظمى وكيف ساعد على زيادة عظمتها، فعلى سبيل المثال حافظ ( إبراهام لينكولن ) أواخر القرن ١٩ على وحدة الدولة فى عهد الحروب الأهلية العنصرية لتنعم امريكا بالهدوء والوحدة، وتمضى قدماً نحو الإستيطان وحرب السكان الأصليين، وقام ( بوش ) الإبن بتدمير الجيش العراقي أقوى ثانى جيش عربى فى الشرق الأوسط لتنعم أمريكا وإبنتها إسرائيل بالأمان والطمأنينة، وأكمل ( اوباما ) العهد بربيعه العربى والقضاء على الجيش السورى الذى يليه فى القوة ليستقر الوضع على جانبى الحدود الإسرائيلية، وكانت مهمة ( ترامب ) هى دعم الدولة العظمى مادياً بعد تردى الأحوال الإقتصادية فى السنوات الأخيرة ودعماً لمشروع التأمين الصحى الذى بدأه ( أوباما ) وهذا مابرع فيه ترامب حين إستنفذ العرب بوضعهم فى مشكلات – هم أسبابها فى الأصل – ثم إخراجهم منها بما هو ثمنه، حيث إستطاع جلب مايعادل نصف تريليون دولار من السعودية وحدها، أما باقى دول الخليج فحدث ولا حرج، وما إستطاع إستنزافه من الصين برفع سقف الجمارك على منتجاتها وما حصل عليه ( من تحت الترابيزة ) لفك الحصار الذى فرضه على الشركات الصينية فى أمريكا حينها.

٢- دعم ( ترامب ) الكيان الإسرائيلي أيما دعم، بدءاً من صفقة القرن وحتى نجاحه فى تطبيع العلاقات الخارجية بين إسرائيل وكثير من الدول العربية وهو إنجاز لم يحدث منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام ٧٣.

٣- إستطاع ترامب وضع بعض دول الشرق الأوسط وخاصة القوية العربية منها تحت ضغط لإستنزاف قدراتها سعياً نحو إتمام سيطرة أمريكا على مقدرات الوطن العربي وتأميناً أكبر للكيان الصهيوني والتلويح بورقة الأمان لمن أراد التطبيع كما فعل فى ملف سد النهضة ودعمه لإثيوبيا فى ذلك وإن أبدى هو والإدارة الأمريكية ذاتها غير ذلك.

٤- نجح ترامب فى قطع كثير من العلاقات الإسلامية خارجياً مع أمريكا، كما رغبت الإدارة الأمريكية نفسها وترغب كثير من الدول الغربية من منطلق ظنهم تصدير الإسلام للإرهاب، وخوفاً منها على أمن شعوبها، وهى خطوة جريئة بقدر ماهى صعبة التنفيذ، لايستطيعها سوى رئيس مجنون مكروه يتم التضحية به لتنفيذ سياسة دولة أشمل وأهم.

٥- أصدر ترامب قوانين ( حظر الهجرة ) لأمريكا حتى للعائلات ذات الأبناء والإخوة والأقارب الموجودين فعليا فى البلاد والمتجنسين بجنسيتها دون تفرقة بين تلك الأصول، تماماً كما ناصب العداء للأقليات العرقية الموجودة فى البلاد بألوانها ودينها وأصولها، وتسبب فى خروج الكثير منهم خوفاً من بوادر الإضطهاد، منتهياً إلى الجدار العازل الذى بناه على حدود المكسيك لمنع تلك الهجرات والتسللات، وهى خطوات أزاحت الكثير من الأعباء المادية عن البلاد حتى وإن كانت الأعداد بسيطة.

٦- إستطاع ترامب تخفيض عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان والعراق وغيرها من مواقع الجيش الأمريكي خارج أراضيه فى خطوة كانت تحتاج إلى حفظ ماء الوجه أكثر مما تحتاج إلى الحنكة والسياسة، خاصةً بعد انقضاء المنفعة من تواجد الجيش الأمريكي هناك وباتت الأمور تنجرف الى الخسارة فكان ترامب – برعونته وعدم وعيه المزعومين – صاحب القرار ومنفذه.

٧- خلص ترامب البيت الأبيض من كثير من موظفيه الذين إستفحلوا وباتوا خطراً على البيت الأبيض نفسه وقد باتوا يعرفون الكثير، تماماً كما أصدر عغواً رئاسياً عن كثير من المحكومين بقضايا أموال وهو مايعطينا نفس المؤشر بأن ماتم كان مقصوداً حتى وإن بدا دفاعاً وتستراً على سرقة أو إحتيالا أو تهرباً ضريبياً، وحتى وإن بدت الخطوة مجنونة، ولكن هو المطلوب.

٨- نجح ترامب برعونته ( المطلوبة ) فى الخروج من الإتفاق النووى مع إيران مما أعطى إيران ذريعة الإستمرار في تخصيب اليورانيوم خاصة بعد مسلسل إغتيال ( سليمانى _ زادة ) المحبوك درامياً مما أعطى قبلة الحياة للنظام النووى الإيرانى الذى تدعى أمريكا معاداتها له ولإيران على حد سواء.

.. من هنا ندرك ان ترامب لم يكن مجنوناً، أو حتى يتصرف من تلقاء نفسه بما تم إنتقاده به مؤخرا، و لم يكن خطأ ً سياسياً تم إستدراكه، ولكنه كان رئيساً ناجحاً، أدى ماعليه وما كلب منه حرفياً وبنجاح، وقد إستخدمته الإدارة الأمريكية لتنفيذ ما لم تقدر هى ذاتها على تنفيذه وينآى أى مسئول ( سياسى ) آخر عن الموافقة عليه، ثم تنهال هى عليه بالنقد لصرف تهمة الموافقة على مايفعل وتظل هى إدارة حكيمة محترمة، لذا كان لزاماً ان نستدعى رجل ( تجارة ) لا تاريخ كما تحتاج المرحلة، وفى ذات الوقت لن يدفع ترامب أى ثمن لما سينفذه من تاريخه أو مستقبله السياسى لأنه بلا تاريخ وبلا مستقبل سياسى، وبات ينفذ ما أُمر به فى السر ويُنتقد عليه فى العلن وعلى طريقة ( بص العصفورة )، من أجل ذلك إستحق أن يكرم ويخرج من البيت الأبيض قبل التنصيب حتى يستطيع أن يخرج بكامل هيبته كرئيس، وبطائر الرئاسة ( marine 1 ) كرئيس إلى قاعدة ( اندروزو ) الجوية كرئيس، ثم بطائرة الرئاسة ( Air force 1 ) كرئيس إلى منتجعه الخاص ( مارالاجو ) فى فلوريدا أيضاً كرئيس، والا لكان قد خرج كمجرد مواطن عادى إذا حضر حفل التنصيب، كيف وقد ترك خطاباً لبايدن على مكتبه يهنئه بالتنصيب ويسرد له فيه أهم الملفات والتحديات المتروكة له، داعياً له بالتوفيق، واشياءأخرى.

تلك هى أمريكا.. لا يقع فى شئونها إلا ما أراد الله،، وأرادت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى