سياسة
المثقفون يتفقون أن حرية الفكر والتعبير مكفولة وضرورة تفعيل الدستور واحترامه

وزير الثقافة يفتتح مؤتمر ” نحو مجتمع حر مبدع” بالمجلس الأعلى للثقافة وسط حشد من الحضور من الدستوريين والقانونيين، والصحفيين، وبين ثراء النقاش والجدل أقامت لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتورة امل الصبان مؤتمر “الحماية القانونية لحرية الفكر والتعبير.. نحو مجتمع حر ومبدع”.
بدأ المؤتمر بكلمة مقرر اللجنة محمد نور فرحات، اشار خلالها إلى بيان الجمعية المصرية للنقد الأدبي الذي نص على التعاون مع المثقفين، ودعوة وسائل الإعلام للاحتكام لآراء الفقهاء المتخصصين في الكشف وتوصيل الرأي العام للمواقف الصحيحة وليس محاكمة حرية الرأي ومراعاة صورة المجتمع المصري للعالم، لذا تعلن الجمعية عن تضامنها الكامل مع المثقفين
وأوضح وزير الثقافة حلمي النمنم في كلمته أننا اليوم نواجه أزمة حقيقية، بسبب صدور احكام قضائيه علي المبدعين، وهناك بعض القضايا التي ما زالت في أروقة المحاكم ضد الإبداع رغم أننا نمتلك دستورًا تم الاتفاق عليه لا ينص على عقوبات بالسجن للنشر والإبداع، وأضاف النمنم أن الحبس إحدى العقوبات وليس العقوبة الوحيدة، فهناك مثلاً غرامة مالية، ووصف الحبس للمبدع أو المثقف بالمعيب، وخصوصًا أن مصر خاضت ثورتين كان عنصراهما الأساسيان الحرية والتحرر من القيود على الإبداع، وأكد أن المثقفين جميعًا ضد الحبس في قضايا النشر والإبداع على الإطلاق، واختتم كلمته بأن ليس هناك ما يسمى بازدراء الأديان، ونحن اليوم ننتظر توصيات هذه الجلسة حتي يتم رفعها على الفور.
أما الدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس فقد أكدت في كلمتها أن الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء بالكتابة أو بعمل فني دون رقابة أو قيود حكومية هو شرط من شروط الإبداع، ولا يعتبر خرقًا للقوانين ولا لأعراف الدولة ويصاحب حرية الرأي والتعبير بعض الحدود والحقوق مثل حرية العبادة والصحافة وحرية التظاهر السلمي، فتعتبر قضية حرية الرأي والتعبير من أهم وأعقد القضايا التي تشغل كل المجتمعات تنظيريًا وتطبيقيًا، وألقت الضوء على الحريات في فرنسا والأمم المتحدة، وأضافت أن الحرية غريزة فطرية في البشر إلا أن الكثيرين اختلفوا حول تحديد مفهومها بشكل عام، وذلك بسبب الاختلاف بين الحضارات والثقافات، ورغم تباين المجتمعات في النظرة لمفهوم حرية الرأي فإن كل مجتمع يقر بضرورة وجود ضوابط أو أطر لممارسة الحريات بأنواعها.
وشهدت الجلسة الأولى شهادات من كبار المفكرين في مصر.
وبدأت بحديث الدكتور جابر عصفور، والذي بدأه بجملة للراحل يوسف إدريس قال فيها: “إن الحرية المتاحة في العالم العربي كله لا تكفي لروائي واحد في العالم”.
وعلق بأن تلك الجملة ما زالت صالحة حتى الآن، وأضاف ان الحرية ضرورية كالماء والهواء، وبأنها حق لكل مواطن،.. ثم تحدث عصفور عن نص مواد الدستور التي تؤكد إنه لا مساس بالحريات، ولا ضرر لكاتب ولا لرأي، وهي المادة ٦٨ ورغم وجودها ورغم الدستور ونصوصه التي شارك في كتابتها مجموعة من المثقفين فإنه، واختتم كلمته بأن الأزمة التي يعاني منها المثقفون تستدعي صدور بيان موحد أطالب به الآن يؤكد على حرية الرأي والإبداع والمطالبة بحماية إبداعنا وحريتنا وكتابتنا وثقافتنا بشكل عام، كما طالب عصفور ببيان يصدر من المؤتمر يلزم فيه بضرورة احترام مواد الدستور الخاصة بحرية الإبداع ومطالبة البرلمان بسرعة تحويل المواد الخاصة بالحريات إلى مواد قانونية فعالة.
ثم تحدث الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قائلاً: “إننا جميعًا تمتعنا بحرية الرأي والتعبير، ربما مرت علينا لحظات عابرة لم نتمتع فيها بتلك الحرية التي أشار إليها الدكتور جابر عصفور لكننا تمتعنا بشيء من التسامح، ورغم ذلك حرية التعبير لا تطبق في العصور الإسلامية الأولى ولا الأخيرة”، وأضاف أن المثقفين المصريين لا يعبرون عن أنفسهم فقط، بل يعبرون عن شعب بأكمله، ووافق الدكتور جابر عصفور الرأي في قوله أن حرية الرأي والتعبير مطلب لكل المصريين.
الجلسة الثانية
دارت حول “حرية الرأي والتعبير بين أحكام المحكمة الدستورية العليا والدستور الجديد”. وافتتحت بكلمة رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور محمد عبد الظاهر مشيرًا إلى أن القانون لا يتحدث بالعواطف، وأن الدستور موجه إلى المشرع وليس إلى القاضي، ونحن في حالة تستدعي ضرورة تفعيل مجلس النواب، ويجب أيضًا تفعيل المادة 65 من الدستور.
أما الدكتور جابر جاد نصار استاذ القانون ورئيس جامعة القاهرة أكد على إشكالية التحدث عن الحرية من خلال نص أوحد، فالحرية لا يمكن أن تحتويها مجموعة من النصوص، وأضاف أن الحرية تبقى بلا قيمة إذا لم يتم الالتزام بالنصوص، وعلى المجتمع أن يحتضن هذه النصوص ويحميها، وأضاف أن مشكلتنا تنبع من عدم الحفاظ على حريتنا ودفعها للأمام، وهذا أكبر عائق، وكأن هذه الحريات مسألة لا تستوجب الاعتناء بها، على الرغم من أن ما نص عليه النص الدستوري لذلك، ولا يمكن أخذ نص من الدستور بعيدًا عن النصوص الأخرى، وربط أيضًا بين حرية الفكر والتعبير والجرائم التي تعرض لها الأطفال مؤخرًا بسبب ازدراء الأديان. وأوضح أنه لا يمكن أن نأخذ نصًا دستوريًا بعيدًا أو مفصولاً عن النصوص الأخرى، واختتم كلامه بأن حرية الإبداع مكفولة ولا يجوز تحريك الدعاوى التي كانت مرفوعة من قبل .
وفى الجلسة الثالثة
تحدث الدكتور جويلي عن حرية التعبير، وقال إن المجتمع الدولي اهتم بهما من خلال المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وبدأ هذا الاهتمام منذ عام ٤٨ وضعت النصوص التي تحث على الاهتمام بهذا الشأن، كما اهتمت به المواثيق الدولية والإقليمية، وفي عام ٦٦ أصدرت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الميثاق الأفريقي العربي أيضًا اهتمامًا منه بهذا الشأن، وقال جويلي إن الحرية في التعبير حق ضروري لكل إنسان، فبها يستطيع التعبير عن واقعه، وبها أيضًا يمكنه الوصول للحقيقة وأضاف أنه يعلم كما يعلم الجميع أن ليس هناك حرية مطلقة ولكن لا بد من وضع إطار قانوني لائق لتحديد تلك الحريات، وعلى الدولة أن تلتزم بالحفاظ على هذا الحق ورعايته من الانتهاك بعد وضع ذلك الإطار وإلا ستصبح مسئولة دوليًا وقانونيًا أمام المنظمات الدولية المعنية بذلك.
في الجلسة الرابعة
استعرض الأستاذ حمدي الأسيوطي المواد التي تضمنها الدستور عن حرية الرأي وما تتربص به في حزمة من القيود، وأكد أن دستور 23 قد نص على أن حرية التعبير وسيلة لتقدم المجتمع وركيزة من ركائز الديموقراطية، فإذا كان الدستور حرًا فضفاضًا والفرد مقيدًا مهيض الجانب كانت الحرية السياسية حبرًا على ورق، فالحكمة تقتضي كفالة حرية الرأي وتضمينها في مواد الدستور وإظهار تعدد الآراء وتباينها حتى ولو كانت تلك الآراء خاطئة.
وإن من الخطر فرض قيود على حرية التعبير لما يصد المواطن عن ممارستها، وأكد أن الحرية تم ممارستها في عصور عديدة، وذكر الشيخ علي يوسف وعبد الله النديم حيث دافعا عن حرية الرأي، واختتم كلمته بأن إطلاق حرية الكتَّاب في نشر أفكارهم من الأمم لحياة أفكار العامة باحتكاكها بأفكار العقلاء.
أما الاستاذ نجاد البرعى فقد تناول المصطلحات الفضفاضة كالإذدراء أو إلاهانة أوغيرها وأشار أنها لا تتناسب مع القانون او الدستور.
واختتم المؤتمر بتوصيات أهمها أن حرية الفكر والتعبير مكفولة، وضرورة تفعيل الدستور واحترامه، وأن تكون هناك جلسات دائمة للنقاش مابين المبدعين والقانونيين أو الدستوريين ، وأن لا يؤخذ نصا من الدستور على حده بمعزل عن النصوص الأخرى.