عاجلمواطن مصري

التهجير خط أحمر| بقلم جورج عياد

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أطلقها قبل أقل من أسبوع، عاصفة خطيرة من الجدل حين أشار إلى أنه يتوجب على مصر والأردن استقبال سكان قطاع غزة، بعد أن دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، حيث تكلم بلغة الواثق المتأكد من أن “أحلام جنابه أوامر”.

لكن على ما يبدو فإن مقدار الصدمة، أو قل الصفعة، التي تلقاها ترامب كانت مدوية .. حيث عبرت مصر على لسان قائدها الزعيم الرئيس عبد الفتاح السيسي عن رفضها التام والبات والقاطع لأي عملية تهجير قسري أو طوعي لأبناء الشعب الفلسطيني.

فعاود ترامب ممارسة عادة “الهرتلة السياسية” المقيتة ليعلن أن مصر ستقبل، وكررها مرتين .. فما كان من جموع الشعب المصري إلا أن خرجت في تظاهرات حاشدة تبرز عبقرية الزمان والمكان .. حيث خرجت بعد ساعات معدودات على هذه التصريحات الهزلية، واختارت معبر رفح الحدودي الذي يعتبر أقرب نقطة تماس مع اخواننا الفلسطينيين ليتلقى ترامب اللطمة المدوية الثانية.

حيث أوصلت ردرود الأفعال الصادمة هذه.. والتي بدأها بكل قوة الرئيس السيسي، ثم تلاها رد الفعل الشعبي الذي ضم آلاف المصريين من كل الانتماءات والتوجهات لتوصيل رسالة في منتهى القوة مفادها اعتبار مصر، قيادة وشعباً، مسألة “التهجير خط أحمر” ولتمثل تعبيرا صادقا عن الموقف المصري الثابت من القضية الفلسطينية وتؤكد التزام مصر الراسخ بالدفاع عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، والتأكيد أن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم أمراً مرفوضاً جملة وتفصيلاً لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال لما له من انعكاسات كارثية على الأمن القومي المصري والمنطقة بأكملها.

كما جاءت تصريحات الرئيس السيسي عن رفض مصر القاطع لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين لتعكس مدى استيعاب القيادة السياسية المصرية للواقع المعقد في المنطقة، باعتبار مثل هذه المؤامرات لن تؤدي إلا لمزيد من تعميق للأزمة وإشعال المزيد من التوترات في الشرق الأوسط .. والموقف المصري الواضح في هذا السياق يؤكد حرص الدولة على دعم القضية الفلسطينية من منطلق مبدئي وإنساني، فضلا عن اعتبارات الأمن القومي التي تجعل من أي مساس لحقوق الفلسطينيين تهديداً مباشراً لمصر.

ومن روعة الأقدار أن تتوحد مواقف الرئيس والشعب لدرجة التطابق هذه لتقدم رؤية شاملة تنسجم مع ثوابت السياسة الخارجية المصرية التي تقوم على السعي لتحقيق السلام العادل والشامل، والذي يجب أن يقوم على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967.

ولم يكن مستغرباً أن مصر، ومنذ بداية الأزمة الحالية، قد فطنت إلى خطورة ما يجري وحذرت بكل حسم من المخططات التي تسعى إلى تهجير الفلسطينيين وجعل الحياة في غزة غير قابلة للاستمرار، وهو ما يكشف بكل وضوح حرص القيادة المصرية على الحفاظ على الحقوق الفلسطينية التاريخية ومنع تكرار المآسي الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود.

الرائع أيضاً أن تصريحات الرئيس السيسي لم تتوقف على رفض تهجير الفلسطينيين بكافة أشكاله بل حملت رسالة واضحة كالشمس للمجتمع الدولي، بضرورة التحرك الجاد وبمنتهى السرعة لوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ووضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني وفي الوقت ذاته فقد شدد الرئيس السيسي على أهمية الدور المصري في دعم عملية السلام والتواصل مع كافة الأطراف الدولية، بما في ذلك الإدارة الأمريكية، للتوصل إلى حلول شاملة ودائمة تضمن تحقيق العدالة للفلسطينيين وإنهاء الاحتلال وهذا يعكس مدى الحكمة السياسية والاستراتيجية في تحويل الدور الأمريكي من خصم إلى شريك في الحل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى