إنتصار العقل أم القلب ! | بقلم د. جيهان مديح

أحبها باندفاع .. أحبها كأنه لم يحب من قبل، ولا شعر بمثل هذا الحب مرة واحدة إلا في طفولته .. أحبها بكل ما أوتي من قلب وعقل .. أحبها من النظرة الأولى، خطفت قلبه بسهولة، لم يخرج من مكتبها إلا وهو متلجم، لا يرى بعينيه سواها ولايسمع سوى صوتها في أذنيه.
هو رجل ذو منصب مرموق وسلطة ونفوذ، رأى الكثيرات والكثيرات تزوج مرتين ولم يكن له حظ سعيد في زواجه، قد يكون العيب منهما، فهو دوماً يبحث عن امرأة مثل حبيبته الأولى التي لم يحب سواها، ولم يكن يتخيل أنه سيحب بعدها، وبعد وفاتها في حادث ظل حبها في قلبه وظل هو باحثاً عنها إلى أن قابلها، فتاة سمراء جميلة ذات سمعة طيبة، لكن اللقاء بينهما في البداية كان بسبب “خناقة” أو خلاف حاد سرعان ما تحول إلى “نظرة فابتسامة فلطشة قلب”!
بدورها، شعرت هي الأخرى بـ ” كيميا” تسري في جسدها، تتسلل إلى مشاعرها، وتنساب من بين يديها، وهى من أحبت في حياتها وخاضت التجربة المريرة مرتين حتى ان إحدى هتين التجربتين أصابتها بجلطتين في القلب نقلت على إثرهما فورا للمستشفى وأنقذت من الموت بأعجوبة؛ لذا لم تعد تقدر على الحب وآلامه، وخاصة أنها تعلم انه لا نهاية لهذا الحب سوى الألم والفراق.
هو لم يكن يعلم كل هذا، ولكنه كان يشعر بأنها تحاول الهرب والابتعاد عنه، وهو لا يفهم الأسباب، فبدأ يسمع عنها في كل جلساته وكأنه كُتب عليه أن يستمع لسيرتها في أى مكان وكل زمان، حتى في جلساته مع الأصدقاء، دوماً تأتى سيرتها والحديث عنها على سبيل المصادفة، فهو في الفترة الأخيرة بعد لقائه بها، كان يلتقي كثيرين ممن يكتشف بعد ذلك انهم يعملون معها، فتبدأ الحكايات البعض منهم كان يتحدث بالسيء والبعض الآخر كان بالشكر والعرفان، طبيعي ألا يتفق الجميع على شخص واحد.
عاشا وقتا من الحب تناسيا فيه مكانتهما في المجتمع، وفجأة وبلا أى مقدمات أصبحت لا ترد ولا تتحدث وأيضا ترفض مقابلته، فلم يلتقيها نهائياً إلا في مكتبها وكان في نهاية كل لقاء ينجذب لها أكثر، إلى أن أنهت هى كل آماله في أن يعيش معها أجمل قصة حب ولكن من وجهة نظرها بدون أدنى أمل في الإرتباط به فهى تتخوف من وضعه السياسي والاقتصادى ومكانته في المجتمع، تتخوف من زوجته فهى بالرغم من أنهما منفصلين إلا أنهما يعيشان كواجهة أمام المجتمع كزوجين، فهي سيدة معروفة للجميع ومن أسرة شهيرة، فتخوفت أن تدخل في علاقه تخسر فيها اسمها وسمعتها، ولن تنتهى بالزواج لفروق كثيرة بينهما.
هنا كان كلام العقل أقوى من القلب وهنا انتصر العقل على القلب أما هو فجلب لها المبررات كثيرا، رغم أن تلك المبررات في أغلب الاحيان كانت عبارة عن كذب وتزييف للحقيقة.المشكلة ليست هنا، المشكلة أن الطرف “المضحوك عليه” أنانية الإحساس لديه تجعله دائما يصدق ويقتنع بالمبررات كي يستمر قلبه في انتصار على عقله، والنتيجة “جفاف وذبول لأن مافيش حاجة بتسقيه”.
يظل هذا الطرف يدور في دائرة من المشكلات، يدعم معركتين، الأولى هو بطلها، والحب فيها هو المحرك الأساسي، والمعركة الثانية معركة مضادة من الطرف الثاني الذي يهدم فيه ويكسر في عزته بنفسه وفي كرامته، وهنا انتصر عقله على قلبه وتحول من محب يلهث خلف محبوبته إلى مشاعر خافتة وذابلة تجاهها فهي لم تعط له الفرصة، وبكل إصرار منها على أن يكرهها ويكره أيضا تصرفاتها.
وانتصر العقل وانتصرت هى أن تصل به إلى درجة اللامبالاة، فلم يعد يهتم لأمرها وأدرك أنه مع الوقت سينساها لكنها ستكون ذكرى مؤلمة له بالرغم من شعوره بأنه أحبها كما لم يحب من قبلها إلا حبه الوحيد الذى شعر أن نفس الروح ونفس الملامح ونفس الكلام ونفس المشاعر ونفس الأحاسيس ولكن كلاهما ماتت قبل أن يذوب في حبها ويعيش سعيداً مدى الحياة مع أي منهما.
ومن هنا ندرك ان كل منا بيديه السعادة وأيضا بيديه أن يقتل الحب الذى عاش عمره يتمناه.