تحقيقات و تقاريرتقاريرعاجل

«30 يونيو» ثورة تصحيح المسار ولحظة فارقة في تاريخ مصر

 

تحل اليوم الثلاثاء الذكرى السابعة لثورة 30 يونيو، التى تعد نموذجا بارزا وسط تجارب التغيير التى حدثت فى المنطقة، حيث كانت ثورة تصحيح المسار، والخلاص من تجار الدين التى انتشلت مصر من عثرتها والاختطاف، وحالت دون دخولها فى نفق الفاشية الدينية، وأنقذت مؤسسات الدولة المختلفة من الأخونة التى دأبت على ممارستها جماعة إرهابية حاولت خلال شهور حكمها تحويلها لمؤسسات تابعة لمكتب الإرشاد تتلقى منه التعليمات.

ثورة 30 يونيو ذلك الحدث التاريخي غير المسبوق الذي خرج فيه ملايين من الشعب المصري بمختلف أطيافه إلى الشوارع للإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، والتصدي لمؤامرات التفتيت والتقسيم التي كانت تهدد المجتمع وتستهدف “أخونة” الدولة ومؤسساتها، لترسخ هذه الثورة مفاهيم الوحدة الوطنية داخل المجتمع المصري وتدشن مرحلة جديدة في تاريخ البلاد تعلي قيم التعايش المشترك والتسامح، وتعزز التلاحم بين أبناء الوطن الواحد.

جاءت ثورة (30 يونيو) استجابة لمطالب الشارع المصري في مواجهة نظام لم يحقق آمال وتطلعات الشعب، حيث تميزت عن غيرها من الثورات باصطفاف مختلف أطياف الشعب، بمختلف فئاته الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي توافقت ضمنيًا فيما بينها على ضرورة الإطاحة بسلطة هذه الجماعة الإرهابية، التي وضعت المجتمع المصري أمام خطر اندلاع الصراعات الطائفية والمذهبية.

فمنذ وصول جماعة الإخوان إلى الحكم في يونيو 2012 برئاسة محمد مرسي، عملت على خلق حالة من الاحتقان والاستقطاب الحاد داخل المجتمع، وتبنت سياسات تخدم مصالحها وأجندتها الخاصة دون النظر لمصالح الدولة والشعب، حيث سعت إلى بناء دولة دينية ترسخ مفهوم “الأخونة” ويتم فيها إقصاء وتهميش الأقباط، وزرع بذور الشقاق بين أبناء الوطن الواحد.

وجاءت ثورة (يونيو) لتثبت أن هذه الجماعة الإرهابية لم تكن أهلا لحكم البلاد، وتعبر عن رفض الشعب المصري تفكيك وحدة الوطن والتفرقة بين نسيج الأمة الواحدة.

وصنع شعب مصر، بثورة (30 يونيو) فصلا في دستور الثورات محفورا في التاريخ الإنساني، حيث ولدت تلك الثورة من قوة الشعب، ونبعت من إيمانه بوحدته وتكتله، فبرهنت على أن الإيمان والوحدة قادران على التصدي لقوى الحكم التي خدعت الشعب باسم الدين، فالثورة هي إحدى وسائل الإصلاح، وأداة من أدوات التغيير، وحين تسد منافذه السلمية تضطر الشعوب إلى ركوب موجة الثورة العالية ودفع مستحقاتها المرتفعة.

وتابع العالم بدهشة الانفجار الانشطاري للشعب المصري، الذي جاء نتيجة حتمية ومتوقعة للظروف الموضوعية المشتركة التي عانى منها المصريون على مدى عام كامل، أذ لم يتحقق فيه التغيير الحاسم المكتمل والإصلاح الحقيقي الشامل الذي حلموا به في ثورة 25 يناير، حيث كان هدفهم الثوري الذي تجمعوا حوله هو (عيش حرية عدالة اجتماعية).

وانطلقت الثورة لما تهيأت لها الظروف المواتية، وامتلكت شروط النجاح، شيء ما عظيم استطاع أن يلم هذه الحشود الغفيرة من المصريين من مختلف الأعمار، وحركها في إرادة واعية لطلب التغيير، تجميع الشعب في كتلة بشرية واحدة، تحولت إلى قوة ضرب حاسمة غير قابلة للتردد ولا للانشقاق أو التفتيت، فلم يكن لأحد أن يحرك الشعب ما لم تتحرك فيه دوافع تستجيب لحاجاتها وقناعاتها، وتجسد آمالها وتطلعاتها.

واليوم، ومع حلول الذكرى السابعة لثورة 30 يونيو، جدير بنا أن نرفع فيه تحية تقدير وعرفان وإعزاز للشعب الذي صنع تاريخه، وللقائد الشجاع الذي وضع حياته مخاطرا بها للتخلص من حكم الإخوان الثيوقراطي الفاسد الشرس، وتحرير شعب مصر من قبضته.. وتحية ثانية له وهو يقود مسيرة بناء الدولة وسط تحديات وأمواج الخطر داخليا وخارجيا، وتحية تقدير وعرفان لجيش مصر العظيم وشرطته اللذان لم يتخليا عن حماية أمن مصر وشعبها، وكذلك تحية تقدير وإعزاز للمستشار عدلي منصور الذي قاد البلاد في أحلك الأوقات.

و ثورة (يونيو) كانت بمثابة لحظة فارقة في تاريخ البلاد لا سيما من حيث دورها في ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية داخل المجتمع المصري، ونجاحها في تشكيل حشد وطني لمواجهة الخطر الإخواني الذي كان يهدد وحدة الدولة المصرية وسلامتها، لتتمكن مصر من مواجهة التحديات الراهنة واستكمال مسيرة التنمية وإعلاء مصلحة الوطن بعيدا عن أي اعتبارات طائفية.

ارادت التغيير تتولد من الإيمان بهدف واضح  

تولدت إرادة التغيير لدى الشعب من الإيمان بهدف واضح بلغ في النفوس درجة اليقين، وكان الهدف هو المطالبة بالرحيل، وجاءت قوة التغيير من اتفاق أكثر من 30 مليون مصري على هذا الهدف، وحدة الهدف ووضوحه هما ما منحا الشعب التماسك والتكتل المطلوب لنجاح ثورته.

واستطاعت الثورة أن تركز هذه الحاجات في جملة واحدة هي (أرحل) وتجمعت غايات المواطنين المتفرقة، ومطالبهم المختلفة حولها، فقد برهنت لهم خبرتهم العميقة وتاريخ المعاناة الطويل أن “النظام” هو المسئول الحقيقي عن المعاناة التي يعيشوها، وعن الانتهاكات الصارخة للحقوق والمقدسات، وعن تهديد المواطنين في أمنهم وقوت أولادهم وعقائدهم.

وبلغت الثورة أقصى ثقلها الواقعي عندما تجسدت في شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك، الذي تبنى الثورة، وبادر إلى التضحية والبذل في سبيلها، وجسد هدفها في صور واقعية حركت حزب الكنبة، واستطاع الشباب أن يقدموا النموذج الجدير بالاحتذاء إلى شعوبهم، فكان التكتل والتمرد، وبدأت الإرهاصات من القمة وتبنته القاعدة الشعبية العريضة، فحظى مبدأ الثورة في لحظة انفجرت فيها إرادة المصريين.

التضحيات بالنفس والآلام التي شعر بها الأغلبية من المصريين كانت قوة إيجابية تعادلت مع قوة اليقين بالنصر والأمل بالمستقبل، والاعتقاد الراسخ بالقدرة على تحقيق الإنجازات، حيث تكفلت إنجازات الثورة ومكاسبها على الطريق بمدها على مدى سنواتها السبع بالوقود والطاقة اللازمين لامتداد مساحتها سنوات وسنوات وجذب أنصار جدد لها.

جماعة الإخوان تخلق حالة من الاحتقان والاستقطاب الحاد

فمنذ وصول جماعة الإخوان إلى الحكم في يونيو 2012 برئاسة محمد مرسي، عملت على خلق حالة من الاحتقان والاستقطاب الحاد داخل المجتمع، وتبنت سياسات تخدم مصالحها وأجندتها الخاصة دون النظر لمصالح الدولة والشعب، حيث سعت إلى بناء دولة دينية ترسخ مفهوم “الأخونة” ويتم فيها إقصاء وتهميش الأقباط، وزرع بذور الشقاق بين أبناء الوطن الواحد.

كما شهدت مصر – خلال عام من الحكم الإخواني – أعمالًا فوضوية وهمجية غير مسبوقة استهدفت بالأساس الكنائس ودور العبادة الخاصة بالأقباط، وتزايدت التوترات الطائفية والأعمال الإجرامية بصورة ملحوظة، وكان من أبرزها الاشتباكات التي وقعت في أبريل 2013 في بلدة (الخصوص) شمالي القاهرة، وقتل خلالها 4 مسيحيين ومسلم، وتعرض الكاتدرائية المرقسية لإلقاء قنابل غاز مسيلة للدموع، كل ذلك أدى بدوره إلى تنامي مخاوف الأقباط ولجوء شريحة كبيرة منهم إلى الهجرة خارج البلاد.

ثورة 30 يونيو طوق نجاة أنقذ مصر من مصير فوضوى

ثورة 30 يونيو، كانت بمثابة طوق نجاة أنقذ مصر والمنطقة العربية من مصير فوضوى محتوم، وكانت انتصارا لإرادة شعب رفض التطرف والمتاجرة بالدين، وصمم على استرداد ما اختطفته الجماعة من ثمار ثورة ٢٥ يناير، فمثلت بذلك خطوة فاصلة فى تاريخ واقتصاد مصر، ومحطة مهمة فى عودة توازن البلاد السياسى والريادى، وفتحت أبواب المستقبل أمام طريق البناء والتنمية بعدما كانت تعانى نقصا شديدا وحادا فى كل متطلبات الحياة من الكهرباء والبنزين لرغيف الخبز.

واسترداد الدولة كان طريقا محفوفا بالمخاطر مليئا بالصعاب ، اقتحمه الرئيس عبد الفتاح السيسى ، وأصر على المواجهة ، وواجه التحديات بإصرار مدعوما بمسانده شعبية قوية حيث تطلب الأمر دعم الجميع ومن اليوم الأول تحمل الرئيس المسئولية لينقذ وطنا من الانهيار، وتصدى لكل من يخطط لهدمها فى الداخل والخارج محاولا الزج بها فى طريق الفوضى واللا عودة، فكانت المصارحة فلسفته ومنهجه فى قيادة مصر وكان الصبر والتحمل من الشعب الذى ساهم فى عبور النفق المظلم.

وأوقات عصيبة مرت على المصريين جعلت من الفترة الممتدة من 30 يونيو إلى 3 يوليو عام 2013 أياما لا تنسى حفرت فى التاريخ لما حملته من دلالات ومعانى، فقد مثل وصول الإخوان للحكم وضعا كارثيا للمصريين بسبب تولى رجل جاء بمحض الصدفة “كبديل” لتولى مقاليد الأمور، دون أن يكون مؤهلا لهذا المنصب الرفيع سياسيا أو بروتوكوليا، الأمر الذى جعل مكتب الإرشاد يقوم بدور محرك قطع الشطرنج على الرقعة السياسية التى شابها الكثير من الغموض والعوار والعوامل التى فاقمت الأزمة السياسية فتصاعدت حدتها.

الشعب يتخذ قرار تصحيح الوضع والمطالبة بعزل مرسي

فقد عاشت البلاد على مدى عام كامل تحت حكم جماعة سرية متطرفة تتاجر بالدين وبالوطن تبيع جغرافيته وتكره تاريخه، فغرقت البلاد فى حالة من التخبط والانهيار السياسى فى ظل حكمها، لافتقارها لأى رؤية مستقبلية لمصر حتى ما أطلق عليه ” مشروع النهضة ” لم يكن سوى مجرد دعاية انتخابية.

أخطاء متتالية وكثيرة لحكم الإخوان دفعت الشعب إلى اتخاذ قرار تصحيح الوضع والمطالبة بعزل الرئيس ، ومن تلك الأخطاء قهر الشعب باسم الدين ، انعدام الأمل ونقص المياه والكهرباء والطاقة والأمان ، التوقيع على وثيقة بيع سيناء لأمريكا، دعوة قاتلى الرئيس الرئيس الراحل أنور السادات بعد الإفراج عنهم من السجون إلى الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر ( ذات المناسبة التى اغتيل فيها السادات ) فى مشهد استفز المصريين ، تأزم قضية سد النهضة مع إثيوبيا بعد بث وقائع اجتماع رئاسى مع سياسيين على الهواء مباشرة لمناقشة القضية فى بدايتها فى عام 2012 حيث اقترح هؤلاء السياسيون ضرب إثيوبيا بالطائرات فتأزمت القضية، إصدار إعلان دستورى مكمل فى نوفمبر عام 2012 يحصن كافة القرارات الرئاسية من الطعن أمام أى جهة متضمنا تحصين مجلس الشورى الذى استولى عليه الإخوان بحيث لا يجوز لأى جهة قضائية حله، عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ، وقضية التخابر وفتح السجون واتهام الجماعة بالإرهاب والتجسس.

تأسيس حركة حملت «تمرد»

إرهاصات الثورة بدأت بعد مرور عشرة شهور على حكم محمد مرسى وجماعته، بتأسيس حركة حملت اسم “تمرد” جمعت توقيعات قرار المصريين لسحب الثقة منه، مطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتجاهل مرسى تلك التوقيعات ورفض إجراء الانتخابات المبكرة واصفا إياها بالمطالب العبثية، وعندما جمعت الحركة 22 مليون توقيع لسحب الثقة دعت الموقعين للتظاهر يوم 30 يونيو التى كانت الذكرى الأولى لتولى مرسى منصب رئيس الجمهورية.

فى مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات تجمع عدد كبير من معارضى نظام محمد مرسى، مطالبين برحيله وبإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وبتنظيم من الأحزاب والحركات المعارضة نزلت جموع الشعب المصرى إلى الشوارع، رافضة تعثر حكم الإخوان السياسى وإخفاقه الاجتماعى، فقد خرج المصريون ينقذون هويتهم الوطنية التى تمسكوا بها وحافظوا عليها على مدى التاريخ ، خرجوا لمواجهة فئة حاولت عبثا تغيير الشخصية المصرية، وتغليب العنصر الإسلامى على باقى العناصر، وحاولت دحض فكرة الوطنية تحت وهم فكرة الخلافة، وتصادمها مع وسطية الدين بممارسات نابعة من التحالف مع السلفية المتشددة.

وتركزت التجمعات فى ميدان التحرير وفى الميادين الرئيسية فى عدد كبير من المحافظات ، فيما خرج أنصار مرسى فى تظاهرات مؤيدة له فى أماكن مختلفة أبرزها وأكبرها كان ميدانى رابعة العدوية والنهضة وفى هذا اليوم وقع قتلى وجرحى ، وأحرقت مكاتب لجماعة الإخوان المسلمين، ومكتب الإرشاد بالمقطم وأسفرت الاشتباكات عن وقوع 10 قتلى.

السيسي يعلن عدم دخول القوات المسلحة فى دائرة السياسة

أصدر وزير الدفاع المصرى آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسى بيانا فى الرابعة عصرا بتوقيت القاهرة، ذكر فيه ” أنه من المحتم أن يتلقى الشعب ردا على حركته ومظاهراته وخروجه للشوارع ، وأن على كل طرف أن يتحمل قدرا من المسئولية فى هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن” ، وأشار البيان إلى أن “القوات المسلحة لن تكون طرفا فى دائرة السياسة أو الحكم ، وأن الأمن القومى للدولة معرض لخطر شديد إزاء التطورات التى تشهدها البلاد” ، و أثار هذا البيان فرحة واضحة بين المطالبين بإسقاط مرسى فى جميع أنحاء البلاد، وارتفعت صيحات “الجيش والشعب إيد واحدة”.

وفى اليوم التالى ( الأول من يوليو عام 2013)، قامت مظاهرات مؤيدة لمرسى وحملت شعارات “نبذ العنف” و”الدفاع عن الشرعية” ومع تأزم الوضع السياسى لم يكن فى مقدور القوات المسلحة أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التى استدعت دورها الوطني، واستشعرت أن الشعب يدعوها لنصرته والحماية الضرورية لمطالب ثورته، واستوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها، فاقتربت من المشهد السياسى آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة.

القوات المسلحة تمهل القوى السياسية 48 ساعة

عصرا أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا يمهل القوى السياسيةمهلة مدتها 48 ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخي، وذكر البيان أنه فى حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة فإن القوات المسلحة ستعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها ، فى أعقاب ذلك، طالب كل من حزب النور السلفى والدعوة السلفية الرئيس محمد مرسى بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن خطابا للرئيس السابق محمد مرسى امتد لساعتين ونصف جاء بما لا يلبى ويتوافق مع مطالب جموع الشعب، وعكس ذلك عجزا واضحا عن الإقرار بالواقع الصعب الذى تعيشه مصر وبفشله فى إدارة شئون البلاد منذ أن تولى مهام منصبه قبل عام.

وجاء ذلك بناء على ما بذلته القوات المسلحة سابقا وتحديدا منذ شهر نوفمبر من عام 2012، من جهود مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي، وإجراء مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة، و بدأت تلك الجهود بالدعوة لحوار وطنى استجابت له كافة القوى السياسية الوطنية باستثناء مؤسسة الرئاسة التى رفضته فى اللحظات الأخيرة ، وباءت جميع الدعوات والمبادرات التى توالت وتتابعت بعد ذلك بالفشل ، حيث تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة برفع تقرير حول الموقف الاستراتيجى على المستوىين الداخلى والخارجى للرئيس متضمنا أهم التحديات والمخاطر التى تواجه مصر على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة.

وفى إطار متابعة تلك الأزمة اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة برئيس الجمهورية فى قصر القبة يوم 22 يونيو عام 2013 طارحة رأى القيادة العامة فى هذا الصدد ومؤكدة رفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، ولترويع وتهديد جموع الشعب المصريين ، و كان الأمل معقودا على وفاق وطنى يضع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لشعب مصر بما يحقق طموحه ورجائه.

وتمسكت جبهة المعارضة بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، الأمر الذى استوجب من القوات المسلحة استنادا على مسئوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد، واتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يقصى أحدا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام ، ودعا شيخ الأزهر أحمد الطيب فى بيان كل مصرى إلى تحمل مسئوليته “أمام الله والتاريخ والعالم” ، محذرا من الانجراف إلى الحرب الأهلية “التى بدت ملامحها فى الأفق والتى تنذر بعواقب لا تليق بتاريخ مصر ووحدة المصريين ولن تغفرها الأجيال لأحد”، كما دعا بابا الأقباط الأرثوذكس تواضروس الثانى المصريين إلى التفكير معا والتحاور معا ، وطلب منهم الصلاة من أجل مصر.

وفى الساعات الأولى من يوم 2 يوليو عام 2013 ، أصدرت الرئاسة بيانا جاء فيه أن الرئاسة المصرية ترى أن بعض العبارات الواردة فى بيان الجيش “تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب فى حدوث إرباك للمشهد الوطنى المركب”، وفى نفس اليوم أصدرت محكمة النقض حكما ببطلان تعيين النائب العام طلعت عبد الله، الذى شغل المنصب بعد عزل مرسى للمستشار عبد المجيد محمود ، ووقعت اشتباكات فى محيط جامعة القاهرة استمرت إلى صباح اليوم التالي، أدت إلى مقتل 22 شخصا.

وفى يوم 3 يوليو، أعلن المتحدث العسكرى أن قيادة القوات المسلحة تجتمع بقيادات وقوى سياسية ودينية شبابية بعد انتهاء المهلة التى منحتها القوات المسلحة للقوى السياسية، وفى حوالى التاسعة مساء بتوقيت القاهرة، أذاع التليفزيون المصرى بيانا ألقاه حينها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، أنهى فيه رئاسة محمد مرسي، وعرض خارطة طريق سياسية للبلاد اتفق عليها المجتمعون، شملت تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وأداء رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد على أن يكون لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية، و تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.

وتشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتا، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا بسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، ووضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن ، و اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكا فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.

القوات المسلحة تطالب الشعب بالالتزام بالتظاهر السلمى

أهابت القوات المسلحة فى البيان الصادر عنها، شعب مصر بكل أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمى وتجنب العنف الذى يؤدى إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء ، محذرة أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم لأى خروج عن السلمية طبقا للقانون وذلك من منطلق مسؤوليتها الوطنية والتاريخية ، وتبع ذلك البيان احتفالات فى ميدان التحرير وعدد من المحافظات المصرية.

واليوم وبعد مرور سبع سنوات على إنقاذ مصر من حكم الإخوان ، وضح جليا مدى حرص القيادة السياسية على مدى تلك الأعوام على بناء الوطن والمواطن بشكل متوازى، فتم ترسيخ أركان الدولة واستعادة الأمن وإعادة تسليح القوات المسلحة المصرية بأحدث المعدات مع تنوع مصادر السلاح ، وتنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادى إنقاذا للاقتصاد، وإعادة التوازن فى العلاقات الدولية واستعادة دور مصر الريادى فى إفريقيا ، وتنفيذ منظومة عريضة من المشروعات القومية والمشروعات المرتبطة بالبنية التحتية.

فيما جاء الاهتمام ببناء المواطن من خلال فكر ممنهج، يتضمن الاهتمام بالشباب والمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة، وإطلاق مبادرة ١٠٠ مليون صحة بروافدها المختلفة، والسعى لتنفيذ المشروع القومى للتأمين الصحى وتطوير التعليم والاهتمام بالتعليم الفنى وبالموهوبين والمبدعين والمبتكرين، والعمل على تنفيذ منظومة متكاملة من المشروعات القومية العملاقة وتحسين أداء مؤسسات الدولة تحت مظلة استراتيجية وطنية 2030.

الأقباط يلعبون دورًا بارزًا في صناعة 30 يونيو

لعبت مشاركة الأقباط دورا بارزا في صناعة المشهد التاريخي في 30 يونيو 2013، حيث شارك البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في مشهد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في 3 يوليو 2013 وساهم مع باقي مؤسسات الدولة وممثلي المجتمع في رسم خارطة طريق الثورة وتقديم كافة أوجه الدعم لها، وهو ما أدى إلى تعرض عشرات من الكنائس إلى الحرق والتدمير عقب فض اعتصامَي “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” لتنظيم الإخوان الإرهابي وأنصاره في 14 أغسطس 2013.

وهنا أطلق البابا تواضروس الثاني مقولته الشهيرة “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”، مشيرًا إلى أن حرق تلك الكنائس هو تضحية بسيطة يقدمها الأقباط عن طيب خاطر من أجل حرية الوطن.

وحرص البابا تواضروس – دائما – على إطلاق التصريحات الوطنية التي تقف ضد إثارة الاعتداءات الطائفية من خلال بث رسائل للعالم كله بأن ما يتعرض له المصريون من اعتداءات يتم عبر جماعات الإرهاب المدعومة من الخارج، والتي لا تفرق بين دماء القبطي والمسلم، وأن هذه الحوادث لا يقصد بها الكنيسة وإنما تستهدف الوطن كله.

ولم يتوقف الدور الوطني للبابا عند إطلاق التصريحات، بل تخطاها لمطالبة كل كنائس المهجر لتكون سفارات شعبية لمصر في الخارج للتأكيد على روح الوحدة الوطنية التي تسود البلاد وإفشال خطط المتآمرين وأي محاولات لتزوير الحقائق.

الرئيس السيسي يدشن مرحلة جديدة في تاريخ مصر 

 

مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014 تبنى خطابا سياسيا موجه لفئات الشعب المصري، خالي من أي تمييز أو تفرقة ليدشن بذلك مرحلة جديدة في تاريخ البلاد يعامل فيها الجميع كمواطنين وأبناء وطن واحد دون أي اعتبارات دينية أو طائفية، وهو الأمر الذي اعتبره كثير من المراقبين سببا رئيسيا في تهدئة الأوضاع وترسيخ روح الوحدة الوطنية من جديد داخل البلاد.

وفي خطوة لم يسبقه فيها أي رئيس مصري، حرص الرئيس السيسي – منذ عام 2015 – على حضور قداسات عيد الميلاد سنويا، ليعزز صورة مصر التي تحتضن كل أبناءها دون أي تمييز ديني أو طائفي.

وشهدت السنوات السبع الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في معدلات الحوادث الطائفية في مصر، نتيجة التشديدات الأمنية التي تتبعها الدولة ومحاولتها الدائمة لإرساء الأمن وعدم السماح ليد التخريب بالعبث.

كما شهدت البلاد صدور أول قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس في مصر، الذي ينص – ضمن نصوصه – على بناء كنائس جديدة في المدن جديدة، فضلا عن تأسيس لجنة مواجهة الفتن الطائفية، ولجنة تقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة.

إضافة لذلك، حقق الأقباط تمثيلًا برلمانيًا غير مسبوق في الحياة السياسية المصرية، حيث حصد النواب الأقباط، بالمنافسة الحرة لأول مرة في التاريخ، 53 مقعدا نيابيا وهو رقم كبير مقارنة بسنوات سابقة، ويعكس سعي الدولة إلى إقرار المواطنة، والمساواة بين الجميع على معيار الكفاءة.

وجاء احتضان العاصمة الإدارية الجديدة لمسجد “الفتاح العليم”، وكنيسة “ميلاد المسيح”، كأكبر مسجد وكنيسة في الشرق الأوسط، ليجسد روح الوحدة الوطنية داخل البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى