23 يوليو 1952.. ذكرى أول انحياز من الجيش للشعب

افتتاحية بروباجندا
تمر الأيام وتتبدل الأحوال .. ولكن تبقى معادن الرجال النفيسة يزيد بريقها وتعلو قيمتها كلما طال الزمان، وبكل موضوعية ومن واقع القراءة المخلصة لأحداث التاريخ نجد أن أكثر من تنطبق عليهم هذه الأوصاف هم رجال الجيش المصري البواسل الذين لا يألون جهداً في سبيل خدمة الوطن والشعب، ولا يتأخرون دقيقة عن تلبية نداء المصريين.
وفي صفحة ناصعة البياض لهؤلاء الرجال الأفذاذ تهل علينا الذكرى الـ 68 لقيام ثورة 23 يوليو 1952 التي تعتبر وبحق إحدى أهم الثورات في التاريخ الحديث بما خلفته من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية غيرت وجه الحياة في مصر، بل وفى الوطن العربي كله، وعلى امتداد العالم الثالث.. خاضت مصر في تلك الفترة معارك ضد الاحتلال، والإقطاع والرأسمالية والنظام الملكي، وهنا كان للمثقفين دور في الوقوف بجانب الثورة.
خلفية تاريخية
ثورة يوليو كانت في البداية حركة قادها ضباط جيش مصر ضد فساد الحكم الملكي في 23 يوليو 1952 وعرفت في البداية باسم “الحركة المباركة” ثم أطلق عليها ثورة 23 يوليو عقب حل الأحزاب السياسية واسقاط دستور 1923 في يناير 1953.
ففي أثناء وأعقاب الحرب العالمية الثانية وظهور مدى ضعف الملك فاروق الأول أمام سلطة الإنجليز، وانتشار حالة الفساد السياسي والحزبي واضطراب الأحوال الاقتصادية في مصر، فكر عدد من ضباط الجيش المصري أنه لابد من إنهاء هذه الحالة بأي وسيلة.
وقام عدد منهم، بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر، بتكوين تنظيما سريا سمى “الضباط الأحرار”، وانضم إليه كثير من الضباط الشبان ومتوسطي الرتب من مختلف أسلحة الجيش المصري. ومن أشهرهم أنور السادات، وعبد اللطيف بغدادي، وخالد محي الدين، وعبد الحكيم عامر، وجمال وصلاح سالم.
وبعد حرب 1948 وضياع فلسطين أظهر تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري غضبه الشديد من سوء الأحوال وعدم دعم الجيش الذي دخل معركة كان من المفترض عدم خسارتها، ولكن بسبب تزويد الجيش بأسلحة فاسدة في الحرب خسر معركة حماية فلسطين رغم تقدمه في البداية.
وأعتبر الضباط الأحرار قضية الأسلحة الفاسدة القشة التي يجب أن تقصم ظهر الفساد في كافة أنحاء البلاد وكافة قطاعاتها، ولم يعودوا يستطيعون التحمل فزاد نشاطهم داخل الجيش وخارجه واستقطبوا عدد أكبر من الضباط الذين يشاركونهم فكرهم وتوجهم التحرري.
ولما كان معظم الضباط من صغار السن، الذين قد لا يروق لأبناء الشعب أن يقودهم من هم في سن لا يجاوز الـ 35 عاما، فقد رأى قادة الحركة وعلى رأسهم “جمال عبد الناصر” أن يختاروا أحد الضباط الكبار الذين يحظون بشعبية جيدة في الجيش وممن لهم أراء تحررية توافق أراءهم وأن يضموه إلى صفوفهم ليكون رمزا لثورتهم.
ورأوا في “اللواء محمد نجيب” الشخص الذي يمكن أن يحمل هذه الصفات ولذا فقد دعموه، أولا، في معركة انتخابه لرئاسة “نادي الضباط” أمام مرشح القصر الملكي وفاز فيها نجيب بالفعل وقبل اللواء “محمد نجيب” فكرة قيادة الثورة بروح وطنية تحسب له.
وفي 23 يوليو 1952 قام التنظيم بثورة بيضاء لم ترق بها دماء أي مصري أو أجنبي، ونجح في السيطرة على كافة المرافق الحيوية في البلاد وخاصة وزارة الحربية والداخلية وكافة الثكنات العسكرية والأمنية وأذاع البيان الأول للثورة بصوت القائم مقام أنور السادات.
ورغم مضي أكثر من 50 عاماً على قيامها .. لا زالت ثورة 23 يوليو ملهمة كل الثورات لما حققته من عدالة اجتماعية مما جعلها تشكل علامة بارزة في تاريخ الوطن ونقطة تحول أساسية في مساره التاريخي بما قدمته من إنجازات هامة وما أجرته من تحولات جذرية في جميع جوانب الحياة.
مبادئ ثورة يوليو:
1ـ القضاء على الاستعمار وأعوانه
2ـ القضاء على الإقطاع ومساوئه
3ـ القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم
4ـ إقامة عدالة اجتماعية
5ـ إقامة جيش وطني قوي
6ـ إقامة حياة ديمقراطية سليمة
نتائج الثورة
وبدون الدخول إلى تفاصيل هذه المبادئ التي تملأ كتب التاريخ، فإننا جدير بنا أن نقف عند أبرز النتائج التي حققتها الثورة وذلك من واقع ما تم انجازه على الأرض لصالح المصريين، حيث وجهت أول ضرباتها ضد أعوان الاستعمار وعلى رأسهم الملك حيث بدأت فور قيامها بعزله عن الحكم، ثم ألغت النظام الملكي وأعلنت النظام الجمهوري في 18 يونيو 1953، وما ترتب على ذلك من بدء عصر جديد يحكم فيه ابن من أبناء مصر.
كما نجحت ثورة يوليو في القضاء على الإقطاع الذي سيطر على الغالبية العظمى من فلاحي مصر، وذلك عن طريق تحديد الملكية الزراعية، والذى تم بمقتضى قانون الاصلاح الزراعي الذى صدر في 9 سبتمبر 1952، وذلك بهدف إعادة توزيع الملكية الزراعية، وتحديد العلاقة بين المستأجر ومالك الأرض الزراعية ورفع مستوى معيشة العمال الزراعيين والعمل على زيادة إنتاجية الأرض الزراعية وتحرير الفلاح من استغلال الاقطاع.
ولعله من أبرز انجازات ثورة 23 يوليو تحقيق التحرر الاقتصادي وكسر الاحتكار والخروج من سيطرة رأس المال على الحكم، وتنظيم الاقتصاد القومي وفق خطط مرسومة، وذلك من خلال خطوة هامة وهى التأميم، التي بدأت بتأميم شركة قناة السويس عام 1956 شركة مساهمة مصرية.
وقد أدت هذه السياسة ليس فقط إلى القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال وإنما أدت أيضاً إلى تحرير العمال ورفع مستواهم وإعطائهم نسبة من أرباح الشركات، وضمنت أيضاً هذه السياسة مورداً مالياً للدولة مكنها من تنفيذ سياستها فى مرحلة بناء المجتمع.
ومنذ اليوم الأول لقيامها.. أدركت ثورة يوليو حجم التباين الطبقي والتمايز الاجتماعي الذى يرتبط بنظام الاقطاع وسيطرة الاحتكار على مؤسسات الدولة، فلم تكن قرارات تحديد الملكية الزراعية وتأميم الشركات الكبرى ذات بعد اقتصادي فقط بل ذات أبعاد اجتماعية ضخمة أدت إلى التقريب بين طبقات المجتمع، وجاءت هذه الاجراءات مصحوبة بإلغاء الألقاب والرتب في 30 يوليو عام 1952، وبذلك تخلص الشعب من ظلم طبقة البكوات والباشوات.
وقد وجهت ثورة يوليو جهودها لدعم الفقراء ومحدودي الدخل وتمثل ذلك في قوانين الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، والعلاج المجاني، وإصلاح قوانين العمل لحماية الطبقة العاملة من استغلال أصحاب العمل وضمان مستوى معيشي أفضل، فصدر القانون الوزاري رقم 65 لسنة 1952 والخاص بتحديد الحد الأدنى لأجور عمال الزراعة وذلك بقصد تحسين أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية.
ومن أبرز نجاحات ثورة يوليو إقامة جيش وطني قوى، وفى سبيل ذلك حُددت مهمة القوات المسلحة وهى حماية الوطن ضد أي اعتداء خارجي وأن تكون بمثابة القوة الرادعة فى أي مكان من الأمة العربية براً وبحراً وجواً، وأن تتميز بالقدرة على الحركة السريعة وتملك الأسلحة الرادعة، وأن تساير التطور العلمي.
ولأجل هذا .. فقد تم إنشاء المصانع الحربية لمد القوات المسلحة بما تحتاجه من ذخائر، وساهمت هذه المصانع فى الوفاء بقدر كبير من بعض أنواع الأسلحة والذخائر لمصر، وبعض الدول العربية والأفريقية، كما برز الاهتمام بنظم التدريب وإرسال البعثات إلى الدول الرئيسية التي يتم استيراد السلاح منها، واتبعت مصر سياسة تدريب العسكريين العرب والأفارقة في المعاهد والكليات العسكرية المصرية، وتم أيضاً تدعيم الدور المدني للقوات المسلحة في تقديم خدمات وأنشطة مدنية.
وعلى طريق الحياة السياسية السليمة .. فقد بدأت الثورة بإلغاء دستور عام 1923 لأنه لم يعد يناسب الأوضاع الجديدة بالبلاد وحددت في بيانها الصادر في 16 يناير 1953 فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات حتى تتمكن من إقامة حكم ديمقراطي دستوري سليم، كما قامت بحل جميع الأحزاب السياسية فى 17 يناير 1953، وتم إنشاء ” هيئة التحرير” التي أعلن عن قيامها في 23 يوليو 1953 كأول تنظيم سياسى أقامته الثورة يهدف إلى تحقيق المصالح والأهداف القومية للشعب وشعاره “إجلاء المستعمر عن كل شبر من أرض مصر“.
وفى 23 يونيو 1956 تم الاستفتاء على الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية معا، وأسفرت النتيجة عن الموافقة على الدستور وعلى إجماع الشعب على اختيار الرئيس جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية.
ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا قطع رجال الجيش المصري الباسل على أنفسهم عهداً بأن يظلوا حماة الوطن والدرع الواقي للأمة العربية.