يوم الشهيد .. بطولات على الأرض وأعراس في السماء

تقرير ـ عادل محمد
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .. جاءت هذه البشرى الإلهية العظيمة برداً وسلاماً على نفس كل من يفقد شهيداً قدم روحه ودمه دفاعاً عن دينه ووطنه وأهله، وهي بمثابة العلاج الناجع لذهاب الحزن والألم على فراق الإبن أو الأخ أو الزوج وكيف لا وهو في منزلة بالجنة لا يعادلها أي ثواب فالاستشهاد في سبيل الله أعلى مراتب الإيمان .
وبهذه الروح الفدائية تحتفل مصر في التاسع من مارس من كل عام بذكري ” يوم الشهيد” والذي يوافق ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض في عام 1969، حينما توجه للجبهة في اليوم الثاني لحرب الاستنزاف ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم السابق، وليكون بين أبناء قواته المسلحة في فترة جديدة تتسم بطابع قتالي عنيف ومستمر لاستنزاف العدو، وأثناء مروره على القوات في الخطوط الأمامية شمال الإسماعيلية، أصيب إصابة قاتلة بنيران مدفعية العدو أثناء الاشتباك بالنيران وفارق الحياة خلال نقلة إلى مستشفى الإسماعيلية، وخرج الشعب بجميع طوائفه في وداعه مشيعين جثمانه بإجلال واحترام ممزوجين بالحزن العميق .
وقد تم اختيار ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، الذي يحتضن ميدان التحرير تمثاله، بعد انتصار حرب أكتوبر ليكون يومًا للشهيد، وهو مناسبة لتذكر شهداء مصر الذين لم يبخلوا عليها بالتضحية بأرواحهم، حيث قدمت مصر ومازالت تقدم وستقدم أبناءها فداء للوطن وللمنطقة العربية بأسرها، فكل مصري هو مشروع شهيد يتحرك على قدميه إلى أن ينال الجائزة .
ومن روعة مصر وشعبها أن ذكرى ” يوم الشهيد” ليست مناسبة لتجديد الأحزان، ولكن للتأكيد على فكرة العطاء دون مقابل، والتضحية بالروح من أجل كرامة الوطن، فالمصريون قوم لهم مع الشهادة والشهداء قدر وباع وتاريخ طويل، ويحتفلون بها وبهم كما يحتفلون بأفراحهم، ويحيون في هذه المناسبة الكثير من ألوان التكريم والتقدير في مناسبات عديدة تخليدًا للتضحية وسموا بقيمتها النبيلة .
مسيرة الفداء تتواصل
رسمنا على القلب وجه الوطن .. تحول هذا النشيد الوطني الذي كتب كلماته الشاعر فاروق جويدة ووضع ألحانه الموسيقار كمال الطويل إلى شعار محفور في نفس كل جندي مصري يحفظه عن ظهر قلبه ويتخذ منه بوصلة تحديد المسار .. لتجد نفسك أمام طائفة من البشر يرفعون شعار إما النصر أو الشهادة فهذه بمثابة العقيدة الحاكمة لرجال الجيش المصري الأبطال .
وعبر الأجيال يواصل هؤلاء الأبطال اليوم تسطير أروع ملاحم الشهادة حيث يخوضون اليوم حرباً مقدسة لتطهير كل شبر من أرض مصرنا الغالية من العناصر الإرهابية والإجرامية في إطار العمليات العسكرية الشاملة بسيناء وباقي المحافظات والتي كلف بها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل نحو عام والتي أحرزت نجاحات مبهرة في قطع وسائل الإمداد عن تلك التنظيمات وتدمير البؤر الإرهابية ضبط الخارجين على القانون، لتتحول إلى خير امتداد لمسيرة شهداء مصر الأبرار الذين ضربوا أروع الأمثلة والقدوة فى الولاء والانتماء والفداء والتضحية من أجل الوطن والذود عنه وزرع الثقة في نفوس الأجيال الشابة والجديدة للمساهمة في التنمية والتعمير وبناء صرح الوطن ومجابهة كل أعدائه .
لذا يفخر الوطن دائمًا بأبنائه من الأبطال ومصر مليئة بهؤلاء الأبطال الذين ينتمون إلى كل بقعة من أرضها الطاهرة، حيث نهلوا من نيلها وتربوا تحت سمائها على قيم الشجاعة والفداء وحب الوطن إنهم فرسان قواتنا المسلحة أبناء ريفنا المصري وصعيدنا ومدننا، منهم من سقط في ميدان المعركة شهيدًا بعد أن حارب بشجاعة.
ومن أصيب وهو يدافع عن تراب الوطن وإذا كان هؤلاء الشهداء قد عرفوا عدوهم وحاربوه، فنحن اليوم نحارب المجهول إنها حربنا ضد الإرهاب وأعداء الدين والوطن وكل يوم يقدم أبناء القوات المسلحة تضحيات وبطولات تثبت أن مصرنا بخير، وأن شهداء القوات المسلحة بحق خير أجناد الأرض وهذه حقائق واضحة وناصعة حول بسالة التضحيات وروعة البطولات التى يقدمها شهداء القوات المسلحة المصرية دفاعًا عن أرض الوطن وأمنه وسلامته فى مواجهة الإرهاب الأسود .
فهذه البطولات لشهداء الجيش تستحق منا أن نفخر بها، ونستدعي من خلالها كافة القيم والمعانى الأصيلة والنبيلة الراسخة فى يقين هذا الشعب، فهي تظهر المعدن الأصيل والنبيل لهذا الشعب القادر على نقل جينات البطولة والوفاء والفداء من جيل إلى جيل، وتثبت أن أبناء القوات المسلحة الباسلة لا يتوقفون عن تقديم بطولات جديدة يسجلها التاريخ فى معنى الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله وحماية أرضه ومواجهة أعدائه الحقيقيين .
جيش مصر حصن العروبة
والثابت تاريخياً أن شهداء مصر عبر التاريخ لا يعدوا ولا يحصوا، فمنذ فجر التاريخ قدم أبناؤها أرواحهم فداء لها ودفاعًا عنها ضد الهكسوس، والتتار والمغول، فهي دائمًا وأبدًا مقبرة الغزاة ودرع حماية المنطقة بأكملها، وقدمت خيرة شبابها ورجالها إبان الحملة الفرنسية وطيلة فترة الاحتلال الإنجليزي من أجل جلاء المستعمر، وكان المصريون في مقدمة المدافعين عن فلسطين في حرب 48، وتجلت بطولة أبنائها أثناء العدوان الثلاثي الغادر على بورسعيد، وخلال حرب الاستنزاف التي أعقبت النكسة، وفي حرب أكتوبر المجيدة التي ثأرت فيها مصر لكرامتها محطمة أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم.
وعلى الرغم من حالة السلام التي تعيشها مصر منذ ذلك الحين، إلا أنها لم تتأخر يومًا عن أشقائها العرب فكانت من أولى الدول التي شارك جيشها في الدفاع عن الكويت ضد العدوان العراقي، وهو مازالت تؤكد عليه مصر حتى الآن بقول الرئيس عبدالفتاح السيسي عبارته الشهيرة ” مسافة السكة” في إشارة منه على استعداد الجيش المصري لمساعدة الأشقاء وقت الحاجة .
وتحيي مصر يوم الشهيد هذا العام في وقت يكثر فيه شهداء الإرهاب الأسود الغاشم وضحاياه الذي يحصد يوميًا خيرة أبنائها من الضباط والمدنيين، فقد استشهد حوالي ألف من أفراد الجيش والشرطة منذ احداث 25 يناير 2011، لذا فإن القوات المسلحة حريصة على إحياء هذه الذكرى بالإجلال والإكبار، والعرفان لهؤلاء الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكانوا أوفياء ليمين الولاء للوطن وافتدوه بأغلى ما يملكون مضحين بأرواحهم ودمائهم الذكية فداء للوطن وصونًا لقدسية ترابه، تاركين وراءهم الزوجة المترملة والأم الثكلى والأب الحزين والأبناء والأخوة .
تزايد أعداد الشهداء لا يزيد زملاءهم إلا عزمًا وإصرارًا على استكمال المسيرة حتى ينالوا الشهادة ويلحقوا بزملائهم، وخير دليل على عقيدة الجندي المصري حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما قال: إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض، وإنهم في رباط إلى يوم القيامة، فالمصري منذ طفولته يتغنى باسم مصر، مرددًا منذ الصغر ” نموت وتحيا مصر”، فالمصري لديه عقيدة الوطن، والإيمان بكرامته وحريته وشعاره دائماً الذي يضعه نصب أعينه : إما العيش بكرامة أو الشهادة دفاعاً عن الوطن .
انتفاضة ضد أكاذيب الإخوان
وفي إطار احتفالات مصر بهذه الذكرى الوطنية .. أطلق الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء حملة موسَّعة للتعريف بالشهيد وفضل الشهادة فى سبيل الله، لمواجهة تزييف جماعة الإخوان المتطرفة، وأنصارها من جماعات العنف، بأن قتلاهم فى مواجهة الدولة ومؤسسات الجيش والشرطة شهداء.
وأطلق مجمع البحوث الإسلامية حملة للتوعية بفضل ومكانة الشهيد الذى ضحَّى بأغلى ما يملك، للحفاظ على الوطن ومقدراته، تزامناً مع ” يوم الشهيد”، ويشارك فى هذه الحملة 2800 واعظ لتنفيذ البرنامج التوعوى فى جميع المساجد والمدارس والمعاهد ومراكز الشباب، والنوادى، والأمن المركزى والسجون، والمصالح الحكومية .
وقال محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الحملة تستهدف التوعية بمكانة الشهداء ودورهم العظيم فى حماية الوطن والدفاع عن أبنائه فى مواجهة مؤامرات الأعداء فى الداخل والخارج، مشيراً إلى أن الحملة تركز فى تواصلها على تعميق الانتماء فى نفوس المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية، وضرورة ترسيخ روح التضحية لأجل حماية الوطن وتقدير وإعزاز الأبطال الذين ضحَّوا بأنفسهم فداء لتراب هذا الوطن .
وأضاف “عفيفى” أن برنامج الحملة يوضح أهمية الدفاع عن الوطن وحمايته من كل مؤامرات الأعداء، خاصة فى هذه المرحلة الراهنة التى تتطلب من الجميع الاصطفاف خلف القيادة السياسية، ودعم جهود القوات المسلحة وقوات الشرطة فى مواجهة الإرهاب والتطرف، لتجفيف منابعه والقضاء عليه وحماية المصريين من مخاطره، لافتاً إلى أن الحملة تُبين، أيضاً، مكانة مصر فى القرآن الكريم، ووصية النبى صلى الله عليه وسلم بها وبأهلها، مما يستوجب الدفاع عن هذه الأرض الطيبة وحماية أبنائها، ووجَّه مجمع البحوث الإسلامية تحية تقدير وإعزاز لشهداء مصر الأبرار الذين ضحَّوا لأجل مصر.
كلمة أخيرة
ستظل قواتنا المسلحة الباسلة حصن الأمان ودرع الوطن وسيروي أبناؤها مسيرة العزة والمجد بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة .. حفظ الله مصر .