يناير الخالد .. بقلم وسام سمير
يناير الخالد ..
فيه كانت الثورة المصرية الفريدة التي تفجرت في اعماق البسطاء من شعب مصر وفتحت أبواب النقد والحريّة التي حرمنا منها طويلا فاخذ الكل يرنو الي مستقبل جديد لم نختبره من قبل مستقبل لا يوجد فيه جبروت مبارك الذي قتل فينا الرجاء والتكافل المجتمعي ورسخ لمجتمع مريض تعلو فيه كلمة الانا والطمع وتهيمن عليه خطيئة الجشع وبغض الاخر.
فكان يوم الوقوف مع الذات وجلد النفس المتراخية نعم الثورة الحقيقية في مصر كانت علي النفس، علي القديم والمتهالك في أعماقنا، لم تكن ثورة تدمير بل هي ثورة بناء وتجديد، قامت بها نفوس حائرة تشعر بالجوع والعطش وتخشي الغد المجهول، فتفجرت ثورة المصالحة مع النفس وابتسمت مصر في داخلنا جميعا وتدفقت الحرية المتسامحة من طاقات الغضب الكامن فينا فانكشف غطاء الاستبداد والفساد وصار مفضوحا مكشوفا من الجميع مما جعلنا نقف امام انفسنا بموضوعية مصقولة بالعاطفة والمشاعر، وادركنا انه يجب ان نتحرك الي الأمام في درب الديمقراطية وتحت وطأة الوقت والاعتبارات السيادية …
تحركنا ، تحركنا دون ان ندرك ان الوحش المتلون مازال يكمن في خرائب المجتمع ومازال يراقب ثورة التطهير التي بدأت في ٢٥يناير واكتملت في ٣٠ يونيو ، وتحرك الركب الديمقراطي ولم نري ذلك الوحش الذي قفز الي داخل الركب مرتديا ثوب الحملان وتظاهر بمعرفة الله وخوفه وأخذ ينادي ويبشر الناس بانه يملك مفاتيح الخلاص، فاقترب منه بعض المصريين وفي قلوبهم أمل الخلاص، فأخذ الثقة وتربع علي عرش مصر لمدة عام واحد كشف فيه عن نفسه وظهر وجهه الشيطاني ودوافعه الغادرة اتجاه مصر، وهنا كانت الصدمة التي بطشت وأطاحت بأحلام الحرية والتسامح وجعلتنا نري بوضوح أننا نواجه عدوا صريحا يريد ان يهتك عرضنا ويمزق اوصالنا الحضارية فنتغير ويموت وجه مصر، ويموت معه التاريخ والمفردات والمعاني والقيم المصرية العريقة التي جعلت من مصر سيدة العالم لأكثر من ثلاثة آلاف عام وماتزال متفردة، وأدرك العقل والضمير المصري العام مدي خطورة هذا العدو ومدي دهائه.
وعند هذه اللحظة ولدت الثورة الثانية في داخلنا وأخذت تغلي وتتكتل الي ان انفجرت بالفعل في وجه الوحش يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكان لابد من قمعه والسيطرة علي أنيابه الفتاكة وليس في طبيعة الشعب المصري ان يقاتل بالنيابة عن جيشه الذي هو منه ولم ينفصل يوما عنه ولم يحدث ان قاتل جيش مصر من اجل شعبا آخر غير المصريين، هذا الجيش الشريف الذي لم تدنس يداه في جريمة الجيوش المرتزقة التي اجتاحت العالم في العصور الوسطي، وبرجاحة النسور استل المقاتل المصري سيفه ووقف يقاتل الوحش وحده واختبيء الشعب المصري كله خلف هذا المقاتل الشريف ودارت المعركة وكان العدو حامي الوطيس ومعاند بقوة حتي مفرق النفس إلا ان الجيش المصري العظيم كان واقفا بالمرصاد وتغلب علي وحشية وهمجية الاخوان وتم القبض علي راس الافعي محمد مرسي وقضي علي التجمعات المسلحة التي شابت لها الرؤوس في رابعة العدوية والنهضة ولكن بعد ان دفع الشعب المسالم من أمنه وراحته الكثير وانتشرت الدماء في الشوارع البريئة منها وغير البريئة، وسمع الصراخ في البيوت وبين الاسر البسيطة وتمكن الهلع من الجميع إلا أنها عبرت كالكابوس الثقيل، وتنسم المصريين الصعداء وعبر الجيش الباسل بشعب مصر عبورا عظيما لايقل عن عبور أكتوبر المجيد.
واليوم نعيش جميعا في ترقب لان المعركة ماتزال مستمرة ولكنها قد حسمت استراتيجيا والباقي ما هو الاتوابع بسيطة سوف تنتهي تدريجيا ولكن علينا جميعا ان ُنعلم هذا الدرس لأولادنا ولكل الأجيال القادمة ليعلموا ان مصر ثارت علي نفسها وتصالحت مع اوجاعها وهي اليوم في طريقها الي مستقبل الأمل الذي ولد في داخلنا مع الخامس والعشرين من يناير واِكتمل بنصر الثلاثين من يونيو التاريخي .. وابتسم القدر حين جلس البطل علي العرش وهو اليوم يحكم هذه النفوس الجائعة الي العمل والكفاح من اجل تشكيل وجه مصر الجديد .. دعونا نعمل ونبني كي نمهد مستقبل جديد يكون دربا منيرا للاجيال القادمة.