وزيرة التخطيط تشهد إطلاق ونشر نتائج المسح التتبعي لسوق العمل المصري لعام 2018
افتتحت الدكتور هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري أعمال اليوم الأول من مؤتمر سوق العمل المصري: الواقع والسياسات من منظور النوع الاجتماعي ودرجة التأثر بالتغيرات الاقتصادية والذي ينعقد علي مدار يومي 27 و28 من أكتوبر الجاري حيث يتم خلاله إطلاق ونشر نتائج المسح التتبعي لسوق العمل المصري لعام 2018.
وأوضحت وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري في كلمتها أن هذا الحدث يمثل ثمرة لتعاون جاد بين مؤسسة وطنية عريقة متمثلة في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، والذي لطالما واصل تقديم اسهاماته الثرية لدعم وتطوير قواعد البيانات الشاملة والمتخصصة، ومنتدى البحوث الاقتصادية وهو أحد بيوت الخبرة الإقليمية المشهود لها بالكفاءة والمهنية والذي أسهم على مدار أكثر من ربع قرن بالعديد من البحوث والدراسات الميدانية القيمة، وفي مقدمتها سلسلة مسوح سوق العمل في الأعوام 1998، 2006، 2012، متابعة أن المسح التتبعي لعام 2018، والذي يتم إطلاقه اليوم يأتي استكمالًا لتلك السلسلة، والتي توفر لنا قاعدة بيانات مُتكاملة وتفصيلية لأحد أهم القضايا والمتغيرات الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي، وهي قضية التشغيل وسوق العمل.
وأشارت السعيد إلي تطلعها وشغفها الدائم لمثل تلك المسوح والدراسات القيمة، والتي تعد بمثابة ثروة من البيانات للخبراء والأكاديميين تفتح المجال لمزيد من الدراسة والبحث المتعمق لسوق العمل في جوانبه الاقتصادية والاجتماعية، بما يدعم متخذي القرار في سبيل وضع السياسات الفاعلة التي تتسق مع متطلبات الواقع وتحقق المستهدفات المطلوبة للتنمية الشاملة، وتابعت السعيد لافتة إلي المشاركة الواسعة في المؤتمر لنخبة متميزة من الخبراء والأكاديميين، فضلًا عن ممثلي الحكومة ومتخذي القرار والقطاع الخاص والمجتمع المدني إضافة إلى المشاركة البارزة للمنظمات المحلية والدولية المتخصصة، مؤكدة أن وجود هذا الجمع المتميز في مكان واحد؛ يعمل على إثراء النقاش حول ما توصل إليه مسح سوق العمل لعام 2018 من نتائج، بما يسهم في الخروج بتوصيات قيمة تعظم الاستفادة من نتائج هذا البحث المهم.
وأكدت السعيد أن المسح التتبعي لسوق العمل المصري لعام 2018 يأتي لإلقاء الضوء على عددٍ من المفاهيم والعلاقات الاقتصادية شديدة الأهمية، وفي مقدمتها العلاقة المتشابكة بين قضية التشغيل والنمو الاقتصادي، موضحة أنه أمر بديهي أن تكون العلاقة بينهما طردية، حيث يٌتيح النمو الاقتصادي المُرتفع مجالًا أوسع للنهوض بمستويات التشغيل، ومن ثَم تخفيض معدل البطالة، متابعه أنه تكفي مُقارنة معدلات البطالة في الدول المُتقدّمة بنظيراتها في الدول النامية للوقوف على الأثر الإيجابي للنمو الاقتصادي على فرص التشغيل، موضحة أنه لهذا يكون السعي لتحقيق معدل نمو اقتصادي مُرتفع هو خط الدفاع الأول أمام قضية البطالة.
وأوضحت السعيد أن الشواهد العملية تشير إلى أن النمو الاقتصادي وإن كان شرطًا ضروريًا للنهوض بمستويات التشغيل إلا أنه ليس شرطًا كافيًا، إذ يتعيّن الوقوف على معدل استخدام الطاقات الإنتاجية القائمة، وتخيّر نوعية الصناعات والأنشطة المُراد تنميتها أو ما يطلق عليها بالقطاعات الواعدة، إلى جانب تحديد أحجام المشروعات وتقنيّات الإنتاج، متابعة أن كلّ ذلك من منظور نِسَب توافر عناصر الإنتاج، بحيث يكون التوجّه الرئيسي لمنظومة التشغيل اختيار المجالات المُدخّرة لعنصر رأس المال، وكثيفة الاستخدام لعنصر العمل، هذا بالإضافة إلى ضمان التوزيع العادل لفرص العمل اللائق والمنتج بما يحقق مفهوم “النمو الشامل” بغاياته الاقتصادية والاجتماعية.
وفي السياق ذاته لفتت السعيد إلى مفهوم “الاستهداف” بشقيه الاقتصادي والاجتماعي، موضحة أن التعامل الأمثل مع قضية التشغيل يستلزم التحرّك الفاعل نحو استهداف التشغيل أو “النمو مع التشغيل”، بحيث يجد النمو الاقتصادي أساسه في تنامي القدرة الاستيعابية للأنشطة الإنتاجية من العناصر البشرية، حيث يكون التشغيل مصدرًا أساسيًا لنمو الناتج، موضحه أن التجارب الدولية أظهرت أن النمو الفعّال هو النمو الذي يقترن بارتفاع نِسَب التشغيل، لذا فمن الضروري أن تٌولِي خطط وبرامج التنمية عناية كبيرة بدراسة سوق العمل وخصائصه العامة، من حيث مُعدّلات البطالة وأبعادها المُتعدّدة، وكذا انعكاساتها على مستويات الدخول، وحدوث الفجوات التنموية بين الأقاليم الجغرافية خاصة في المُجتمعات والمناطق الفقيرة نسبيًا سواء في الريف أو أطراف المدن.
وأشارت السعيد أن مسح سوق العمل المصري لعام 2018، راعى إلى حد كبير الاعتبارات المهمة المتعلقة بالاستهداف الاقتصادي والاجتماعي في معالجة قضية التشغيل، موضحه أن المسح اعتمد على عددٍ كبيرٍ من المؤشرات المتعلقة بنشاط سوق العمل المصري، والوضع الاقتصادي للأسر المعيشية وممتلكاتها، والتعليم، والصحة، والزواج، فضلًا عن تكوين الأسرة والهجرة، بالإضافة إلى قياس المؤشرات المتعلقة بعدم استقرار العمالة، والصحة العقلية، والاعاقة، وتمكين المرأة، والأمن الغذائي، والأعمال الخطرة، والبنية التحتية المجتمعية، وتكاليف السكن، وسبل المعيشة الزراعية، وغيرها من المؤشرات ذات الدلالة الاقتصادية والاجتماعية المهمة.
وأوضحت السعيد أن المستهدفات الرئيسة للتنمية الاقتصادية وفقًا لرؤية مصر 2030 تتضمن تحقيق نمو احتوائي مستدام، وتنمية إقليمية متوازنة، إلي جانب توفير فرص عمل لائق ومنتج، خاصة وأن المجتمع المصري يتميز بأنه مجتمع شاب، تزيد نسبة من هم دون 30 عامًا عن 60%، وهو يمثل ميزة نسبية بوجود قاعدة إنتاجية عريضة تخفض من تكلفة العمل والتشغيل، إلا أنه يخلق في الوقت ذاته تحديًا يقتضي توفير المزيد من فرص العمل المنتج لتعظيم الاستفادة من هذه الثروة البشرية.
وتابعت السعيد أن التطبيق الناجح للبرنامج الوطني الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وما أثمر عنه من تحقيق معدلات نمو تصاعدية، هي الأعلى منذ 11 عامًا، بلغت 5.6% في العام المالي 18 /2019 وفي الربع الأول من العام الحالي 19 /2020، موضحة أنه ليس من المهم فقط النظر إلى القيمة المطلقة لمعدل النمو، ولكن الأهم هو معرفة مصادر هذا النمو، والتي تتمثل بنسبة تزيد عن 80% في كل من صافي الصادرات والاستثمار، مؤكدة أن التوجه الحالي للدولة هو التحول التدريجي من فلسفة النمو الاقتصادي التي كان يقودها الاستهلاك إلى النمو الاقتصادي القائم على الاستثمار وصافي الصادرات، بما يؤدي إلى توفير المزيد من فرص العمل اللائق والمنتج، موضحه أن هذا التطور الإيجابي تعزز بانخفاض معدلات البطالة، والتي وصلت إلى 7.5% خلال الربع الاول من عام 2019 مقارنة بنحو 13.2% في عام 2014 وهو معدل لم يتحقق منذ عقود.
واستمرارًا لتحقيق هذا النمو الاقتصادي المستدام، أوضحت وزيرة التخطيط أن الدولة حددت عددًا من الآليات اللازمة والتي يتمثل أهمها في زيادة حجم الاستثمارات الكلية والتوسع في الاستثمارات العامة، وذلك في ضوء التأثير الإيجابي لهذه الاستثمارات في خلق فرص العمل وتحسين مستوى معيشة المواطن والارتقاء بجودة الحياة، متابعه أن الدولة قامت خلال العام المالي 18 /2019 فقط بضخ استثمارات عامة مقدارها 460 مليارا بنسبة نمو 14٪، تشكل 49% من الاستثمارات الكلية البالغة 940 مليار جنيه، مع زيادة الاستثمارات الكلية في العام المالي الجاري 19 /2020 لتبلغ 1.17 ترليون جنيه بنسبة نحو 25%.
كما أكدت السعيد على تركيز الدولة على عددٍ من القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة العالية، والتي تزيد من فرص التشغيل، وتتمتع بعلاقات تشابكية قوية مع باقي القطاعات متضمنة قطاعات الصناعة التحويلية، تجارة الجملة والتجزئة، الإنشاءات والأنشطة العقارية والمرافق، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الزراعة، وذلك من خلال إجراء إصلاحات هيكلية بتلك القطاعات، وتحديد برامج وآليات التنفيذ ومؤشرات الأداء بالتنسيق بين كافة الوزارات والجهات المعنية وبالتعاون والشراكة مع القطاع الخاص.
وتابعت: أن من ضمن أهم الآليات التي تعوّل عليها الحكومة لتحقيق معدلات النمو المستهدفة استمرار الجهود لتشجيع وتنمية قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر مع العمل على تحفيز اندماج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، مشيرة إلى أن اهتمام الدولة المصرية بقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يرتكز في الأساس على إدراك كامل الإمكانيات الواعدة التي يتمتع بها هذا القطاع في مصر، إلى جانب تعظيم الاستفادة بما حققته التجربة الدولية في التنمية الاقتصادية من نجاحات كبيرة استطاعت أن تحققها العديد من دول العالم باعتمادها على هذا القطاع كقاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة مع قدرة هذا القطاع على استيعاب العمالة والتخفيف من حدة البطالة، ومعالجة مشكلة الفقر وزيادة الدخول والمساهمة في الابتكار، فضلًا عن مساهمة مشروعات هذا القطاع بفاعلية في تعبئة المدخرات المحلية وتوظيفها في عملية التنمية الاقتصادية، كما يساعد أيضًا في عملية التنمية المكانية وتحقيق التوازن الإقليمي للتنمية.
وفي هذا السياق لفتت السعيد إلي الإجراءات الجادة التي اتخذتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة لتشجيع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث كانت إجراءات شاملة ولم تقتصر فقط على الجوانب التمويلية، اذ اشتملت كذلك على تهيئة بيئة الأعمال لتسهيل الحصول على التمويل، إضافة إلى الجوانب المؤسسية بإنشاء جهاز واحد معني بهذا القطاع هو جهاز تنمية المشروعات، فضلًا عن الجوانب التشريعية بالعمل الجاري لإصدار مشروع القانون الجديد لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة للوصول إلى أفضل المزايا والتسهيلات التي يمكن تقديمها لهذه المشروعات، مضيفة أنه تم العمل كذلك على تقديم الدعم الفني وتوفير الخدمات غير المالية الداعمة لهذا القطاع، خاصة الخدمات التسويقية واللوجستية والتكنولوجية، وتوفير التدريب لتأهيل الكوادر البشرية، ودعم ريادة الاعمال وتشجيع ثقافة العمل الحر لدى الشباب.
وأوضحت السعيد أن العديد من المؤشرات المهمة التي رصدها المسح التتبعي لسوق العمل المصري لعام 2018، ومن بينها استمرار التفاوت النوعي في مُعدّلات البطالة والارتفاع الملحوظ في جُملة المُتعطّلين في سن الشباب، وبين حملة المُؤهّلات العليا، وكذا تفاوت المُعدّلات بين المناطق الحضرية والريفية، وفيما بين مُحافظات الجمهورية، جاءت لتمثل إضافة جديدة لقاعدة البيانات اللازمة لتحقيق الاستهداف في التخطيط التنموي وتوجيه جهود الدولة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، موضحة أن الدولة تكثف جهودها لتعظيم الاستفادة من كافة البيانات المتاحة لوضع البرامج والخطط التنفيذية، والتي تستهدف تحديد الفجوات التنموية وخفض معدلات الفقر وتحسين جودة الحياة للمواطن المصري، من خلال زيادة نسبة الاستثمارات الموجهة للقرى الأكثر فقرًا في إطار مبادرة حياة كريمة، والتي تعتمد في تنفيذها على المؤشرات التي توصل اليها بحث الدخل والانفاق و خريطة الفقر لعام 17/2018، فضلًا عن توجيه برامج دعم وتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر تجاه المحافظات الأكثر فقرًا، وتخصيص نسبة محددة من التمويل لهذه المحافظات، وزيادة الدعم الفني والتمويلى المقدم لأنشطة الأسر المنتجة في المحافظات المستهدفة، ودعم المشروعات متناهية الصغر للمرأة المعيلة منها مشروع “مستورة”.
واختتمت السعيد كلمتها مؤكدة علي حرص الدولة لاستكمال توجهها الجاد نحو تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا من خلال تشجيع مشاركتها في سوق العمل سواء في شغل الوظائف الحكومية، والتي وصلت نسبة المرأة بها 45% من إجمالي الوظائف الحكومية أو من خلال تشجيع إقامة المرأة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير الدعم والتمويل اللازم لذلك.