وزارة الثقافة المصرية تحتفل بالذكرى السادسة والثلاثين لتحرير سيناء
تحتفل وزارة الثقافة المصرية اليوم، الأربعاء، بالذكرى السادسة والثلاثين لعيد تحرير سيناء وسط اصطفاف المثقفين في جبهة الحرب النبيلة لإلحاق الهزيمة النهائية بفلول الإرهاب واتفاقهم على أهمية المضي قدما في جهود التنمية الشاملة لأرض الفيروز.
وتأتي الذكرى السادسة والثلاثون لعيد تحرير سيناء وسط إشارات مظفرة لانتصار “الثقافة الوطنية والهوية المصرية العريقة” مع النجاح المتواصل للحرب المجيدة والنبيلة التي يخوضها جند مصر الأبرار في “عملية سيناء الشاملة 2018” لتطهيرها من فلول الإرهاب العميل تماما كما حرروها من قبل من الاحتلال الأجنبي.
وإذ يتجلى هذا المشهد العظيم في قلب وعقل الجماعة الثقافية المصرية، تشهد قصور ومراكز الثقافة على امتداد الخارطة المصرية العديد من الأنشطة الثقافية والفنية احتفالا بالذكرى السادسة والثلاثين لتحرير سيناء وبعناوين لافتة مثل: “سيناء الحلم والأمل” و”سيناء ارض الفيروز” و”سيناء أرض الرسالات” و”سيناء صانعة البطولات وقاهرة الإرهاب”، وتضمنت هذه الاحتفالات محاضرات وأمسيات شعرية وندوات ومناقشات حول كتب تتعلق بهذا الجزء العزيز من أرض الكنانة مثل “كتاب سيناء” لأحمد يوسف.
كما تنظم دار الأوبرا المصرية مساء اليوم، الأربعاء، احتفالية فنية لأطفال وشباب مركز تنمية المواهب على “المسرح المكشوف” تتضمن باقة من الأغاني الوطنية التي تحتفظ بها الذاكرة الثقافية والفنية للمصريين ومن بينها: “مصر التي في خاطري” و”صباح الخير يا سينا” و”طالعين على أرض الفيروز”.
ويقول مثقفون مصريون مثل الدكتور أسامة الغزالي حرب إن عودة سيناء لأحضان الوطن ألهبت منذ 36 عاما مشاعر الشعراء والفنانين وشدت الفنانة العظيمة الراحلة شادية أغنيتها البديعة “مصر اليوم في عيد”، وهي من كلمات الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد وتلحين الموسيقار جمال سلامة.
كما تأتي هذه الذكرى الغالية على كل مصري فيما تتواصل عملية التنمية الشاملة بسيناء الحبيبة بينما تتوالى الطروحات والتعليقات عبر الصحف ووسائل الإعلام والمنابر الثقافية حول “أرض الفيروز” و”بوابة مصر الشرقية”.
ويقول وزير الثقافة الأسبق والأكاديمي والناقد الدكتور جابر عصفور إن سلاح المثقفين في مواجهة الإرهاب يتمثل في “الوعي المفتوح والعقل المستنير والوعي الديني المتجدد وتوسيع آفاق الاجتهاد مادامت النوايا صالحة مقصدها الخير لا الشر وهدفها مصلحة أغلبية الناس”.
ودعا الدكتور أسامة الغزالي حرب، المعلق في جريدة “الأهرام” لتلقين الأبناء والأحفاد معنى و مغزى الاحتفال بذكرى يوم تحرير سيناء كحدث مجيد في تاريخنا المعاصر ونتاج جرب ضارية مجيدة شنها آباؤهم أو أجدادهم في السادس من أكتوبر 1973 لتحرير هذه الأرض المصرية، مشددا على أهمية تنمية سيناء.
وقال الدكتور جمال شقرة، مقرر لجنة الدراسات التاريخية بالمجلس الأعلى للثقافة وأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، إن سيناء مستهدفة عبر التاريخ، موضحا أن العثمانيين حاولوا غير مرة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين اقتطاع سيناء من مصر غير أن محاولاتهم كتب عليها الفشل شأنها شأن كل محاولات قوى الأطماع الإقليمية والدولية.
ولاريب أن المعارك الحالية لتطهير سيناء من فلول الإرهاب وقصص وبطولات الشهداء الأبرار من جند مصر البواسل تكتب صفحة جديدة ومضيئة في السجل الطويل والمجيد لكفاح المصريين دفاعا عن وطنهم ودولتهم الوطنية المستقلة بقدر ما تؤكد من جديد على المكانة السامية التي تحظى بها سيناء في الضمير الوطني المصري باعتبارها الأرض التي تجسد معاني “جغرافيا الشهداء”.
وهكذا يقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة: “هناك وثيقة تاريخية طويلة بين سيناء وجيش مصر مدادها الحب والعرفان والتضحية وهذه الوثيقة سطرتها دماء وتاريخ وشواهد، ففي كل ذرة تراب توجد أنفاس شهيد ونبضات مقاتل”.
ويتفق العديد من المعلقين وأساتذة التاريخ مثل الدكتور جمال شقرة على أن ثورة 30 يونيو عام 2013 أحبطت مؤامرة جديدة كانت تستهدف سيناء كجزء عزيز من التراب الوطني المصري مؤكدين في الوقت ذاته أن دعم جهود التنمية الشاملة في سيناء مهمة وطنية تتطلب تكاتف كل المصريين.
ومصر التي حاربت لتحرير سيناء هي أيضا صانعة السلام القائم على العدل وتتطلع لنشر ثقافة السلام في شتى أنحاء العالم وقد لا يغيب في ذكرى تحرير سيناء أن هذا اليوم، الأربعاء، يشهد أيضا تظاهرة ثقافية وفنية عالمية تعزز ثقافة السلام وتنطلق من “متحف الطفل” في حي مصر الجديدة القاهري ضمن فعاليات مهرجان “حوار الطبول من أجل السلام”.
وإذا كان الأمين العام الجديد للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور سعيد المصري عرف كأستاذ لعلم الاجتماع في جامعة القاهرة بدراسات ثقافية جادة تتناول قيم العمل والمستقبل والشباب، فإن العديد من المثقفين يتفقون على أن التنمية الشاملة لسيناء تشكل عبورا لمستقبل أفضل لكل المصريين.
ورأى الدكتور جابر عصفور، صاحب كتاب “في مواجهة الإرهاب”، أن مثقفي الاستنارة المصرية والعربية لم يقصروا في مواجهة الإرهاب الظلامي وإدانته وتعريته، فضلا عن تحليل مفاهيمه الزائفة والكشف عن فسادها، مشددا على أهمية “الثقافة والتعليم في المواجهة الجذرية للإرهاب”.
ويؤكد الدكتور جابر عصفور أهمية الإبداع دفاعا عن المستقبل، مشيرا إلى أن “القوى الناعمة هي الذخيرة المعنوية الموازية للذخيرة المادية في فعل القضاء على الإرهاب وجرائمه التي تتناقض كل التناقض مع الدين الإسلامي السمح”.
وفيما يتفق الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة مع الرؤية التي تؤكد أهمية الجوانب الفكرية والثقافية والتعليمية في مواجهة الإرهاب، فإنه ينوه بالدور المهم للأزهر الشريف والمؤسسات الثقافية والتعليمية على صعيد تجديد الخطاب الديني، مشيرا إلى أن “الحل الأمني ضرورة لا بديل عنها ولكن تبقى معركة الفكر ضد الإرهاب مسئولية المجتمع كله”.
وتابع جويدة: “لابد وأن تقوم في سيناء مؤسسات تعليمية وثقافية عصرية”، مؤكدا أن تطهير سيناء من عصابات الإرهاب إنجاز تاريخي ومع تراجع حشود الإرهاب سوف تتقدم مواكب التنمية.
ومع الحفاوة الثقافية بذكرى يوم تحرير سيناء الذي يوافق الخامس والعشرين من أبريل يتردد السؤال على إيقاع اللحظة المصرية ووقعها: “هل حان الوقت لتحويلها من وقائع احتفالية إلى ثقافة حاضرة فاعلة في الواقع المصري” لتعلي من مجموعة قيم النصر وثقافة هي ثقافة الأمل والعمل على امتداد المجتمع كله وبتعدد أطيافه داخل الجماعة الوطنية.
فجند مصر الذين انحازوا مرة تلو الأخرى لإرادة الشعب وحموا ثورته كان لهم أن يصنعوا أمثولة جديدة في الوطنية والفداء في حربهم النبيلة ضد الإرهاب في سيناء والقضية متصلة “بعلم الصراع” وما يرتبط به من استعمالات القوة والأبعاد والمعاني الجديدة للإرهاب كظاهرة تهدد حتى وحدة أراضي الدولة والحفاظ على ترابها الوطني وهي كظاهرة اتسع نطاقها في سياق العولمة ليظهر الإرهاب العابر للحدود والأوطان.
وجماعات الإرهاب طرف عميل في “تحالفات المصالح والمهام”، حيث بعض أصحاب “الأحلام النائمة” لإحياء امبراطوريات بادت وباتت في ذمة التاريخ لديهم استعداد للتحالف مع قوى خارج الإقليم لديها مشاريع لإعادة رسم خرائط المنطقة بما يحقق المزيد من مصالحها التي لا تكترث للدماء المراقة جراء التناحرات الطائفية أو حتى الحروب الأهلية.
والحرب الجديدة التي يخوضها جند مصر في سيناء هي حرب ضد الجهالة والخيانة معا وهي في المقام الأول حرب تدافع عن الثقافة الوطنية المصرية وتنتصر لها في عالم يشهد تغييرا ثقافيا عميقا حتى في مفاهيم الحرب التي تنتقل من “إطلاق النار إلى إطلاق الأفكار”.
إنها حركة التاريخ حيث جدل وصراع المطالب والمصالح وحسابات الربح والخسارة وحيث تضحيات المقاتلين دفاعا عن حقوق شعبهم في الاختيار الحر وأشواقهم في التقدم والنماء داخل الدولة الوطنية واستيعابا لمعنى الشكل الجديد للصراع الذي بات صراع نظريات وأفكار، والحروب الحديثة هي بالدرجة الأولى حروب على العقول والقلوب.
والإرهاب يقف وراءه ممولون ومشجعون ومروجون في الحرب على مصر بعد الموجة العظمى لثورتها في الثلاثين من يونيو والتي انتصرت للدولة الوطنية ومعنى التراب الوطني ورفض مؤامرة تمزيق الوطن واقتطاع اراضيه ومحاولة تسويق المؤامرة بشعارات دينية والدين منها براء.
وإذا كانت مصر الآن بحاجة ماسة “لثقافة الأمل والعمل”، فإن أروع ما في ملحمة تحرير سيناء أمس واليوم أن المقاتلين المصريين يقاتلون مدافعين عن شرف علم مصر “وعيونهم ليست في ظهورهم وإنما ترنو للأمام طالبين النصر أو الشهادة ليشكلوا ثقافة جديدة هي في جوهرها ثقافة التقدم للمستقبل”.
وهذه الثقافة بمكوناتها الجوهرية من مبادأة ومبادرة وابتكار وإبداع وتضحية وفداء وإيمان لابد وأن تكون “حياة” وثقافة حاضرة وفاعلة في الواقع أن كان للمصريين أن ينشدوا حياة أفضل، ها هي الذكرى الـ36 لتحرير سيناء تأتي وقد نجح أبناء من عبروا في حرب تحرير الأرض من الاحتلال في هزيمة الإرهاب الذي يلفظ الآن أنفاسه الأخيرة بتلك الأرض المصرية.
هي سيناء وكم ردت من عوادي وأعداء، هي سيناء أنشودة الكبرياء والدم الزكي وروعة الانتماء لمصر الكنانة، هي الأرض المصرية المباركة الحاضرة في التين والزيتون وفي طور سنين وفي ورق الدفلي وعطر الياسمين، في السهول والجبال الشم وابتهالات أم وابتسامة طفل في ضوء قمر مصري.