هي دي مصر.. شعب صبور ورئيس جسور في مرحلة شديدة القسوة
لك الله يا مصر.. كثيرا ما كنا نردد هذه العبارة دون إدراك حقيقي لحجم ما تواجهه من تحديات، إلا أن الشهور الماضية جعلتنا نستشعر معناها على نحو غير مسبوق في أي فترة زمنية ربما على مر العصور.. فقد شاءت الأقدار أن تحاصر مصر حدود مشتعلة الجبهات ومن جميع الجهات.
فغني عن القول ما تشهده الحدود الشرقية من حرب طاحنة بين الأشقاء الفلسطينيين وجيش الاحتلال الغاشم، وما ألقاه على مصر من مسئوليات تعجز عن القيام بها أعتى الدول بداية من مواجهة مخطط التهجير القسري وتقديم كافة أوجه الدعم والمساعدات، وقيادة جهود التفاوض لوقف نزيف الدم العربي.. ثم انتهى الأمر بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ووصول عناصر مسلحة لسدة الحكم وما يمثله من خطر على حاضر ومستقبل الدول العربية قاطبة.
هذا إلى جانب ما تشهده الجبهة اليمنية بعد دخولها مسرح المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، مما أثر بشدة على عدد السفن والحاويات العابرة لقناة السويس.. وهو الأمر الذي انعكس على انخفاض إيرادات القناة لأكثر من 50% من دخلها بالعملة الأجنبية.
وفي الجنوب.. تشتعل معارك الحرب الأهلية الطاحنة بين الأشقاء السودانيين، وهو ما ألقى أيضاً بأحمال زائدة جداً على مصر ما بين استقبال أكثر من مليون و500 ألف لاجئ سوداني فروا من أتون الحرب المشتعلة.. إلى جانب فعل كل ما بوسعها لتهدئة الأوضاع ومحاولة اخماد نيران المدافع.
وفي الغرب حيث تواجه الدولة الشقيقة ليبيا تحديات خطيرة بسبب الانقسام الحاد بين أبناء البلد الواحد، وهو ما يلقي على مصر أعباء ثقيلة ما بين محاولة رأب الصدع ولم شمل الليبيين، وكذلك تأمين حدودها الغربية التي لا تقبل أي اضطرابات خطيرة.
وفي مواجهة كل هذه التحديات الصارخة، لم تتوان مصر، رئيساً وحكومة وشعباً، عن الجيران الأشقاء.. ولم تقبل القيادة السياسية ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي فرض أي أجندات أو الدخول في صفقات مشبوهة أو المتاجرة بالأزمات.. فكان رمزاً لشموخ مصر بماضيها العظيم وحاضرها الوطني المشرف.
ووسط جميع هذه الظروف شديدة الصعوبة.. لا تتوانى الشقيقة الكبرى مصر عن تقديم كافة أوجه العون والدعم لشقيقاتها من الدول العربية، مما يلقي بظلاله الرمادية، بل أحيانا القاتمة، على الأحوال المعيشية لأبناء مصر وهو ما يتمثل في تراجع الدخل القومي بسبب تأثر السياحة وانخفاض موارد قناة السويس وارتفاع قيمة الواردات بالعملات الأجنبية مما يؤثر بشدة على ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات التي يتحملها المواطنون الصابرون الصامدون المرابطون على كل حبة رمل من وطنهم.
ومن روعة الشدائد التي تمر بمنطقتنا العربية أنها تظهر على أحسن ما يكون جوهر الشعب المصري الأصيل، الذي لا تكسره الأزمات بل تزيده صلابة، ولا يتحين الفرص للحصول على مطالب فئوية، بل أنه يزداد صموداً وتحملاً عن وعي وإدراك شاملين بطبيعة حساسية وخطورة المرحلة المحيطة بنا.. بل على العكس تماماً يزداد التفافاً واصطفافاً خلف قائده الوطني وجيشه الباسل، كما يزداد إصراراً على الزود عن أرض الكنانة بكل ما يقدرون عليه ولو بالصبر والعيش على الأمل في غد أفضل.
كلمة أخيرة
الحفاظ على الأوطان يحتاج شحذ جميع الطاقات وتوحيد الإرادة ونبذ الفرقة والتصدي للفتن، خصوصاً في مواجهة الأمواج الغادرة.