شويّة دردشة

هيكل وحمدين !! .. بقلم إيمان إمبابى

ايمان امبابى

أطل علينا منذ عدة أسابيع الأستاذ “محمد حسنين هيكل”.. وعلى مدار بضع ساعات ظل يقول كلاما, يبدو ظاهريا أنه تحليل للوضع الحالى فى مصر.. ومايدور حولها فى المنطقة.. تحت عنوان فقد معناه “مصر أين.. مصر إلى أين؟”.. لأن مصر تدرك جيدا أين هى.. كما تدرك أيضا إلى أين ستذهب.. رغم كل الصعوبات والتحديات الداخلية والدولية التى تحاصرها.. مصر للمرة الأولى منذ 40 عاما تقريبا.. تعرف ماحدث لها على مدار سنوات.. وتعرف مرضها الذى تعانيه الآن.. وتعرف أيضا علاجها منه.. مصر الإدارة والمؤسسة العسكرية والشعب إلا قليلا!!

أما الأستاذ هيكل.. المعتكف فى “برقاش”.. والذى تقطعت كل أوردته التى كانت تتدفق منها المعلومات.. فتتيح له مجالا واسعا للتحليل.. بغض النظر عن منطقية هذا التحليل من عدمه.. أو المصلحة التى كانت تجلب من ورائه!!.. “الأستاذ” كما يفضل مريدوه أن يقولون – له أو عنه – لم يعد متصلا.. بالمرة.. لا بدوائر عليا أو وسطى لصنع القرار.. ولا بالمواطنين الذين لم يكونوا يوما ضمن أدواته لتحليل أى شىء.. لكنه يصر أن يخرج علينا من وقت لآخر عبر إحدى الشاشات.. فى الوقت الذى يحدده هو.. ليؤكد لنا – وهما – أنه متصل.. وأنه يعلم.. وأنه يملك رؤية للتحليل.. وأنه يقدم نصحا للرئيس.. وأنه مازال إمبراطورا فى عالم الفكر والسياسة.. ملخص حواره الأخير يقول, عكس ما يرى ويشعر المواطنين.. أن مصر فى مأزق نتيجة لإدارتها.. وأن الشباب غاضب ومحجم ومنسحب.. وأن الوضع الاقتصادى صعب الخروج منه.. وأن البلد تحكم بلا رؤية ولا استراتيجية.. وأن المصالحة الوطنية مطلوبة الآن على غرار ما قام “مانديلا” فى جنوب إفريقيا.. لم يتكلم “الأستاذ” عن أى شىء إيجابى.. لا طرق ولا أراضى زراعية ولا إسكان اجتماعى ولا تنمية قرى فقيرة ولا مشروعات عملاقة.. حتى عندما اضطر للحديث عن قناة السويس أطلق عليها لفظ “تفريعة”.. متجاهلا عمدا أن الأمر لا يقتصر على شق قناة.. إنما مشروع تنموى ضخم لمدن القناة وسيناء.. تجاهل كل ذلك.. وأصر على بضع عناوين.. يعلم جيدا أن صحفا بعينها ستنقلها عنه لعدة أيام بعد إذاعة الحوار!!

والسؤال الذى يحق لك أن تسأله بالطبع.. ما مناسبة الحديث عن “هيكل” الآن؟!!

أجيبك ببساطة.. أننى تجاهلت الكتابة عن هذا الحديث حينها.. وعندى الكثير لتفنيد كل جملة قالها.. وكل محور تحدث فيه.. لكننى تذكرته منذ يومين مع كثير من القرف.. بعد مشاهدتى لأحد “حوارييه” متحدثا فى برنامج “توك شو” يقدمه أحد الإعلاميين الذى اشتهر على صفحات التواصل الاجتماعى باسم “بوتاجاز الإعلام المصرى!!

المرشح الرئاسى الذى حصل على المرتبة “الثالثة” فى انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة منافسا للرئيس “عبد الفتاح السيسى”!!.. حمدين صباحى.. حديثه الذى استمر لما يقرب من 5 ساعات.. بث عمدا عندما كان عموم المصريين يتابعون قداس الاحتفال بعيد الميلاد المجيد على شاشات الفضائيات المصرية معظمها!!.. وفى اللحظة التى دخل فيها الرئيس الكاتدرائية.. وسط فرحة عارمة من الشعب المصرى كله إلا قليلا.. خرج علينا المرشح “الثالث” فى انتخابات خاضها مرشحين “اثنين”.. قال ما قاله “أستاذه” من قبل.. مع الكثير من التوابل التى يغرى بها أنصاره الـ700 ألف.. ولا أدرى إن كانوا بنفس الرقم أم تناقصوا.. يستجدى صحفا ومواقع تراجعت نسب توزيعها أوقراءتها.. لتخرج مانشيتات فى اليوم التالى للحوار.. لكن “توابله” يبدو أنها زادت عن المطلوب فأفسدت طبخة رديئة فى الأصل تثير الغثيان قبل أن تهضم.. ما قاله “هيكل” قام “حمدين” بتجويده.. بأن دافع عن الإخوان, والهاربين فى قطر وتركيا والنمسا الذين يمكنك بضمير مستريح أن تطلق عليهم لفظ “خونة”.. انتقد الجيش المصرى لما يقدمه للمصريين.. اتهم الرئيس بأنه لا يملك رؤية ولا استراتيجية.. وهى جملة صارت من طول ما رددتها نخب شاخت فى أماكنها جملة “سيئة السمعة”.. ولم يتردد فى أن يسمى القناة الجديدة أيضا “تفريعة”.. انتقد فض بؤرة رابعة الإجرامية معللا بأن “الدم المصرى كله حرام”!!

ظل “حمدين” يبث خطبة عصماء لا تشعر فيها بوجود طرف آخر مفترض أن يحاور لمدة 5 ساعات.. رفض خلالها المداخلات الهاتفية من المواطنين.. مهددا بمغادرة الاستديو.. ليصبح من حقك أيضا السؤال: إذا كان لا يريد أن يسمع الناس.. فإلى أى جمهور خرج يتكلم؟!.. إذا كان جمهوره هو الـ700 الف من مناصيريه.. فكان من السهل تجميعهم فى الصالة المغطاة مثلا والحديث إليهم كيفما يشاء.. أما أن يقول أن المداخلات الهاتفية تعنى ميلشيات مخصصة للهجوم عليه.. فهو أمر يتطلب طبيب نفسى لتحليل تلك الشخصية!!

أما رد المصريين فقد اشتعلت به مواقع التواصل الاجتماعى والمقاهى الشعبية.. بكل الصور والفيديوهات للمرشح الرئاسى “الثالث” القديمة والأكثر قدما.. صوره مع مرشدى الإخوان عاكف وبديع.. وفيديو يتحدث فيه عن الشاطر كمناضل مصرى.. وفيديوهات مساندة ودعم حماس الإرهابية.. حتى بعد إجرامها الأخير بعد 30 يونيو 2013.. والكثير من النكات التى أطلقت تلخص شخصية المرشح “الثالث”.. ولأن “المناضل” لا يعرف المواطنين.. كما “الأستاذ” تماما.. فهو معتكف مع زمرة لا تزيد بأى حال عن 100 شخص غير مجتمعين.. هم الذين يلتقيهم باستمرار.. وهم الذين يتناول معهم “الاستاكوزا” قبل أن يخرج على الفضائيات ليتكلم عن الشعب والعدالة الاجتماعية.. وبعضهم يوفر له السيارة المرسيدس والحرس الخاص.. فى زياراته لمدينة الإنتاج الإعلامى.. ولا تسأل عن مهنة “حمدين” ولا من أين ينفق على أسرته ولا إدراكه لقيمة العمل.. عندما يحدثنا عن البطالة.. لأن هذا السؤال بالذات يغضب المرشح الرئاسى “الثالث”.. إتركوه وأستاذه فى اعتكافهما الطويل.. فلا أمل لها فى الخروج من صومعة “الأنا”.. ولتمض قافة الوطن إلى حيث يعرف المصريون.

                                                                                                                                             إيمان إمبابى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى