بعد سنوات من سيطرتها على سوق السيارات في العالم، تواجه شركات صناعة السيارات الألمانية، خطر الابتعاد عن القمة بسبب القدرة المدهشة لدى الصين على إنتاج سيارات كهربائية تنافسية تحقق مبيعات جيدة.
وكشف معرض بكين الدولي للسيارات الأخير عن هذا الوضع بصورة جلية، حيث جذبت السيارات الكهربائية الصينية قدرا من الاهتمام أكثر مما حظيت به أحدث المنتجات الألمانية المشاركة في المعرض.
في الوقت نفسه، فقد كان الحضور الألماني في قطاع السيارات الكهربائية في معرض بكين واضحا، حيث قدمت شركة “بي.إم.دبليو” الألمانية للسيارات الفارهة سيارتها الكهربائية الجديدة “آي.إكس3” من فئة السيارات متعددة الأغراض ذات التجهيز الرياضي “إس.يو.في”. كما قدمت منافستها “مرسيدس بنز” أول سيارة كهربائية بالكامل من إنتاجها، وهي “إي كيو آيه”، مشيرة إلى اعتزامها بدء إنتاج هذه السيارة التي تم تصميمها من البداية كطراز مستقل لسيارة كهربائية خلال العام المقبل.
وعرضت “فولكسفاجن” الألمانية، أكبر منتج سيارات في العالم، لقطات فيديو لأصول سياراتها الكهربائية “آي.دي” والذي تعتزم بدء طرحه في الأسواق بنهاية .2019
وعندما يتعلق الأمر بالسيارات ذات المحركات التقليدية، سواء التي تعمل بالبنزين أو بالديزل (السولار) فإن السيارات الألمانية تأتي في المقدمة منذ سنوات في السوق الصينية. أما الآن فيبدو أن الشركات الصينية تسعى إلى السيطرة على سوق السيارات الكهربائية في العالم، والتي يتوقع الكثيرون أن تنمو بقوة خلال السنوات المقبلة.
يقول خبير صناعة السيارات الألماني “فرديناند دودينهوفر” إن صناعة السيارات الصينية قطعت شوطا كبيرا على طريق التقدم، منذ الوقت الذي كانت فيه منتجات صناعة السيارات الصينية توصف على سبيل السخرية بأنها “أطباق أرز” نظرا لنتائجها الكارثية في اختبارات تحمل التصادم، والتقليد السيئ لمنتجات شركات السيارات الأمريكية والأوروبية.
ويضيف الخبير الألماني أن “الصين تسعى بالفعل للعب دور رائد في صناعة السيارات”، حيث تقطع صناعة السيارات ومكوناتها في الصين خطوات واسعة إلى الأمام.
ويمكن القول إن شركات صناعة السيارات الصينية اختارت استراتيجية “قفزة الضفدع”. فبدلا من الدخول في منافسة مع المهندسين الألمان في تطوير محرك تقليدي جديد، أو صندوق تروس ونظام نقل حركة متقدم، فإنها قررت وببساطة الاتجاه نحو طريق جديد ومختلف نسبيا، وهو إنتاج سيارات كهربائية مناسبة للاستخدام اليومي.
وتدعم الحكومة الصينية جهود شركاتها المحلية في هذا الاتجاه من خلال ضخ استثمارات ضخمة وخلق بيئة حمائية تضمن لهذه الشركات السيطرة على السوق الصينية المحلية للسيارات الكهربائية.
ويرى الخبراء أن شركات السيارات الألمانية بشكل خاص ضخت استثمارات كبيرة في مجال السيارات الكهربائية، لكن هذه الأموال ببساطة تعد قليلة للغاية، ومتأخرة جدا، مقارنة بما تفعله الشركات الصينية. ويقول “جيا شينجوانج” خبير السيارات الصيني إن “الشركات الألمانية لا تملك الكثير الذي يمكن أن تقدمه للعملاء عندما يتعلق الأمر بالسيارات الكهربائية”.
يأتي ذلك فيما أطلقت مجموعة “فولكسفاجن” الألمانية علامة تجارية جديدة للسيارات الكهربائية في الصين باسم “سول” وتعتزم استثمار 15 مليار يورو في شراكة مع شركة “أنهوي جيانج هواي أوتوموبيل جروب كورب” (جاك) الصينية. وقد قدمت المجموعة الألمانية أولى ثمار العلامة التجارية الجديدة باسم “إي 20 إكس” وهي من فئة السيارات متعددة الأغراض ذات التجهيز الرياضي (إس.يو.في) في معرض بكين الدولي للسيارات.
وقال “يوخم هايتسمان” الرئيس الإقليمي لمجموعة “فولكسفاجن” في الصين “نريد أن نكون في المقدمة في كل القطاعات، التي ستحدد مستقبل الحركة والنقل في العالم”.
وحتى الآن لم تقدم “فولكسفاجن” سيارة كهربائية واحدة في السوق الصينية، رغم أن تكنولوجيا السيارات الكهربائية متاحة منذ سنوات. في المقابل فإن شركة “بيلد يور دريم” (بي.واي.دي) الصينية لصناعة السيارات لديها تسعة طرز من السيارات الكهربائية، كما تنتج الشركة الصينية آلاف الحافلات ومركبات النقل الجماعي التي تعمل بمحركات كهربائية.
كما تأتي في المقدمة في السوق الصينية شركة “جيلي” إحدى أنشط شركات السيارات الصينية، والمملوكة للملياردير الصيني “ليو شوفو” والتي اشترت مؤخرا 10% من أسهم شركة دايملر الألمانية لصناعة السيارات، والتي تنتج سيارات مرسيدس.
وتنتج “جيلي” حاليا 3 سيارات كهربائية بالكامل، وتعتزم التوسع في السوق الخارجية للسيارات الكهربائية أيضا. كما يوجد في الصين عدد كبير من الشركات الناشئة في سوق تكنولوجيا السيارات الكهربائية مثل “بيتون” و”نيو” والتي لديها خطط للتوسع عالميا. وقد بلغت مبيعات السيارات الكهربائية في الصين خلال العام الماضي حوالي 770 ألف سيارة كلها من إنتاج الشركات المحلية.
وتعتبر الحكومة الصينية قوة دفع رئيسية وراء التطورات الحالية في صناعة السيارات الكهربائية الصينية، والتي تستهدف تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لشركات صناعة السيارات في مختلف أنحاء العالم.
فالحكومة الصينية تفرض قيودا مشددة على تسجيل السيارات التي تعمل بمحركات وقود تقليدية، والتي يرغب أصحابها في استخدامها في شوارع بكين وشنغهاي، حيث يضطر مشترو هذه السيارات إلى الانتظار لفترة طويلة قبل ترخيص السيارة، أو يكونوا من سعداء الحظ الذين يفوزون بلوحة معدنية للسيارة الجديدة في السحب الخيري الذي يجري تنظيمه بهدف الحد من أعداد السيارات التقليدية المسموح بتسييرها في المدينتين الرئيسيتين للحد من تلوث الهواء فيهما.
وتسعى إدارة العاصمة الصينية بكين إلى تقليل عدد لوحات السيارات الجديدة المتاحة للمشترين، وتشجيعهم على اللجوء إلى السيارات التي تعمل بمصادر الطاقة الجديدة مثل السيارات الهجين، والسيارات الكهربائية خلال السنوات الثلاث المقبلة، بهدف الحد من الزحام المروري وتلوث الهواء. بمعنى آخر فقوائم الانتظار لتسجيل السيارات الجديدة التي تعمل بمحركات كهربائية، أقصر كثيرا من قوائم انتظار السيارات التقليدية.
وتقدم الحكومة دعما ماديا كبيرا لمن يشتري سيارة كهربائية. ويعتقد الخبراء مثل دودينهوفر أن الصين ستلعب دورا رائدا أيضا في تطوير السيارات ذاتية القيادة وبدء تسييرها في الشوارع.
وبعد دخول شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل “جوجل” و”أوبر” و”تيسلا” مجال تطوير السيارات ذاتية القيادة التي تعمل بدون سائق، بدأت الصين تضخ استثمارات كبيرة في هذا المجال.
وفي حين أدى وقوع حادثين مرورين دمويين لسيارات ذاتية القيادة في أمريكا الشمالية مؤخرا إلى إثارة قلق المستهلكين بشأن عوامل الأمان والسلامة في هذا النوع الوليد من السيارات، تعتزم الصين إصدار قانون يسمح باختبار السيارات ذاتية القيادة على نفس الطرق التي تسير عليها السيارات التقليدية.