“نوبل للآداب” من “ديلان” لكازو ايشيجيرو
ذهبت جائزة نوبل في الآداب لهذا العام، لأكثر شخصية لم تكن مطروحة في قوائم التوقعات، إلي الروائي الياباني المولد والبريطاني الجنسية كازو ايشيجيرو الذي تجاوز 62 عاما.
و كانت تقارير قد ذهبت إلى أن القائمة الموسعة للمرشحين لجائزة نوبل في الآداب هذا العام ضمت 240 شخصية أدبية ثم مرت بمراجعات عديدة حتى تقلصت في شهر مايو الماضي إلى قائمة قصيرة لا تضم سوى خمسة أسماء.
و تصدر قوائم المرشحين لنيل تلك الجائزة، الياباني هاروكي موراكامي، والكندية مارجريت اتوود، والكيني نجوجي، واثيونجو والأمريكي دون ديليلو ومواطنه جورج مارتن، والإيطالي كلاوديو ماجريس، والفرنسي ميشال ويلبيك، والإسباني خافيير مارياس، والكوري الجنوبي كو اون، والإسرائيلي عاموس عوز، والألباني إسماعيل قدري، وأيضًا احمد سعيد السوري الأصل، و الشهير بـ”أدونيس”.
وهذا العام ذهبت لروائي أدبي، بعد اللغط الشديد الذي حدث بعد إختيار كاتب الأغاني الأمريكي بوب ديلان العام الماضي لمنحه تلك الجائزة، كأول مرة في تاريخها، بأن يحصل فيها مغني وكاتب أغان على أهم جائزة أدبية في العالم .
وهذا ما أكدته سارا دانيوس السكرتيرة الدائمة للأكاديمية السويدية، عندما صرحت اليوم الخميس في ستكهولم معربة عن تمنيها “في أن يكون العالم سعيدا” للإعلان عن فوز كازو ايشيجورو بجائزة نوبل في الآداب العام الحالي بعد ماحدث من لغط وصخب في العام الماضي”.. لتعترف بذلك ضمنا بأن “الأكاديمية السويدية منحت الجائزة لايشيجيرو للتخلص من أشباح ديلان”!.
ومنح جائزة نوبل في الآداب هذا العام لكازو ايشيجيرو الذي وصفته سارا دانيوس بـ”الكاتب المتألق” قد يرضي البريطانيين واليابانيين معا حيث يحق للبريطانيين أن ينسبوا الفائز بجائزة نوبل في الآداب للعام الحالي إلى بريطانيا بحكم جنسيته ولليابانيين أيضا أن يعتبروه أحد أدبائهم بحكم أصوله وجذوره ومولده في اليابان وهو ما تبدى في مشاهد احتفالية يابانية بعد الإعلان اليوم عن فوزه بالجائزة.
وولد كازو ايشيجورو يوم الثامن من نوفمبر عام 1954 بمدينة نجازاكي اليابانية وبعد نحو أربع سنوات انتقلت أسرته للعيش في بريطانيا التي حصل على جنسيتها عام 1982.
وفي عام 1989 توج ايشيجيرو بجائزة (بوكر) للأدب المكتوب بالإنجليزية عن روايته (بقايا يوم) قيما صنفته جريدة (تايمز) البريطانية في عام 2008 ضمن قائمة أعظم 50 مؤلفا بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كان كازو ايشيجيرو صاحب قصة (المارد الدفين) قد حصل على ليسانس في اللغة الإنجليزية والفلسفة من جامعة (كنت) عام 1978 ثم نال الماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة (إيست أنجليا) في عام 1980 وتوج عام 1995 بوسام (اوب) البريطاني تقديرا لما قدمه من خدمات للأدب.
وإلى جانب رواياته، فإن كازو ايشيجورو كتب عدة مجموعات قصصية قصيرة وله اهتمامات موسيقية تتبدى في كتاباته فيما يكتب رواياته غالبا بضمير المتكلم مع احتفاء بالتفاصيل وانتصار واضح لقيمة الصدق.
و تبلغ القيمة المالية للجائزة العالمية هذا العام 9 ملايين كورونا سويدية أي مايعادل نحو مليون ومائة الف دولار أمريكي، واعتبر ايشيجورو أن في هذه الجائزة إطراء مذهلا وفوزه بها يعد “شرفا عظيما” ويعني أنه “يسير على خطى المؤلفين الكبار”.
وكازو ايشيجورو -حسب الأكاديمية السويدية- كشف في رواياته ذات القوة العاطفية العظيمة الخواء الكامن تحت شعورنا الواهم بالتواصل مع العالم فيما تبلغ عدد رواياته ثماني روايات ترجمت إلى 40 لغة أشهرها (بقايا يوم) و(لا تدعني أرحل أبدا) اللتين اقتبستا في فيلمين حققا نجاحا كبيرا على الشاشة الكبيرة.
ولعل هذا التأثير لصاحب رواية (فيما كنا يتامى) يتجلى أيضا في تكتيكاته الروائية التي يعمد فيها “لنهايات دون حلول واضحة للصراعات… بينما تكشف شخصياته عن فشلها وأخطائها وخطاياه”.
وقالت السكرتيرة الدائمة للأكاديمية السويدية سارا دانيوس فإن كازو إيشيجيرو “حريص للغاية على فهم الماضي لكنه لايسعى لاسترداد الماضي وإنما يستكشف ما يمكن تناسيه من هذا الماضي حتى يتسنى للفرد والمجتمع معا الاستمرار والبقاء على قيد الحياة”.
وحسب جريدة (جارديان) البريطانية يرى القاص والشاعر الإنجليزي الكبير أندرو موشن أن “العالم الإبداعي لكاوز ايشيجورو يتميز بالعمق الثري لكنه عالم ملغز ومفعم بالوحشة والعزلة والأحاسيس المستنفرة والخطر والدهشة والتساؤل”.
ويضيف اندرو موشن الذي حمل من قبل لقب شاعر البلاط البريطاني أن إيشيجورو شيد هذا العالم الإبداعي “باتكاء الحكي على مبادئ مؤسسة ومزيج من مخزون مشاعر مرهفة للغاية مع شواهد جلية لفيض الوجدان”.
ويتفق هذا التقييم الإيجابي من جانب أحد أبرز وجوه الثقافة البريطانية ومشاهير المثقفين في الغرب لكازو إيشيجورو مع رغبة الأكاديمية السويدية هذا العام في إعادة جائزة نوبل في الآداب لمسارها الأدبي والتخلص من “أشباح المغني وكاتب الكلمات الأمريكي بوب ديلان”.
و كانت الأكاديمية السويدية قد سعت في العام الماضي لتبرير منح جائزة نوبل في الآداب لهذا الأمريكي البالغ من العمر 76 عاما بالقول إنه “نجح في ابداع تعبيرات شعرية جديدة في سياق تقاليد وتراث الغناء الأمريكي” وإن كانت قد أقرت عامئذ بوضوح بأن قرارها بمنح الجائزة لبوب ديلان يبدو مفاجأة”.
ورغم أنه من أشهر الوجوه الغنائية في الولايات المتحدة والغرب ككل وذاع صيته في “دنيا موسيقى الروك الشعبية” كما أن أغانيه تتميز بنبرة احتجاجية تلقى هوى في نفوس الشباب والعمال والنشطاء الحقوقيين فقد أثار منح جائزة نوبل في الآداب لبوب ديلان عواصف احتجاجات في كثير من الأوساط الثقافية على مستوى العالم”.
ومع المفاجآة التي انطلقت في العام الماضي من العاصمة السويدية ستكهولم تعرضت لجنة نوبل لوابل من العواصف الغاضبة جراء هذا الاختيار عانت من “خريف غضب أدبي ساد العديد من الدوائر والمنابر الثقافية”.
والملاحظ أن العواصف التي هبت من قبل بقوة على جائزة نوبل في الآداب -التي منحت 110 مرات وتقاسمها أحيانا فائزان وحجبت سبع مرات كانت “أمريكية” على وجه الخصوص بينما تظل اللغة الإنجليزية صاحبة النصيب الأكبر في أم الجوائز الأدبية العلمية التي منحت حتى الآن لـ29 كاتبا يبدعون بالإنجليزية ومن بينهم كازو ايشيجورو”.