نص كلمة ” أبو الغيط” باجتماع وزراء الخارجية العرب
ألقى أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كلمته أمام الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، لمناقشة كيفية التصدي للتدخلات الايرانية في الدول العربية، وتقويضها للأمن والسلم العربي
وجاء نص الكلمة :-
معالي السيد محمود علي يوسف
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي لجمهورية جيبوتي
السادة الوزراء – السادة رؤساء الوفود
السيدات والسادة،
اجتماعُنا اليوم يأتي في ظرف غير عادي.. فاستهداف عاصمة عربية بصواريخ باليستية من جانب ميلشيا خارجة عن الشرعية ومدعومة إقليمياً هو تهديد خطير لا ينبغي أبداً أن نتعامل معه كأمر عادي.
إن الصاروخ الذي أطلقته ميلشيات الحوثي على منطقة مطار العاصمة بالمملكة العربية السعودية يوم 4 نوفمبر الجاري، والذي نجحت قوات الدفاع الجوي السعودية في التصدي له، هو مجرد الحلقة الأخطر في سلسلة طالت من التجاوزات والتدخلات في الشئون الداخلية وممارسة التخريب ونشر الفتنة.. وليس أمامنا في مواجهة حدثٍ خطير كهذا سوى أن نسمي الأشياء بأسمائها .. فالصاروخ الذي استهدف الرياض إيراني الصنع.. وهو رسالة إيرانية واضحة في عدائيتها -لم يُفلح المسئولون الإيرانيون حتى في تجميلها- بأن العواصم العربية تقع في مرمى صواريخ طهران الباليستية.. إنها رسالةٌ غير مقبولة، شكلاً أو مضموناً.. إن الدول العربية تعتز بسيادتها، وهي قادرة على الدفاع عن استقرارها وأمنها.. ولن تقبل أبداً أن تعيش رهينة الخوف أو تحت ظل الترهيب.
ولم تقف التدخلات الإيرانية عند هذا الحد.. وهناك وقائع مثبتة لأعمال تخريبية وإرهابية، آخرها تفجير أنابيب النفط في البحرين ليلة 10 نوفمبر الجاري.. وثمة وقائع مثبتة لشبكاتٍ تجسس وتخريب تم الكشف عن نشاطها
الهدام، مثل شبكة العبدلي في الكويت وشبكات مختلفة في العديد من الدول العربية منها الإمارات ومصر والسعودية والبحرين والأردن والمغرب والسودان.. وثمة وقائع مُثبتة لدعم وتمويل الميلشيات المسلحة في أكثر من مكان بالعالم العربي.
لقد استمعنا جميعاً إلى تصريحات الرئيس الإيراني المرفوضة والمستهجنة من أنه لا يمكن القيام بأي خطوة مصيرية في العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا والخليج من دون إيران.. ومثل هذا الحديث الصادر عن أعلى جهة تنفيذية في إيران، ليس استثنائياً ولا يخالف ما دأبت عليه القيادات الإيرانية، بل هو يعكس نهج التفكير وحقيقة السياسة التي تتبعها طهران.. نهج هيمنة وسيطرة.. إننا نستنكر هذه التصريحات الاستعلائية والتحريضية والعدائية، ونطلب من إيران أن تراجع مواقفها إزاء الدول العربية.
لقد قاست المنطقة كلها من جراء تبعات ونتائج هذه السياسة الايرانية الخطيرة خلال السنوات المنصرمة.. فتنةً، وعنفاً، وتأجيجاً طائفياً، واعتداءً على السفارات، واشاعة للانقسام في المجتمعات، ودعماً حثيثاً لميلشيات خارجة عن سلطة الدولة، واعتداءً على الشرعية، وزرعاً لشبكات التجسس.. والقائمة تطول.. هذه التدخلات التي لم تراعِ المبدأ الأهم في العلاقات الدولية وهو الامتناع عن استخدام القوة أو التلويح بها، والالتزام بعلاقاتٍ تقوم على حسن الجوار.. بل إنها سارت عكس هذا النهج على طول الخط، حتى قوضت أي فرص حقيقية لبناء الثقة مع الجانب العربي الذي بادر أكثر من مرة إلى تحسين الأجواء وإقامة علاقات جوارٍ على أساسٍ سليم مع الجانب الإيراني، من دون جدوى.
السادة الوزراء،
إن الدول العربية تعتبر التدخلات الإيرانية سبباً أصيلاً في حالة انعدام الاستقرار السائدة في اليمن، وذلك من خلال ما تقوم به من تسليح ميلشيا الحوثي وتحريضها لاستهداف منطقة الخليج بالصواريخ الباليستية.. وقد خرجت كبريات الصحف الإيرانية تُباهي بهذه الهجمات الصاروخية وتتوعد الحواضر الخليجية بالمزيد.. إن ثمة وقائع عديدة لسفنٍ أوقفتها قوات التحالف العربي، وكانت تحمل أسلحةً وصواريخ متجهة إلى اليمن.. وقد تم الكشف عن الكثير من عمليات تهريب الأسلحة من البر والبحر للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
والحقيقة أن الخطة الإيرانية لم تعد خافية على أحد، فطهران تسعى لأن يكون اليمن شوكة في خاصرة المملكة العربية السعودية والخليج، مستغلة حالة الضعف السياسي والاحتراب الداخلي التي يعيشها هذا البلد العربي العزيز.. والحقيقة أيضاً أن هذه السياسة الإيرانية الممنهجة هي السبب الأول لإطالة أمد النزاع اليمني.. والشعب اليمني هو أول ضحاياها وهو من يدفع الثمن من حاضره ومستقبله.
ومما يدعو للأسف أن المجتمع الدولي، والقوى الفاعلة فيه، تغض الطرف عن هذه الحالة الصارخة والمستمرة من تهديد الأمن والسلم في الإقليم.. لقد بات واضحاً أن الطرف الإيراني لا تصله رسالةٌ صريحة وحاسمة من جانب المجتمع الدولي بخطورة ما يقوم به، وبعواقبه الوخيمة.. بل إنه – وكما يبدو لنا – التقط رسالة عكسية مؤداها أن الاتفاق السداسي بشأن برنامجه النووي يُعطيه حصانة ويطلق يده في المنطقة.. فأخذ يشعل الحرائق هنا، ويضرب الاستقرار هناك، متبعاً استراتيجية طائفية واضحة في تأجيج المجتمعات الشيعية في الدول العربية .. وبهدف تحقيق التواصل بين الميلشيات التابعة له، وصولاً إلى ساحل المتوسط أحد أهدافه الاستراتيجية.
إننا نرفع صوتنا للمجتمع الدولي بمنظماته وقواه المؤثرة.. وبالتحديد للجهاز المنوط به الحفاظ على الأمن و السلم الدوليين، أي مجلس الأمن الدولي .. نقول في عبارة واضحة إن التهديدات الإيرانية تجاوزت كل حد، وهي تدفع بالمنطقة إلى هاوية خطيرة .. إن البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية يُمثل تهديداً خطيراً على الاستقرار في المنطقة.. لقد أطلقت ميلشيات الحوثيين 232 صاروخاً باليستياً، منذ بدء النزاع اليمني، منها 76 صاروخاً على المملكة العربية السعودية.. وليس بخافٍ أن الصواريخ تأتي من مصدر واحد هو إيران.. إن هذا السلوك العدائي يُمثل انتهاكاً صارخاً لقرار مجلس الأمن 2231 (لعام 2015) في شأن تطوير صناعة الصواريخ الباليستية .. فضلاً عن مخالفته الصريحة لما نصّ عليه القرار 2216 (لعام2015) خاصة فيما يتعلق بضرورة الامتناع عن تسليح الميلشيات.
إن استقرار العالم العربي كلٌ متكامل، وأمن دوله بنيان مترابط..
وقد آن الأوان أن يتحمل كل طرف مسئولية أفعاله.. وأن تنعم هذه المنطقة باستقرار حقيقي بعيداً عن التأجيج الطائفي، والإرهاب، وحروب الميلشيات، وفوضى السلاح.. آن الأوان أن تتخلص منطقتنا من مظاهر العنف والطائفية..
إننا نتطلع جميعاً ليومٍ ينشغل فيه جيراننا بما ينفع الناس من التنمية والعمران والتعاون، بدلاً من نشر العداء والفتنة والكراهية.
شكراً سيادة الرئيس.