من هو ميشال عون الرئيس الـ 13 للبنان؟

ميشال عون، رجل بطموح لامس حد الهوس، طوال عمره لم يتخل عن حلمه، قائد أسبق للجيش وسياسي لبناني. وعن عمر ناهز 81 عاما، أصبح الرئيس 13 للجمهورية اللبنانية، بعد أن تم انتخابه في 31 أكتوبر لولاية مدتها ست سنوات.
ميشال عون، لاعب أساسي في حقبة نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، واعتُبر بطل الكفاح ضد مرحلة الوصاية السورية حتى عودته من المنفى عام 2005… هو أيضا مهندس التحالفات الخارجة عن المألوف إثر مواقفه السياسية التي تلت عودته والتي ربطته بحلفاء سوريا وعلى رأسهم حزب الله … ميشال عون أثبت ومنذ عقود أنه شخصية لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي اللبناني ومازال يثبت ذلك بعد انتخابه رئيسا للجمهورية …
بالنسبة إلى مؤيديه ومناصريه، ميشال عون هو بطل السيادة اللبنانية. في المقابل، يسخر منه خصومه على اعتباره زعيما شعبويا. لكنّ هذا العسكري السابق كان واثقا من انتخابه رئيسا للبنان بعد أن كان هذا المنصب، المخصص تاريخيا للموارنة، خاويا منذ مايو 2014.
قائد جيش في التاسعة والأربعين من العمر
ولد ميشال عون وترعرع في عائلة مارونية متوسطة الحال في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. أنهى دراسته الثانوية في مدرسة “الفرير أو الأخوة” عام 1955، مدرسة اعتاد ارتيادها أبناء الطبقة البرجوازية في بيروت، وتميّز بمستواه العالي في اللغة العربية. انضم إلى الأكاديمية العسكرية كضابط متمرن وتخرج منها بعد ثلاث سنوات كضابط مدفعية في الجيش اللبناني.
تسلق “الجنرال”، وهو اللقب الذي يطلقه عليه مؤيدوه والمؤمنون بحركته السياسية، سلّم الطبقات الاجتماعية عندما كرس حياته المهنية للسلك العسكري. خلال تدرجه في المؤسسة العسكرية، أبهر عون مدربيه … تخصص في سلاح المدفعية، وتم إرساله ضمن بعثات خارجية، خاصة إلى فرنسا والولايات المتحدة، لاستكمال تدريبه.
بعد تدرجه في السلك العسكري وخدمته في العديد من المناطق اللبنانية، ومع اشتداد وتيرة الحرب الأهلية اللبنانية، عين ميشال عون عام 1983 قائدا للواء الثامن في الجيش اللبناني. وقام مع مجموعته بصد هجوم ميليشيا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وميليشيات أخرى موالية للنظام السوري في منطقة سوق الغرب المطلة على كامل بيروت الجنوبية، والتي إن سقطت كانت ستهدد وجود الدولة اللبنانية.
إنجاز عسكري باهر مكنه وعن عمر 49 عاما من أن يُعيَّن قائدا للجيش اللبناني، ليصبح بذلك أصغر ضابط يتولى هذا المنصب في تاريخ الجمهورية اللبنانية. ظروف الحرب الصعبة المرافقة لتوليه هذا المنصب دفعته إلى تعزيز ما تبقى من مواقع للجيش اللبناني في المناطق المحايدة. كل ذلك، في بلد يعيش تحت رحمة الميليشيات وتحت احتلال جيشين أجنبيين (إسرائيل وسوريا)
1988… عام التحولات
في 22 سبتمبر عام 1988، قام الرئيس المنتهية ولايته أمين الجميل بحل حكومة سليم الحص وعين مكانها حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون من ست وزراء، ثلاثة وزراء مسيحيين وثلاثة مسلمين. ومدعوما من سوريا، أعلن الحص أن هذه القرارات غير شرعية، وبالتالي أصبح للبنان حكومتان واحدة مدنية مكونة من غالبية مسلمة في غرب بيروت والأخرى مكونة من غالبية مسيحية في شرق بيروت.
أخذ عون على عاتقه، وعلى اعتبار أنه رمز الشرعية الأخير في لبنان، مهمة إنقاذ لبنان وإخراج القوات السورية منه. رفض انتخاب رئيس للجمهورية معتبرا أن بلاده محتلة من قبل قوات أجنبية. مواقفه الوطنية والسيادية وملابسه العسكرية المموهة والقبعة العسكرية (البيرية) التي حرص على ارتدائها عند كل إطلالة له، أكسبته شعبية كبيرة في صفوف المسيحيين وحتى في مناطق سيطرة القوات السورية.
عودة مظفرة إلى لبنان عام 2005
بعده جغرافيا عن لبنان، لم يؤدِّ إلى تراجع شعبية “الجنرال” رغم المحاولات السورية لتهميش المسيحيين وحرمانهم من زعيم مستقل. حافظ ميشال عون على تواصله مع أنصاره وقام بتأسيس “التيار الوطني الحر”، وهو حزب سيادي ناضل من أجل خروج 35 ألف جندي سوري من لبنان.
عام 2001 تغير الوضع الإقليمي مع إعلان الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر، وتعيين بشار الأسد خلفا لوالده الراحل حافظ وتصنيف سوريا ضمن دول محور الشر. كل هذه المعطيات الجديدة دفعت “بالجنرال” إلى الخروج عن صمته، وشهد عام 2003 أمام الكونجرس الأمريكي ضد النظام السوري، الذي خضع لاحقا لعقوبات اندرجت تحت ما سمي بقانون محاسبة سوريا.
لعب ميشال عون دورا أساسيا في تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عام 2004، القرار 1559 الذي يقضي بانسحاب القوات السورية من لبنان. مطلب تحقق في أبريل 2005 بفعل المظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وفتح الطريق أمام عودة مظفرة لميشال عون إلى لبنان، ولكن هذه المرة بملابس مدنية.
في فبراير 2006، وقع عون “ورقة تفاهم” مع حزب الله الشيعي، الحليف القوي لدمشق. هذا التحالف السياسي بين القوتين السياسيتين ومناصريهما، سمح له بقلب الطاولة وتغيير المشهد السياسي اللبناني، وإحباط مخططات الأغلبية الحاكمة بقيادة السني سعد الحريري.
خصومه السياسيون باتوا يتهمونه بتوفير غطاء مسيحي لتيار سياسي-عسكري موال لإيران -حزب الله، تيار اتهم الكثير من أعضائه من قبل المحكمة الدولية، بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري.
الإصرار سرّ النجاح
زار الجنرال عون طهران والتقى الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد. كما زار دمشق حيث ظهرت أغلب صوره مع الرئيس السوري بشار الأسد لتؤكد سعيه للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2008 بدعم من حزب الله. ولكن في ظل عدم وجود اتفاق سياسي على اسم عون، تم انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعد اتفاق الدوحة عام 2008.
عام 2009، منحت الانتخابات التشريعية تيّار عون -التيار الوطني الحر- 27 نائبا في البرلمان اللبناني. في نوفمبر من العام نفسه، وبعد ضغوط سياسية شديدة مارسها عون شخصيا عبر رفض المشاركة في الحكومة بعدد وزراء أقل من العام 2008، رضخ سعد الحريري للضغوط. فسمى التيار الوطني الحر 3 وزراء تسلموا حقائب الاتصالات والطاقة والسياحة.
عام 2014، مع اشتداد المعارك في سوريا وازدياد الانقسام بين مختلف التيارات السياسية اللبنانية حولها، وصلت ولاية ميشال سليمان إلى نهايتها. وكان ميشال عون الاسم الأبرز المرشح لخلافة سليمان. رغم شعبيته الكبيرة حال رفض خصومه دون انتخابه رئيسا. عون الذي يعتبر نفسه مرشحا تلقائيا لهذا المنصب كونه الممثل الشرعي لغالبية المسيحيين، استمر، مع حلفائه، بعرقلة جلسات انتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني. عرقلة استمرت جلسة بعد أخرى، رفض خلالها نواب عون وحلفاؤه الحضور والتصويت، ما أدى إلى تفاقم المأزق.
البرلمان اللبناني ينتخب رئيسا للبلاد بعد عامين ونصف من شغور المنصب
وفي يناير 2016، ولسخرية الأقدار، قام سمير جعجع أحد الزعماء المسيحيين المرشحين أيضا لرئاسة الجمهورية، بدعم ترشيح خصمه القديم ميشال عون إلى الرئاسة، ما أعاد طرح اسم عون كمرشح جدي لمنصب الرئيس.
لم يبق أمام عون سوى عقبة واحدة لوصوله إلى الكرسي الرئاسي، مصدرها الطائفة السنية هذه المرة … عقبة رفعت قبل أيام معدودة عندما أعلن الزعيم السني سعد الحريري دعمه لترشيح عون … سعد الحريري الذي أصبح أضعف سياسيا لأسباب متعددة فتح الطريق أمام عون إلى قصر بعبدا، رغم تحالف الأخير مع حزب الله وربما مقابل وعود له بتوليه منصب رئيس الحكومة.
يبقى السؤال: ميشال عون الذي تولى منصب أحلامه في سن متقدمة جدا، أي نوع من الرؤساء سيكون؟