آراءشويّة دردشة

من الحب ما قتل ! | بقلم شيرين خالد

سمعت تلك المقولة كثيراً؟
توقفت عندها بالتأمل أكثر ؟
هل بالفعل من الحب ما قتل؟!
وعن أي حب يتحدثون .. فالحب أنواع كثيرة، حب الآباء والأبناء، حب الصديق والأخوة، حب الأهل والجيران والوطن، حب الذات ..
وغيرهم الكثير من أنواع الحب للمادة كحب المال والشهرة والنفوذ ..
عن أي حب أُطلقت تلك المقولة ؟!
وما مدى صحتها أو خطأها ؟

إنني عندما تطرقت إلى ماهية الحب وأنواعه حسب المحبوب وماله من قوة كبيرة تستطيع من خلالها المعجزات أن تتحقق ، وجدت نفسي أمام حقيقة وإن كانت ذات وجود ليس بكثير، وإن كنا نراها وننكرها بل واعتدنا عليها حتى أصبحت هي المألوفة وماعاداها خارج عن المألوف .

وجدت أنه “نعم من الحب ما قتل” ليس بالضرورة قتلاً حقيقياً بمعناه المتعارف عليه ، لكنه قتلاً أقسى لأنه يقصد الروح أو الهوية، يتخلل داخل الإنسان ليستأصل حياته منها تحت مسميات كثيرة ومن الغريب أنها مألوفة .

سأتحدث عن حب الآباء للأبناء ،تلك العلاقة التي لا غبار عليها فهي علاقة مقدسة منذ أن بدأت الخليقة و قبل ظهور الأديان السماوية ، فبدون آباءنا لم نكن وبدون رعايتهم ومحبتهم وبذلهم الكثير لأجلنا ما كنا .

لكن هل محبتهم لنا دائما في سبيلها الصحيح ؟

للأسف لا، فعلى الرغم من تمام اليقين بأنهم لا ينشدون شيئا في حياتهم سوى سعادتنا ونجاحنا إلا إنهم بشر يخطأون ويصيبون .

كم رأينا بأم أعيننا أمهات من فرط محبتهم وتدليلهم لأبنائهم خسروهم بعد ان تركوهم دون حساب ومراقبة ونصح فتاهوا في ظلمات الإدمان أو الجريمة أو التطرف والعنف او الإنحلال.

كم شعرنا بآباء وأمهات من فرط محبتهم لأبنائهم قتلوا طموحهم إما بدوام التقليل من شأنهم او المقارنة بينهم وبين آخرين.

كم قابلنا من يعانوا من خلل نفسي أو مرض بسبب ما عاشوا من حياة أسرية تفتقد للمحبة والاحترام بين الآباء ففقدوا معنى وروح الأسرة وبحثوا عنها بسبل كثيرة منها ما أودت بهم للهاوية.

كم تعاملنا مع منعدمي الرأي والشخصية ممن طمس آباؤهم شخصيتهم حتى لا يخرجوا عن الإطار المرسوم لهم .

كم رأينا من كارهي الحياة والناقمين عليها ممن أورثهم آباؤهم كرها قديما أو ظلما عانوا منه فشوهوا بداخلهم الكثير من المعاني تأثرا بهذا.

كم من كاره للعلم أو العبادة بسبب سوء التوجيه والنصح والإرشاد ولا سيما في مرحلة المراهقة والتي تتسم بالعناد.

كم من طفل يخشى البكاء أو الإفصاح عن رغبته أو إحساسه خوفا من عقاب أو غضب فينشأ مشوه النفسية.

كم من أم عانت من زوجها فربت ابنتها على كره الذكور كافة، وكم من زوج عانى من نقص في شخصيته فخلق من ابنه ديكتاتورا ظالما.

كم من فتاة عانت من تربية أم لطفلها على الأنانية وكم من شاب عانى من تربية أم لطفلتها على الدلال وانعدام الشخصية والانصياع التام لها.

الكثير والكثير وإذا بحثنا سنجد العجب العجاب،
وجميعها جرائم قتل غير متعمدة باسم الحب،
تخلق أجيالا من المشوهين نفسيا والتائهين بدون هدف ، بدون شخصية ،او بدون قلب او خلق وغيرهم .

الأم حينما تحب لا تخطئ والأب حينما يحب لا يخطئ فلا شك بأنهم اكثر من يتألم لنتيجة غرسهم وآلام أبنائهم وأكثر من يتمنى سعادتهم.

لكن كيف لهذا الحب أن يكون سبيل حياة ؟ كيف يكون صحيا؟

لا يكن هذا الحب صحيا إلا بعد أن يتعامل الآباء مع أبنائهم منذ الصغر على أنهم كالنبات الذي إن نشأ طيبا كبر وترعرع على ما هو عليه.

إلى المقبلين على تلك المسئولية : لا تحملوا أبناءكم نتيجة ما عانيتم منه بالحياة ، إذا عانيتم الظلم فلا تنشأوهم قساة،إذا عانيتم الحرمان فلا تجعلوهم بخلاء أو مسرفين ، إذا ذقتم الكره أو الغدر فلا تمحوا بداخلهم المحبة والتسامح.

إذا كنت طبيبا ليس بالضرورة لابنك ان يكن مثلك، اجعلوا أبناءكم هم وليسوا كما أنتم تريدون، انصحوهم وقوموهم وحفزوهم للأمام لكن لا تقللوا من شأنهم، لاتجعلوا المال هو جلّ ما تقدمون لهم، احتضنوا أوجاعهم ،كافأوهم على الصراحة بالعفو، اجعلوهم أصدقاء لكم، انشأوا جيلا يستطيع التعبير عما يشعر، يحترم الآخر ويبجل الكبير فكونوا قدوتهم في ذلك ولا تأمروهم بما لا تفعلون، اغرسوا بقلوبهم المحبة والعطاء واحذروا من الإفراط في المحبة التي بدون ضوابط فهي تترك مسوخاً لا يعلمون شيئا عن الحياة، لا تفقدوهم معنى الأسرة واحترامكم لذلك، لا تجعلوا منهم سلاحا كل منكم في وجه الآخر، ولا تدفعوا بهم لان يكونوا ماكنتم انتم تريدون ان تكونوا عليه دون النظر لما هم يريدون أن يكونوا.

آباؤنا وأمهاتنا أنتم بهجة الحياة وبدونكم لا نكون حفظكم الله لنا لكن احذروا فما تتركوا بذاكرتنا في الصغر يكبر معنا فإما أن تجعلونا نعاني من غرسكم أو نحصد السوء منه، أو نظل في صراع بين أنفسنا وداخلنا وبين ما تريدون، أو نكون أسوياء نعيش الحياة كما نحن بغير معاناة من ماضي يخلق بداخلنا الألم او الصراع.

حديثي ليس به أي اتهام لكنه تذكرة لي ولكم فتنشأة طفل سوي مسئولية كبيرة يسبقها أمر واجب بأن نكون نحن أسوياء او على الأقل نتعامل معهم بسلوك سوي ولنتذكر دائما بأن الاعتراف بوجود خلل نصف طريق الحل لعلنا نجبر ما كُسِر بداخلنا وليكن شعارنا ” من رحم الحب تولد الحياة”
و ” من شَبّ على شئٍ شابَ عليه “

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى