من أنت حتى لا يتكلم الناس عنك!| بقلم د. ايات الحداد
كل انسان وله مكانة عند الله سبحانة وتعالى وتنعكس تلك المكانة على مكانته عند الناس، فالله سبحانه وتعالى يأخذ بالباطن والله العليم بذات الصدور يأخذ بالباطن، فلو عَرَفَ كل منّا مكانت عند الله ومدى استقامته وعمله الصالح وحَرَصَ على إصلاح نيته مع الله لا يعبأ بكلام الناس أي لا يُغره مديح الناس ولا ذمّهم، فأحرص على أن يكون تقييمك من الله وليس الناس! كما قال الله سبحانه وتعالى لنا أعمالنا ولكم أعمالكم وكفاك على عدوك نصرًا أنه في معصية الله وأكبر نصر تحرزه على عدوك أن تكون في طاعة الله وهو في معصية الله ولذلك لا تعاقب من عصى الله فيك بأكثر من أن تطيع الله فيه.
قال أحدهم لعالم :” أنني أُشفق عليك مما يقولونه الناس عنك ظلمًا وافتراءًا! .
فقال: هل سمعت منيّ عليهم شيئًا ؟ قال : لاـ قال: عليهم فأشفق، أنا أطعت الله فيهم فلم أتكلم عليهم ولا كلمة وهم عصوا الله فيّ فنهشوا لحمي وأغتابوني”.
سأل أحدهم عالمًا : هل أغتبتني؟ قال : ومن أنت حتى أغتابك ؟! لو كنت مغتابًا أحدّا لأغتبت أبي وأمي لأنهم أولى بحسناتي منك فيجب أن توقن أنك أن أغتبت أخذ من أغتبت حسناتك يوم القيامة!
ومن وصية الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لأبنـهُ الحسن:” إن كنت عالماً عابوك وإن كنت جاهلاً لم يرشدوك وإن طلبت العلم قالوا : متكلف متعمق وأن تركت طلب العلم قالوا : عاجز غبي، وإن تحققت لعبادة ربك قالوا متصنع مراء، وإن لزمت الصمت قالوا : ألكن، وإن نطقت قالوا :مهذار، وإن أنفقت قالوا :مسرف، و إن اقتصدت قالوا : بخيل، وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك و ذموك، وإن لم تعتد بهم كفروك، فهذه صفة أهل زمانك .”
الجميع يتكلم بالسوء! والبعض يشعر بالضيق من هذا الكلام سواء أكان الكلام مباشر او على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء أكان الكلام أمام عينيك او من وراء ظهرك، البعض ينتابه شعور بالضيق والحزن من هذا الكلام، ولكن دعني أقول لمن يشعر بالضيق من كلام الناس: من أنت حتى لا يتكلم الناس عنك؟ فقد تكلموا على الله سبحانه وتعالى وقالوا ان الله فقير ونحن أغنياء ! قالوا عن الله جل جلاله ان الله ثالث ثلاثة، حتى الأنبياء والرسل وزوجاتهم لم يَسلموا من كلام الناس! فقد اتهموا خديجة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام بالزنا، كما تحدث الناس عن سيدنا أيوب وزوجته وشمتوا في ابتلائهم، وأكثر من تأذى من كلام الناس موسى عليه السلام، فقال الله تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا”، فمن يتمعن في هذه الأية يعلم جيدًا ان الذي برأ موسى عليه السلام الله سبحانه وتعالى وليس الناس!، وأكمل الله سبحانه وتعالى كلامه فقال وكان عند الله وجيهًا ولم يقًل وكان وجيهًا، فالأهم من تكون أنت عند الله وليس عند الناس، فالناس متقلبون من معك اليوم ليس معك غدًا، ومن يحبك اليوم يكرهك غدًا، صديقك اليوم عدوك غدًا والعكس، بعض الناس لا يمتلكون الا الكلام فلا يعجبهم شيئًا فعندما يروا امرأة جميلة يتهمونها بالفتنة! وعندما يروا امرأة قبيحة يشفقون عليها! وعندما يروا انسان غني يتهمونه بالنصب! وعندما يروا انسان فقير يتهمونه بالتكاسل عن العمل! عندما يروا انسان يتكلم كلام حكيم يتهمونه بالفلسفة وعندما يروا انسان يتكلم كلام غير هام يتهمونه بالتفاهة! هكذا هو كلام الناس، على اي حال لن تسلم من كلام الناس! كما قال الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام :” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقولُون”، فالله يعلم كيف كلام الناس يضيق صدر الإنسان منه، ولكن أعطانا الحل وكيفية التعامل عندما يضيق صدرنا من كلام الناس فقال تعالى :” فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين”، كما تحدث الله سبحانه وتعالى عن مخاطبة الجهلاء وكيفية التعامل معاهم، فقال تعالى :” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما “، فالله سبحانه وتعالى في مُحكم كتابه لم يترك مسألة الا وتناولها ووضع الحل لها، كما عطانا الله طريقة التعامل مع الناس اي نأخذ بالعفو ونأمر بالعرف ونعرض عن الجاهلين، كما أمرنا الله بالعفو وشرطها بـ عند المقدرة ولم يجعلها قاعدة بلا استثناء، فالله سبحانه وتعالى رحيم وديننا يُسر وليس عُسر كما يدّعي البعض ذلك، بل وضع الله قواعد وقوانين للتعامل مع الناس حتى نستطيع ان نحقق السلام الداخلي والراحة النفسية.