قالت الدكتورة شروق شعبان خضر، الباحثة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، إن الأيام والليالي لها تمايزات تتيه بها فخراً على بعضها البعض؛ ففُضلت ليله القدر على سائر الليالي، وفُضل شهر الصيام على غيره من الشهور، مضيفًة:”إذا كان الإنسان يعيش مع ربه في حاله من الرجاء، يرجو منه سبحانه الجبر لخاطره فإن مدخل العبادة وجبر الخاطر عند الله في رمضان، هو أن يستلهم الإنسان هذا الخُلق متأسياً به في شهري رجب وشعبان”.
وأضافت قائلة:”من هذا المنطلق كانت صنائع المعروف، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، فمن سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر”.
وتابعت الباحثة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر:”كل إنسان منا قد حُفِرت في ذاكرته صور لأناس كان لهم عظيم الأثر في حياته بمواقف قد سُطرت أو بكلمات قد غُلفت أرواحهم بكل لطف أو حتى بتصرف أثلج قلوبهم في أوقات هم بأمس الحاجة فيه لمن يجبر كسرهم ويداوي فيه جراحهم”.
وأكدت أن جبر الخواطر من أعظم العبادات الخَفِيَّة التي يتقرب بها العبد إلي ربه جل جلاله وعظم سلطانه، فهو خلق إسلامي عظيم إن دل على شيء فإنما يدل على سمو روح، وعظمة قلب، ورحابة صدر، وسلامة عقل، يجبر فيه المسلم نفوساً قد كسرت وقلوباً قد فُطِرت وأجساماً قد أُرهقت من متاعب الحياة ومشقاتها، فما أجملها من عبادة! وما أعظم أثرها على النفوس! يقول الامام سفيان الثوري:”ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”.
إن أجر هذه العبادة في وقتها المناسب يفوق كثيراً من أجور العبادات والطاعات مما يضفي على هذا المصطلح جمالاً وبهاءَ، إن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسني وهو الجبَّار جل جلاله، وهذا الاسم بمعناه الجميل يطمئن القلب ويسكن الروح فهو سبحانه الذي يجبر الفقر بالغني، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والأمان، فهو جبَّار متَّصِف بكثرة جبره لحوائج الخلق أجمعين، فقد جبر خاطر سيدنا يعقوب عليه السلام فرد عليه ولده يوسف وأخاه.
وأكدت أن جبر الخواطر له لذة لا يعرفها إلا من جربها، كما فيها من تفريج الكرب وتيسير الأمور مع الأجور ما لا يعلمه إلا الله، فحاول دائماً أن تكون إنساناً لا شيء يريحه أكثر من عمل الخير وجبر الخواطر.
جَبْرُ الخَواطِرِ لو علِمْتَ – عِبادَةْ في القلْبِ تورِثُ بهْجةً وسعادَةْ وهيَ النَّجاةُ مِنَ المَتاعِبِ والأسَى وهيَ الرِّضا للرُّوحِ فوْقَ العادَةْ وبها يقيكَ اللهُ كُلَّ بَلِيَّةٍ وبها يُبَلِّغُكَ المُنَى وزِيادَةْ فاحْرِصْ عليْها ما حييتَ – فإنَّها لكَ في الليالي نَجْمَةٌ وَقّادَةْ واعلم أخي القارئ أن الذي يجبر خواطر الناس إنسان يستحق من القلب شكراً ودعاءً بأن يجبر الله خاطره. وحين تنكسر الخواطر فالتزم أنت جبر الخواطر يحمك الله تعالي من المخاطر، واعلم أنها عبادة لا ينساها الله القوي الجبار.
وأضافت قائلة:”كُن بَلسَماً إِن صارَ دَهرُكَ أَرقَما وَحَلاوَةً إِن صارَ غَيرُكَ عَلقَما إن إماطة الأذى عن المشاعر وقلوب الناس لا يقل درجة عن إماطة الأذى عن طريقهم اجبروا الخواطر، وراعوا المشاعر، وانتقوا الكلمات، وتلطفوا بأفعالكم، ولا تؤلموا أحداً بأقوالكم، “وقولوا للناس حسناً” فمن جَبَر جُبِر، ولعل الخاطر الذي تجبره يحبه الله، فيحبك الله، فيجبرك لجبرك خاطر يحبه، فكما تدين تُدان وبالكيل الذي تكيل يُكال لك”.
ويكفي لمعرفة مدي أهمية هذا الخلق وعظم فضله أن نعلم أنه من أهم ما تميز به النبي صل الله عليه وسلم. وعليه فإن من الخصائص التي تميز بها شهر رجب الحرام إنه يعد شهر جبر الخواطر فلله فقد جبر الله خاطر سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم برحلة الاسراء والمعراج، بعد أن اشتد عليه أذى المشركين في مكة، ولما لجأ إلى أهل الطائف عاملوه كمعاملة أهل مكة له أو أشد، ولما رجع إلى مكة لم يستطع دخولها إلى في جوار أحد المشركين، فكافأه الله عز وجل وجبر خاطره برحلة الإسراء والمعراج.
وحري بنا أن نجبر خواطر الناس في هذا الشهر العظيم بكلمة طيبة، أو لمسة حانية، أو بسمة ضاحكة، أو نظرة راضية، أو تفريج كربة مكروب، أو أخذ بيدي ضعيف، أو إطعام مسكين، أو مسح علي رأس يتيم.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يجبرنا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: “اللهم اغفر لي وارحمني وأهدني واجبرني وارزقني”.