إقتصاد وأعمالتحقيقات و تقاريرتقاريرعاجل

مناخ الاستثمار مضمار سباق لا ينتهى

علق خبير الاستثمار الدولي وتنمية الاعمال د. إبراهيم مصطفى علي تقرير بيئة ممارسة الأعمال Doing Business Report الذى يصدر سنويا عن البنك الدولي بأنه يشبه البطولة الرياضية في اي لعبة حيث تتنافس العديد من دول العالم للتأهل للتصفيات فتلعب الفرق الضعيفة والمتوسطة والقوية بنفس قواعد اللعب الخاصة بالفيفا .. ولا تشتكى الصغرى ولا الكبرى بأن المنافسة غير عادلة .. حتى وان أختلفت ظروف بعض الدول عن غيرها من الدول ذات الامكانيات والدخول العالية .. الكل يلعب بنفس القواعد وتحدث المفاجآت عندما تصل دولة للنهائيات وتصل الى ادوار متقدمة، وهى لا تتوافر لديها امكانيات توافرت لدول منافسة أخرى .

وبالتالى لتبقى من الدول اللى تتأهل وتحصل على مراكز متقدمة عليك باللعب بقواعد معروفة للكل والشطارة هنا تكمن في كيفية المكسب بذات القواعد .. مع مدرب وقائد يعينك على تحقيق الانجاز .. فريق يفهم المنهاجية ويتحرك مع الاجهزة الحكومية المعنية .

فمنذ صدور التقرير السنوي فى اكتوبر الماضي ليرصد ويحسن من ادائه على مستوى المؤشرات الـ 10 لان يهتم بالاصلاحات الفعلية خلال الفترة (ابريل/مايو سنة سابقة – ابريل/مايو سنة لاحقة) .. لذا لا بد من شرح المنهاجية وتسويق ما تنجزه الحكومة على صعيد تحسين الترتيب جيدا لمكاتب المحاماة والمحاسبة والاستشارات وغيرهم ممن يملؤون استمارات التقرير الخاصة بالمؤشرات .

وبالنظر الى التطور التاريخى لترتيب مصر حسب الجدول التالى، فقد جاءت مصر على قائمة الدول العشر الافضل من حيث عمق الاصلاحات خلال العام المالى 2006/2007 فى ترتيب بيئة ممارسة الاعمال الذى يصدر سنويا عن البنك الدولى؛ لانها استطاعت ان تحقق اصلاحات عديدة وبمنطق الاعمق والاسرع بطريقة Quick wins التى تمكنك من معرفة قواعد اللعب والتعلم السريع ومعرفة مناطق الضعف وفقا للتقرير والتفاعل مع القطاع الخاص بالتوعية باشراكه فى اللعب من خلال الحوار المستمر لانه المستهدف فى ملء الاستمارات .. فكانت النتائج ايجابية وسريعة .. حيث استطاعت حينها مصر التحرك على مستوى 5 مؤشرات جعلها تنتقل من المركز 165 على العالم الى المركز 126 اى قفزت بمقدار 39 مركز .

ثم جاءت مصر ايضا ضمن العشر الاوائل من حيث عمق الاصلاحات فى العام المالى التالى 2007/2008 (اى تقرير عام 2009) فى الترتيب رقم 10 من حيث عمق الاصلاحات .. لم تكن الاولى ولكنها كانت ضمن العشرة الاوائل من حيث عمق الاصلاحات .. ومنذ ذلك استمرت مصر فى تحقيق الاصلاحات بوتيرة منتظمة لتصل افضل مركز لها عالميا على مستوى المؤشر الكلى (سهولة أداء الاعمال) بتحقيقها المركز 94 متخطية حاجز الـ 100 لياتى مؤشر بدء النشاط فى المركز الـ 18 عالميا (العام المالى 2009/2010) .. وهو افضل ترتيب تحقق لـ مصر على الاطلاق على مستوى المؤشرات الفرعية لـ (مؤشر بدء النشاط) والمؤشر الكلى كذلك .

ورغم التحسن فى الترتيب العام فى تقرير 2019 (الصادر فى اكتوبر 2018) مقارنة بـ (128 فى تقرير 2018) و (122 وفقا لتقرير 2017) وتراجع مؤشر بدء النشاط من المركز 39 فى 2016 الى 103 فى 2017 ثم الى 109 فى 2018 .. ورغم اعادة هيكلة قطاع مجمع خدمات الاستثمار ونافذة الشباك الواحد .. وهذا يعني ان هذه النافذة الاستثمارية مع قانون الاستثمار ولائحته لم يستطيعا احقاق تحسن .. للسنة الثانية على التوالى .. وهو يستلزم اعادة النظر فى اجراءات التاسيس فى ضوء منهاجية التقرير .. فاذا كانت الهيئة حققت المركز 18 عالميا فى مؤشر تاسيس الشركات فى عام 2010 دون هذا الشكل الجديد الذى دشنته وزارة الاستثمار العام الماضى .. فهل يعقل ان تحصل على الترتيب 109 عالميا رغم كل هذه التطورات .. اذا بالضرورة هناك اخطاء فى قواعد اللعب او عدم مراعاتها او التركيز على كيفية اللعب بمنهاجية التقرير للحصول على ترتيب متقدم .. وهو ما يتطلب من الوزارة والهيئة بذل مزيد من الجهد والعرق لمعالجة ذلك .

أما المؤشرات التى تحسنت فى 2018 فهى 4 مؤشرات الحصول على الائتمان، حماية حقوق المساهمين الاقلية ودفع الضرائب وتسوية حالات الاعسار (الافلاس) .. وجاء مؤشر حماية حقوق المساهمين الاقلية الافضل اداء بتحسنها حيث قفز 30 مركزا ( من 90 الى 60)، تلاه مؤشر تسوية حالات الاعسار حيث تقدم 14 مركزا نتيجة صدور قانون الافلاس، ثم حماية حقوق المساهمين الاقلية حيث تحسن بمقدار 9 مراكز، ثم دفع الضرائب بتقدمه 8 مراكز .. كما هو موضح فى الشكل اعلاه .

نحن فى سباق ماراثونى سنوى به 190 دولة .. كل دولة ترغب فى تحسين ترتيبها وتعد نفسها وفريقها وأدواتها جيدا لهذا السباق .. يكفى أن السعودية تبنت استراتيجية قبل 2010 بسنوات معدودة سميت بـ 10X10 حيث كانت تستهدف ان تكون ضمن العشرة الاوائل فى عام 2010 .

وقد يسال البعض ان هناك ارتباط وثيق بين ترتيب الدول فى هذا التقرير وارقام الاستثمار الاجنبيى المباشر التى تجتذبها الدول؟ .. الرد العملى ومن واقع دراسة واقع الدول .. ليس بالضرورة .. ولكن التقرير مؤشر مهم جدا على جودة مناخ الاستثمار وينظر اليه كاحد العوامل المهمة وليس العامل الاوحد .. حيث ان مصر كانت فى عام 2007/2008 فى المركز 114 عالميا واجتذبت 13.2 مليار دولار .. سنغافورة فى المركز الاول عالميا فى مدى سهولة اداء الاعمال ولكنها ليست الاولى فى حجم الاستثمار الاجنبي المتدفق اليها (حيث جاء ترتيبها 6 عالميا فى جذب الاستثمارات) .. روندا افضل من مصر فى الترتيب ولكنها اقل منها بكثير في حجم الاستثمار الاجنبي المتدفق اليها .

وبالنظر الى ترتيب الدول عالميا فى جذب الاستثمار فى ضوء تقرير منظمة الامم المتحدة للتجارة والتنمية “الاونكتاد” السنوى الذى صدر فى 6 يونية 2018 ليرصد حركة الاستثمار الاجنبيى المباشر فى العالم بشكل عام وعلى المستوى الاقليمى والدول وبشكل خاص .. فقد افاد التقرير ان هناك تراجع فى حجم الاستثمار الاجنبي المباشر عالميا فى عام 2017 بنسبة 23% وذلك نتجية انخفاض الاندماجات والاستحواذات العالمية بنسبة 22% وكذلك تراجع الاستثمارات الجديدة greenfield بنسبة 14% .

ورغم هذا التراجع جاءت الولايات المتحدة الامريكية فى المركز الاول من حيث حجم الاستثمار المتدفق اليها (وترتيبها فى تقرير بيئة الاستثمار 8 عالميا من 190) بمقدار 275 مليار دولار (مقارنة بـ 457 مليار دولار فى 2016) ثم تلتها الصين بمقدار 136 مليار دولار (وترتيبها عالميا 46 من 190) ثم هونج كونج بمقدار 104 مليار دولار، وجاءت البرازيل فى المركز الرابع بحجم تدفقات 63 مليار دولار ثم سنغافورة بحجم تدفقات 62 مليار دولار (وترتيبها عالميا 46 من 190) .. كما هو موضح فى الشكل التالى.

وجاءت بعض الدول ضمن الدول العشرين الاكثر جذبا للاستثمار محققة طفرات فى حجم الاستثمار المتدفق اليها فرنسا والمانيا وايرلندا واندونيسيا .. وكانت اندونيسيا الابرز حيث زاد الاستثمار المتدفق اليها من 4 مليار دولار فى 2016 الى 23 مليار دولار فى 2017 نتيجة الاصلاحات الضريبية وتحسين بيئة الاستثمار فيها .. بالاضافة الى حجم الاستحواذات التى تمت فيها .

لا ننكر أن مصر وضعت التقرير على أجندة اولوياتها وأتمنى أن تتقدم ولكن عليها أن تلعب بذكاء وبمنطق Quick wins جنبا الى جنب مع خطة الاصلاح المنشودة على المدى الطويل .. عليها ان تستفيد مما فعلته سابقا وكيف تعاملت بذكاء مع التقرير وكيف أنه فى عام 2005 استجابت وزارة الاستثمار وهيئة الاستثمار حينها لتغيير الفكر من رفض النتائج الى كيفية التعامل مع التقرير واللعب بنفس قواعد اللعب .. ويجب علينا ان نتعلم من تجارب الدول العشر الاولى فى الترتيب (نيوزلندا – سنغافورة – الدنمارك – هونج كونج – كوريا الجنوبية – جورجيا) والتى استطاعت خلال 10 سنوات ان تصبح ضمن الـ (10 الاوائل عالميا) – النرويج – الولايات المتحدة – الممكلة المتحدة – مقدونيا) والامارات الدولة العربية التى جاءت فى المركز 11 عالميا .. ورواندا التى جاءت فى المركز 29 عالميا هذا العام بعد ان دمرتها الحروب الاهلية فى فترات زمنية سابقة .. انظر كيف اصبحت الان .

ان لكل مجتهد ذكى نصيب .. فى هذا السباق العالمى الهام .. لانه مقياس جيد حتى وان كان ليس شاملا او منقوصا الى انه مقياس مهم ويلقى اهتماما عالميا ويصدر عن مؤسسة عالمية (البنك الدولى) .. وتضع له الدول استراتيجيات لتكون فى المراكز المتقدمة .. ولا يجب ان نتاورى بل يجب ان نكون داخل المضمار لا خارجه .

ومازال السباق ينادينا من اجل اداء افضل .. سواء من حيث بيئة ممارسة الاعمال او جذب الاستثمار .. فهل سنرى مصر فى المراكز العشرين الاولى او حتى الخمسين الاولى خلال سنوات قليلة .. اتمنى ذلك .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى