مصطفى بكري يوثق وقائع ثورة 30 يونيو عبر كتاب «عشرة أيام هزت مصر»
وتلك الأيام العشرة التي يصفها الكاتب والبرلماني المصري مصطفى بكري بأنها “أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر الحديث” تبدأ في الثالث والعشرين من يونيو عام 2013 حتى الثالث من يوليو في العام ذاته.
ويوضح كتاب “عشرة أيام هزت مصر” كيف شكلت تلك الأيام العشرة نقطة تحول مهمة كان من أبرز نتائجها انتصار إرادة الجماهير وسقوط حكم الجماعة الإرهابية بعد قرار الجيش الوطني بالانحياز للشعب المصري وثورته.
كما يكشف مصطفى بكري في الكتاب الجديد الصادر عن “مجموعة سما للنشر والتوزيع” حقيقة مؤامرة جماعة الإخوان الإرهابية لطمس الهوية المصرية وتدمير مؤسسات الدولة الوطنية وصولا إلى إحلال الجماعة محل الدولة.
وفيما حرص بكري على إهداء دال لكتابه “إلى أرواح من ضحوا لأجل أن نعيش”، فإنه يرصد حالة الفوضى والانقسام التي عاشتها البلاد منذ وصول الجماعة الظلامية الإرهابية للحكم في الثلاثين من يونيو عام 2012 ليصف المصريون هذه الفترة بأنها “من أشد فترات التاريخ الحديث ظلامية وسوادا”.
وإذ عمت التظاهرات البلاد رافضة لحكم الجماعة الإرهابية، فإن هذه الجماعة سعت في المقابل-كما يقول مصطفى بكري في كتابه- إلى فرض سطوتها وجبروتها بهدف كسر إرادة الجماهير وتركيع مؤسسات الدولة لتصبح تابعة “لمكتب الإرشاد تأتمر بأوامره وتنفذ تعليماته”.
ويضيف بكري: “ومع تفاقم الأزمة وتصاعد التوتر وتهديد الكيان الوطني وبوادر نشوب الحرب الأهلية بين الفرقاء، كان طبيعيا أن يتدخل الجيش لتقديم الإنذار الأخير الذي يسبق الطوفان، ولمنع انزلاق مصر في نفق مظلم من الصراع وانهيار مؤسسات الدولة”.
وحرص الكاتب مصطفى بكري على إيضاح أنه يقدم هذا الكتاب “وشهوده لايزالون أحياء حتى يدرك الجميع حقائق الأحداث التي شهدتها مصر خلال العشرة أيام التي هزت الكيان الوطني بأسره وأنقذت مؤسسات الدولة من الانهيار وحمت الشعب المصري من مخاطر حرب أهلية كانت حتما ستقودنا جميعا إلى مصير دول أخرى انهارت وسقطت ونهبت ثرواتها وشردت شعوبها في أنحاء العالم”.
وبقلم الكاتب الصحفي، نجح مصطفى بكري في تصوير الحالة النفسية والمزاج العام للمصريين بعد أن انقضت الجماعة الإرهابية على الحكم فيقول في كتابه: “كان كل شيء يمضي إلى النهاية، حلم الاستقرار تبدد، الخوف يعم النفوس، الإخوان والجماعات يفرضون سطوتهم في كل مكان، يشعر المصريون بالغربة والاغتراب، الوجوه مكتئبة، الابتسامة غائبة، حتى السخرية التي تميز بها المصري لم تعد تصلح أمام هول الأحداث”.
ويكشف كتاب “عشرة أيام هزت مصر” النقاب عن التفاصيل المخيفة لمخطط سري أعدته الجماعة الإرهابية بهدف إعطاء المبرر لممثل الجماعة الذي وصل لمقعد الرئاسة لفرض حالة الطوارئ واعتقال جميع المناوئين لهذه الجماعة الظلامية “لإثارة حالة من الخوف والفزع تقطع الطريق أمام المظاهرات المتوقع حدوثها في الثلاثين من يونيو 2013”.
ويمضي هذا الكتاب المهم والذي يقدم مادة تاريخية ثرية للباحثين الجادين في التاريخ المصري الحديث ليرصد تهديدات قادة الجماعة الإرهابية والجماعات المتحالفة معها ضد شعب مصر ومحاولات استهداف المناوئين لحكم الجماعة، فضلا عن النيل من شخصيات في القضاء والنيابة العامة والتطاول على الجيش الوطني الذي يحمي شعب مصر والتآمر لتوريطه في مغامرات خارجية وإهانة جهاز الشرطة والقائمين على أمن الشعب.
كما يكشف مصطفى بكري في كتابه النقاب عن تفاصيل تتعلق بمواقف قوى خارجية سعت لتشويه مواقف الشعب المصري وجيشه الوطني حتى قبل أن تبدأ الأيام العشرة الفاصلة في تاريخ مصر الحديث والتي توجت بثورة الثلاثين من يونيو الشعبية.
ورغم تشدق الجماعة الإرهابية بحديث صندوق الانتخابات وتمسحها بالديمقراطية، فإنها كشفت عن حقيقة مزاعمها عندما رفضت المطلب الشعبي الواضح بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كما يعيد الكاتب والبرلماني مصطفى بكري للأذهان في هذا الكتاب محاولات الجماعة لترويع شعب مصر والاستقواء بالميليشيات الإخوانية المسلحة للاستمرار في حكمها التسلطي.
وفيما يتناول الكتاب الجديد لمصطفى بكري المواقف المضيئة لجموع المثقفين والفنانين المصريين الذين رفضوا سياسات الجماعة الإرهابية في وزارة الثقافة واعتصموا احتجاجا على توجهات وزير الثقافة وقتئذ “لأخونة الوزارة”، فإنه يؤكد أن هذه المواقف المضيئة كان لها دور كبير في التمهيد لثورة الثلاثين من يونيو.
ولاريب أن مثقفين مصريين سعوا أيضا للتنظير لثورة 30 يونيو وما قبلها مثلما فعل باحث مصري كبير هو الراحل العظيم السيد ياسين “محددا الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثوري المصري في عدة نقاط من بينها ظهور فئة الحشود الجماهيرية الهائلة، وهي الحشود التي تجلت كأروع ما يكون في ثورة 30 يونيو ويجد القارئ تفاصيلها في الكتاب الجديد لمصطفى بكري”.
وكذلك يمكن لقارئ كتاب “عشرة أيام هزت مصر” أن يجد قراءة تحليلية واقعية لخريطة المجتمع المصري عشية ثورة 30 يونيو بقدر ما يقدم هذا الكتاب إجابة واقعية أيضا عن إشكاليات البحث في العلوم السياسية كجزء من العلوم الاجتماعية التي ترتبط بالمجتمعات والبشر وتفاعلاتهم الثقافية والاقتصادية واحتياجاتهم ومتطلباتهم الاقتصادية.
والكاتب الصحفي والنائب البرلماني مصطفى بكري منحاز في كتابه الجديد لإرادة شعب مصر العظيم وخياراته الحرة في الحياة دون تسلط أو ترويع فيما تبقى ثورة 30 يونيو، كما يوضح الكتاب علامة فارقة في انتصار إرادة الجماهير المصرية.
إنها الجماهير الشعبية التي رفضت تسلط جماعة ظلامية إرهابية حاولت احتكار السلطة والهيمنة على مجمل الفضاء السياسي عن طريق شبكات مسلحة واستعراض القدرة على الترويع لفرض ثقافة معادية للهوية المصرية ودخيلة على منظومة القيم التي ارتضاها المصريون لأنفسهم.
وكذلك عمدت الجماعة الإرهابية للتوسل “بأساليب شعبوية رخيصة وتتناقض في الجوهر مع قيم الديمقراطية” وهي أساليب يرصدها مصطفى بكري في كتابه “عشرة أيام هزت مصر” الذي تتضمن صفحاته الكثير من ملامح الخطابات الشعبوية لقادة الجماعة لتزييف وعي الجماهير التي أثبتت بثورتها في الثلاثين من يونيو أنها عصية على محاولات تزييف الوعي وكسر الإرادة.
وإذا كان بعض الباحثين في العلوم السياسية اعتبروا ثورة الثلاثين من يونيو نقطة فاصلة في تاريخ البحث السياسي المصري والعربي ككل، فالكتاب الجديد لمصطفى بكري يرسخ هذا المفهوم لحدث ثوري مجيد ثار فيه شعب من أجل إنقاذ دولته الوطنية من خطر الانهيار والسقوط.
وإذ استشهد بكري في كتابه الجديد بما ذكره عميد الصحافة المصرية والعربية الراحل محمد حسنين هيكل يوم العشرين من يونيو عام 2013 من أن أيام نظام الجماعة باتت معدودة “وان أحدا لن يستطيع أن يواجه حركة الجماهير التي تنذر بالثورة”، فإن “الحاضر الغائب محمد حسنين هيكل” كان قد أثار أيضا تساؤلات ثقافية بالغة الأهمية حول قضية الثورة، فيما ميز بين “الثورة” و”حالة الثورة” ليقدم هذا الصحفي الفذ إسهاما عميقا في جدل مستمر ومتصاعد بين مثقفين كبار حول حقيقة ما جرى ويجري في مصر منذ 25 يناير 2011.
ولئن كانت حالة الثورة كما رآها الأستاذ محمد حسنين هيكل في أحداث الخامس والعشرين من يناير “تواصل حركتها بالقلق والعصبية وتكاد تقارب الفوضى أو تتحول بالفعل إلى فوضى لأنها تدفق تلقائي ليس لديه مسار معلوم وليس في آخره مصب معين” فإن “الأيام العشرة التي هزت مصر” على حد تعبير مصطفى بكري إنما تشكل ثورة جاءت لتنقذ مصر من المسارات المجهولة والفوضى.
وهي ثورة أوضحت بجلاء أن “قوى الجماهير عنصر أساسي في المعادلة الوطنية وفعلها مؤثر وتجاهله خطر”، فيما قال الكاتب والباحث المرموق الراحل السيد ياسين: “لو تأملنا الموضوع مليا لأدركنا أن التعريف التقليدي للثورة قاصر قصورا شديدا لأنه ركز فقط على البعد السياسي المتعلق بالقضاء على النظام القديم”.
وفي فصل بديع بعنوان “الطريق إلى الحرية” يرصد مصطفى بكري وقائع ماجرى يوم الثالث من يوليو 2013 كيوم حاسم في تاريخ مصر وهو يوم انتصار ثورة 30 يونيو واليوم الذي سيبقى للأبد في ذاكرة التاريخ بعد أن تقدم أغلى الرجال وأنبل الرجال لحماية مصر من خطر الانهيار والسقوط.
ولا جدال أن الكتاب الجديد لمصطفى بكري ينطوي على إسهام ثقافي هام في الجدل الفكري حول قضية الثورة وينطوي على أهمية في وقت يواجه فيه شعب مصر تحديات البناء والتنمية في محيط إقليمي حافل بأسباب القلق وحالات سنهيار وسقوط للدول الوطنية، بينما يسفر الإرهاب عن وجهه الحقيقي كعميل لقوى لا تريد الخير للأمة العربية.
وثمة حاجة لخيال ثقافي واسع وآفاق فكرية رحبة بلا حدود في أيام الاستجابة للتحديات الجسام والأحلام النبيلة والأسئلة الكبيرة ووقف العبث بالذاكرة المصرية والتجرؤ على قصة كفاح للشعب المصري التي بلغت ذروة عالية في ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة.
فتحية لمثقف وطني يسعى في كتابه الجديد لتخليد قصة كفاح الشعب المصري وثورته المجيدة في الثلاثين من يونيو، وللتاريخ أن يستقبل المزيد من إسهامات المثقفين المصريين حول ثورة شعب يصنع التاريخ وعناوين المستقبل الأفضل للإنسانية كلها.