مصرفيون أفارقة يدرسون بعناية مقترح ألمانيا بإطلاق« خطة مارشال» الأفريقية
يسعى وزير التنمية الألماني جريد موللر في مباحثات يجريها مع بنك التنمية الأفريقي AFDB في كوت ديفوار لاستشراف مدى تأييد الدوائر الأفريقية المالية والاقتصادية والمصرفية لخطة بلاده التي يطلق عليها “خطة مارشال مع أفريقيا”، فيما يعرب عدد من المصرفيين الأفارقة عن اعتقادهم بأن الورقة الألمانية الخاصة بخطة مارشال المصرفية تفتقر إلى الكثير من التفاصيل.
في العادة يلتف، وبشكل أسبوعي، ما يقرب من عشرين من أعضاء مجلس إدارة بنك التنمية الأفريقي، حول مائدة مباحثات ضخمة في مقر البنك بالعاصمة أبيدجان، معظمهم من المصرفيين ذوي الخبرات الطويلة في مجالات تمويل التنمية، لمناقشة طلبات قروض تصل إلى نحو 300 طلب سنويا، وبلغ قيمة التمويلات التي أقرت في العام الماضي ما يقرب من 11 مليار دولار (بما يعادل نحو 5ر10 مليار يورو).
في اجتماع خاص .. التف أعضاء مجلس إدارة بنك التنمية الأفريقي في استقبال ضيف لهم هو وزير التنمية الألماني، جريد موللر، الذي قدم ومعه “خطة مارشال” الأفريقية، التي تتألف من 30 صفحة، وتكشف عما وصف بأنه “مستوى جديد” من التعاون التنموي مع أفريقيا في مجالات التنمية الاقتصادية، والتجارة، والتعليم والطاقة. وسعى موللر بحضوره إلى أبيدجان الشراكة مع أفريقيا قائلا لنخبة المصرفيين في البنك الأفريقي التنموي “أراكم صوت أفريقيا، فأنتم الخبراء”.
وقد أبدى الخبراء ثناءهم وتحيتهم للضيف الألماني بكل أدب على مبادرة بلاده للحوار مع أفريقيا، إلا أنه سرعان ما انطلقت موجة انتقادات وتساؤلات التي ملأت غرفة الاجتماعات، فقال أحد الأعضاء “الاستراتيجية والرؤية تغطي مجالات كثيرة. أعتقد أننا بحاجة إلى تضييق بؤرة التركيز”، وقال آخر هل حقيقي أن الخطة تحمل مسمى “خطة مارشال؟”، بينما علق آخر بقوله “لا توجد أرقام كافية”، واستفسر آخر “ما الذي يمكن لألمانيا أن تساهم به بالتحديد؟.
بخلاف “خطة مارشال” الأصلية، التي ضخ بموجبها مليارات الدولارات لإعادة تأهيل أوروبا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، فإن خطة الوزير الألماني موللر لا ترى أهمية في تقديم مليارات من الدولارات في صورة قروض للدول الأفريقية، بل في المقابل تود الخطة تقديم المساعدات التنموية الشاملة، والعمل عن قرب مع الشركاء التنمويين، ودمج النخب الأفريقية في أعمال أكثر مسؤولية تجاه جهود التنمية في القارة.
وأعرب موللر – في خطته – عن أمله في وقف التحويلات الرأسمالية غير المشروعة الهاربة من أفريقيا وإغلاق الملاذات الآمنة التي تستخدمها المؤسسات المتعددة الجنسيات، فضلا عن تعزيز القطاع الخاص الأفريقي يمثل مكونا رئيسيا للخطة الألمانية، وإلغاء القيود الظالمة على التجارة في وجه المنتجات الأفريقية من أجل تسهيل وصولها إلى الأسواق الأوروبية.
وهنا لم يسلم الوزير الألماني من الانتقاد، إذ انبرى مصرفي من نيجيريا قائلا “ينبغي أن أتوقف هنا، فكل من يجلس على هذه الطاولة يعلم أن السياسة الزراعية (الأوروبية) الراهنة غير عادلة بالنسبة لأفريقيا”.
لدى سماعه التعقيب، أطرق الوزير الألماني برأسه ولم يعلق، وبقى التساؤل معلقا حول كيف يعتزم إيجاد نظام تجاري أكثر عدلا؟
وتبقى “خطة موللر” في الوقت الراهن مجرد ورقة للنقاش صاغها وزير تنمية، ليس لديه أي نفوذ على السياسة التجارية، حتى وإن كان لديه الرغبة في تحقيق ذلك. ولقيت الورقة انتقادا من بعض المشاركين في الاجتماع بينما رآها آخرون تحركا رائعا لأنها تضمن لأفريقيا وللوزير مولر اهتماما أكبر داخل ألمانيا.
فصناع السياسة الألمان شرعوا في إيلاء أفريقيا اهتمام أكبر منذ بداية أزمة الهجرة، فها هو وزير المالية الألماني، ولفجانج شوابل، يرغب في إبرام اتفاقات شراكة مع بلدان أفريقية منتقاة داخل إطار العمل مجموعة الدول العشرين G20 في دورتها الراهنة التي ترأسها ألمانيا. والوزير مولر ينشد الدعم لـ”خطة مارشال” سواء داخل ألمانيا أو خارجها، وقد تلقى دعما من رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني.
تلاقت أفكار موللر مع رأي نائبة بارزة في بنك التنمية الأفريقي، فراني ليوتير التنزانية، التي رأت أنها تتوافق مع “أولويات البنك”، كما أنها تتماشى مع أهداف الاتحاد الأفريقي” .. وقالت إن الوزير موللر أكد أن الخطة ستكون “خطة مارشال مع أفريقيا”، وأعتقد أن “كلمة مع أفريقيا مهمة جدا، فهي المرة الأولى التي نرى فيها شيئا يتم حول أفريقيا ومع أفريقيا”.
وأبدت مصرفية تنزانيا ترحيبها بالمقترح الخاص بإنشاء “مفوضية الاتحاد الأوروبي من أجل أفريقيا”.
من جانبه، أعرب موللر في نقاشه عن أمله في أن يقود التعاون مع بنك التنمية الأفريقي إلى خلق منتجات مالية جديدة وأدوات إدارة المخاطر المالية التي ستساعد على الاستثمار وتعزز من دور القطاع الخاص الأفريقي. وسيكون أحد أمثلته برنامج القروض لمصلحة شباب رواد الأعمال في البلدان الأفريقية.
وفي رده على أسئلة من محطة دويتش فيله الألمانية، قال الوزير موللر، “إننا نتحرك في نفس الاتحاد والبنك شريك استراتيجي مهم”، وعلى صعيد الأدوات المالية التي يتمنى أن يراها تخرج إلى حيز النور، أكد أن هناك جوانب كثيرة من التوافق بشأنها توصل إليها بنفسه مع الإدارة التنفيذية لبنك التنمية الأفريقي.
وعلى صعيد موجة الانتقادات داخل اجتماعه في مقر البنك، صرح الوزير الألماني، بأن الصحفيين لم يستمعوا سوى إلى 2 في المائة فقط التي تتضمن الانتقادات، فالانتقادات محفزة ومرغوبة بشدة (لديهم)، على حد تعبيره.
بيد أن الوزير الألماني لم يتمكن من التعاطي بسهولة مع الانتقادات التي وجهت له أثناء اجتماعه على مائدة بنك التنمية الأفريقي، كما أن عددا من أعضاء مجلس إدارة البنك استبدت بهم الظنون وأبدوا تعجبهم من كيفية سيتمكن من تنفيذ جوانب معينة تتضمنها الخطة؛ فكيف سيقوم بتقليص الاعتماد على المانحين وتعزيز التصنيع؟ أو كيف سيتم العمل سويا مع إدارات عامة مكتظة ومتخمة ولديها القليل من الرغبة في الإصلاح؟ وهنا يختتم أحد مصرفيي المؤسسة المالية الأفريقية تعليقه قائلا “نحن على دراية بعدد من المبادرات التي أطلقت في الماضي، وأفضت إلى لا شيء”.
وتابع “خطة مارشال” التي طرحها الوزير الألماني كانت أساسا جيدا للنقاش، لكنها بحاجة إلى التطوير،معربا عن أمله أن يحقق موللر “نجاحا وأن يتمتع بشجاعة أكبر” في متابعة فكرته.