آراءمواطن مصري

مخالفات البناء.. سرطان التنمية| بقلم جورج عياد

كثر الحديث في الأيام الأخيرة، ربما أكثر من أي وقت مضى، عن الإجراءات الحاسمة التي تتخذها أجهزة الدولة في مواجهة مافيا البناء المخالف سواء أكانوا ممن يعتدون على الأراضي الزراعية أو تلك المملوكة للدولة، وبطبيعة الحال لم تفوت الدوائر المعادية للدولة المصرية سواء من أتباع جماعة الإخوان الإرهابية أو تلك الأبواق الإعلامية المأجورة من قطر وتركيا والتي راحت تشوه الحقائق وتعزف على أوتار الفتنة وتأجيج المشاعر وتصوير القضية على أنها إضرار بمصالح المواطنين.

وفي واقع الأمر فإن الجريمة الخطيرة ليست في تطبيق قرارات الإزالة أو التصالح في مخالفات البناء وإنما الجريمة في استغلال حالة السيولة الرقابية التي سادت المحليات لفترة طويلة ما قبل ثورة 30 يونيو 2013 والتي بمقتضاها تمكنت مافيا المخالفات شراء بعض الذمم الخربة والمتاجرة بمقدرات الوطن وتعريض أمن وحياة المواطنين لخطر الموت من جميع الجهات.

فمن يسمح له ضميره بتبوير الأراضي الزراعية والتسبب في أزمة غذائية خانقة فإنه مجرم، ومن يقوم ببناء أدوار مخالفة تتعدى ضعف المصرح به فهو آثم قلبه، وكذلك فإن من تسول له نفسه في زيادة العشوائيات وإهدار امكانيات الدولة في إصلاح ما أفسده بدافع الطمع والجشع فإنه يستحق أن يلقى مصيره الذي يستحقه.

فعلى مدار أكثر من 40 عاما مضت .. مثلت التعديات على أراضي الدولة وزيادة العشوائيات ومخالفات البناء كابوسا للدولة المصرية حيث تتسبب في أضرار اقتصادية لا يمكن حصرها لعل في مقدمتها تآكل الرقعة الزراعية في بلد يتزايد عدد سكانه بمعدلات تفوق أضعافاً معدلات التنمية، مما يضطر الدولة لاستصلاح أراض جديدة بتكلفة هائلة، بجانب البناء على الأراضي الزراعية الذي يتسبب في تراجع الناتج الزراعي ويكبد ميزانية الدولة التزامات كبيرة جداً لاستيراد السلع الغذائية بالعملة الصعبة .

فهذه المخالفات تمثل ضغطا غاية في الخطورة على موارد النقد الأجنبي للدولة ، وتضطر الدولة لبناء شبكات جديدة للمياه والصرف الصحي، كما تدفع الدولة لتحديث البنية التحتية لتلائم الاستخدام غير المخطط، وتلجأ الدولة لبناء الإسكان البديل للعشوائيات بتكاليف مالية باهظة.

كما أن التعدي على الأراضي الزراعية له آثار سلبية كثيرة .. حيث إنه يمثل تهديدا مباشرا للأمن الغذائي، ولعل ما خسرته مصر من أراضي زراعية، تجاوزت 1.2 مليون فدان، كانت كفيلة بتحقيق الأمن الغذائي لأكثر من 25 مليون مواطن، في حالة قيام الأجهزة الحكومية خلال السنوات الماضية بالتصدي للتعديات لحماية الأمن الغذائي للمصريين.

علينا إذاً ونحن نناقش قضية تدخل جميع أجهزة الدولة الإيجابي للقضاء على مخالفات البناء والاستيلاء على الأراضي أن نضع الأمور في نصابها الصحيح بعيداً عن أي مزايدات مشبوهة أو متاجرة بمشاعر البسطاء، فمن الأولى أن نواجه وبكل قوة وحسم هذه المافيا التي اعتادت على ارتكاب الجرائم، ثم تضع اجهزة ومؤسسات الدولة أمام الأمر الواقع ويكون لزاماً على الحكومة توصيل المرافق للمباني المخالفة وتعويض المتضررين من انهيار العمارات فوق رؤوس سكانها.

أما بالنسبة لمتعهدي تصدير البكائيات ونغمات المظلومية عبر تأجيج مشاعر البسطاء والمغرر بهم فإنهم لا خوف منهم على مصرنا الغالية، فكل مواطن صالح مخلص يدرك تماماً أن بناء الأوطان على أسس سليمة يستوجب أن يكون صوت الحق والقانون هو الأعلى وهو وحده دون غيره المسموع، فهؤلاء المضللين ستحبط أعمالهم وتنكشف ألاعيبهم ويكفينا أن نطرح تساؤلاً واحداً لكنه جوهري: هل تم هدم مبنى واحد غير مخالف، وبصيغة أخرى: هل تم نزع ملكية أي أرض موقفها القانوني سليم .. أعتقد أن الإجابة ستكون هي الفيصل في الحكم على القضية بكافة أبعادها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى