آراءشويّة دردشة

محرر الفن.. أزمة ما بعد الأربعين| بقلم محمد عبد الرحمن

%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84

الأربعين المقصودة في العنوان هي سن الأربعين بالطبع،  أما “محرر الفن” فهو تعبير كان من المفترض أن ينقرض منذ وقت طويل لكن غياب التطوير والتخصص عن كل شئ في مصر أدى لإستمراره .

لعقود متتالية ظلت صفحة الفن تحمل نفس الإسم في معظم الصحف، مع تخصيص صفحات أسبوعية للسينما والموسيقى والمسرح حسب ظروف كل مطبوعة، تخصص بعض الصحفيين في السينما والمسرح والموسيقى نعم، لكن معظمهم ظلوا كما هم “محرري فن” رغم أن مجال الفن أوسع من أن يلم به صحفي واحد .

التطوير المفقود كان من المفترض بأن يفضى إلى المزيد من التخصص، فلا يعرف أحدهم للآخر باعتباره  “صحفي فن” وإنما صحفي مختص بمتابعة أخبار السينما المحلية، وآخر للسينما الأمريكية والأوروبية، صحفي مختص بالموسيقى، وآخر بالدراما، وحتى الدراما أنواع، وثالث للمسرح والمجال الأحدث على الإطلاق هو “صحافة الميديا” الذي ظنه البعض في البداية مجرد تغطية لبرامج التوك شو مع إن نطاق الميديا أوسع بكثير ويحتاج إلى تخصصات بداخله .

الصحفي المختص بالسينما ليس هو فقط الذي يكتب عن الأفلام الجديدة، بل يعرف عدد الشاشات في مصر كلها، وكيف يقيس الإيرادات بالمقارنة بالتكلفة، ويرصد مشوار كل فنان حسب مستواه من عمل لآخر لا حسب ما يقوله الناس ويرسخه السابقون في أذهان اللاحقين .

نتج عن كل ما سبق انهيار كبير في مضمون الصحافة الفنية، تكرار مستمر للعناوين والأسئلة الموجهة للفنانين مع اختلاف أسمائهم، لسنا بحاجة للتذكير بأسئلة من نوعية، أنت فين من السينما، والعكس انت فين من الدراما، ولو أن الفنان يعمل في كل المجالات يصبح السؤال أنت فين من ميدان لبنان مثلا .

نتج عن ذلك ما يمكن أن نسميه “محرر النجوم” الذي يكتب أخبار عن النجوم والسلام، أي كان المضمون، مش مهم، ساهم في ذلك كثرة مجلات الفن الخليجية التي تطلب “كوفرات ” وأسئلة تافهة وعادية ومكررة، تنشر بعض هذه المجلات الحوارات وهي تعلم أنها مفبركة طالما أن الصور جديدة وحصرية .

لا مجال هنا للحديث عن كيف تعامل الفنانون مع الظاهرة وزادوا من سلبياتها، حتى لا نفقد الخيط الأساسي للموضوع وهو صحفي الفن بعد الأربعين .

في بدايات العمل بهذا المجال كانت العقدة التي واجهتنى مع بعض أقراني هي، كلنا مش هنبق زي محمود سعد، فماذا سنفعل عندما نكبر، محمود سعد كان النموذج الأنجح لصحفي الفن، الذي صادق النجوم والمخرجين وحصل دائما على تصريحات وحقائق وأسرار ثم تطور جاءته فرصة رئاسة تحرير الكواكب ومنها تقديم برنامج فني ثم بات الكل يتمنى أن يظهر معه ليشرب العصير قبل أن يصل طوفان السياسة ويجرف الجميع.

أما مشكلتي أنا وربما البعض الآخر فهي، وأنا عمري 28 عاما كنت ألهث  – مثلا – من أجل حوار مع منة شلبي بعد نجاح فيلمها “الساحر” ، يكبر الفنان ويصبح نجما والوصول له صعب، لكن الصحفي لا يكبر ويجد نفسه وعمره 38 عاما يلهث من أجل حوار مع “سارة سلامة” ، الأمثلة هنا للإيضاح طبعا، لكن وبعدين ؟

إذا كان ظروف المطبوعات التي نعمل بها لم تساعد في أن نتحول لرؤساء أقسام أو مديري تحرير أو معدي برامج ناجحة، هل سنستمر نلهث وراء الأجيال الجديدة من النجوم ونحلم بفوتو سيشن حصري نبيعه لمجلة إماراتية أولا ثم نبيع صورة منه لجريدة كويتية مع نفس الكلام والتصريحات التي لا تصنع اسما لامعا وتخدم النجم فقط؟

الحل كان السعي نحو التخصص، عدم الاعتماد على النجوم كمصدر أساسي للكتابة، الجمع بين الأخبار والتحليل والرأي والنقد، السعى لتغطية المهرجانات الخارجية بدل من الاقتتال للذهاب إلى الأقصر والإسماعيلية والإسكندرية .

كثيرون جربوا ما سبق ونجحوا فيه، وكثيرون اجتهدوا ولم يوفقوا، لكن كثيرين أيضا وقفوا في المنتصف وقدموا أسوأ صفات تدين “محرري الفن” وتجعل القارئ قبل النجم ينظر لنا جميعا بما لا نحب ونرضى .

ساهم في ما سبق  “طاقة وهمية” صدرتها مواقع التواصل الإجتماعي لبعض هؤلاء، فبات الناس تتابع منشوراتهم الفارغة والهادفة للابتزاز في بعض الأحيان، وهم لا يعرفون، دة صحفي فين ومن امتى وبيكتب ايه .

أعرف صحفية مثلا تعمل في مجال الميديا بنشاط كبير يبهر متابعيها، لكن هؤلاء لا يعرفون أنها لا تشاهد التلفزيون أصلا وتكتب أخبارا عن توقف برامج وانطلاق برامج أخرى دون أن تقع عيناها على الشاشة، صحفي أخر لو حللت أخر 100 خبر نشرهم على الموقع الإلكتروني الذي يعمل به خلال موسم العيد ستجد نصفهم عن منتج بعينه، وإيرادات مبالغ فيها، وهجوم مبطن على المنافسين، ثالث يذهب للمهرجانات خارج مصر مصطحبا زوجته رغما عن إدارة المهرجان، ويعمل مستشارا بالعافية للعديد من النجوم بدون مقابل فقط حتى يحصل على “بريستيج” لن يحصل عليه من كتاباته التافهة،  رابع يذهب للمهرجانات داخل مصر من أجل الفسحة وكتابة خبرين أو أكثر عن المهرجان وغض الطرف عن السلبيات، خامس يكتب الإشاعة وهو يعرف أنها كذلك ثم يكتب نفيها، ووسط كل هؤلاء مجموعة أخرى اسمها “الرحالة” تجده كل 6 أشهر في موقع إلكتروني مختلف، ودائما ما يكون هو المظلوم عند الإطاحة به، ودائما لا تعرف كيف يخطط لحياته المهنية، وكيف سيطور نفسه، وتفشل في تعريفه للآخرين في أي مناسبة لأنك لا تتذكر أين يعمل لكن فقط هو “محرر فن” موجود على الفيس بوك للتعليق على الأحداث الفنية والهجوم على أفلام العيد ومسلسلات رمضان أو مدح أبطال المسلسلات ونجوم العيد، متاح على جروبات الواتس آب للصحفيين لنقل أي بيان صحفي أي كان مضمونه من أجل أن يصبح منتجا أمام رؤساءه، الذين هم في الغالب لا يحترمون قسم الفن كما يحدث في الصحف المطبوعة عندما تكون الصفحة هي أول صفحة يتم تأجيلها وقت زحمة الأحداث.

هؤلاء سيتركون المقال كله أيضا ويركزون على فك شفرة الشخصيات المقصودة في الفقرة السابقة، ويتجاهلون أن العمر يمر بهم، وأن الانتقال من مرحلة لأخرى لن تكون بالزيطة على فيس بوك، والانحياز لطرف في قضية لأنه “صديق” والانحياز ضده في القضية التالية لأنه لم يعد كذلك، ثم تقابله في لحظة صراحة فيشكو ضيق الحال وعدم الإستقرار، فلا تجد أمامك سوى أن تطيب خاطره قائلا ” معلش دة حال كل محرري الفن” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى