مات “أنس”.. ولا عزاء “لأسامة”!! .. بقلم نصر القفاص
الاعتراف سيد الأدلة
أعترف بأنه هناك حائط يفصل بينى وبين “أسامة الغزالى حرب” مع تقديرى لحقه فى أن يسبق إسمه بوصف – مجرد وصيف – “دكتور” فهى درجة علمية حصل عليها.. كما يحملها المئات من الذين ذاقوا حلاوتها.. غير آلاف يلعنون الزمن والنظام لتجاهل أنهم حملوها!! المهم أننى أعرف “أسامة الغزالى حرب” منذ أكثر من ربع قرن.. وضمن اعترافاتى أننى كنت أعتقده كبيراً وخطيراً ومهماً, والمثير أن معتقداتى إنهارت عندما عرفته بين أقرانه.. قل عندما رصدته مندهشا خلال حواراته – أمام عينى وسمعته بأذنى – مع الدكتور “عبد المنعم سعيد” الذى يتمتع بأدب شديد وسلوك دبلوماسى معروف عنه.. وكنت أرفض صديقى “نبيل عبد الفتاح” فى قسوته معه!! وللحقيقة ناصبت الأستاذ “إبراهيم نافع” شعور الخوف عندما كنت أراه يسخر منه!! لكن “أسامة الغزالى حرب” بدا أمامى فى حجمه, وتعاملت معه وفق ما يستحقه بعد أن تابعت حوارات عديدة له دارت بينه وبين “الضمير الذى رحل” وكان اسمه “أنس مصطفى كامل”!
“أنس مصطفى كامل” كان تجسيدا لمعنى كلمات “المبدأ” و”الموقف” و”المفكر” و”المثقف” و”الوطنى” وأضف من عندك ما شئت لكى تتهمنى أننى أتحدث عن “ملاك” رغم أنه عاش شقيا ومات مقاتلا.. فقد انتزع حقه فى أن يكون دبلوماسيا لكى يخدم مصر وبدأ مشواره من “بورندى” ثم انتقل إلى “طهران” ومات فى “لبنان” مرموقا.. وبقى كل من عرفوه يحترمون مصر بتاريخها.. يعشقون فنونها لأنه كان متفردا فى علاقته بالغناء والموسيقى.. وكم أعطى “أنس مصطفى كامل” لمصر خلال حياته القصيرة, بقدر أكثر كثيرا عن الذين خدعوها بعمرهم الطويل!!
لعلك تسألنى عن علاقة “أنس مصطفى كامل” بحكاية “أسامة الغزالى حرب” وهنا ستكون إجابتى مختصرة.. فإذا كان “أنس” هو الملك.. فيجوز أن يكون “أسامة” مجرد كتابة!! ولن أنس ما حييت مواجهة دارت بين كليهما فى مطلع التسعينات من القرن الماضى.. وقت أن كان “أنس” يتأهب للسفر إلى “بوجمبورا” عاصمة “بوروندى” فى بداية مشوار صعب, بينما “أسامة” يختال فخورا بقدرته على أن “يتبوأ لا إراديا” مكان مدير مركز الدراسات الاستراتيجية فى الأهرام – مؤقتا – وأدهشنى “أنس” حين أنهى الحوار مع “أسامة” مؤكدا له أنه سيطير ويرتفع.. لكنه سيسقط دون أن يسمع أحد صوت سقوطه.. كان “أنس” يعبر عن رفضه لسلوك “أسامة” فيقول له: “يؤسفنى أنك تنطلق فى طريق الوهم بسرعة الصاروخ.. ولن تعترف أمام نفسك ولا الدنيا أنك أخطأت الفهم والطريق والطريقة.. لذلك ستكون نهايتك سببا فى سعادة كل الذين تقتلهم فى طريقك, وتغتال طموحهم بالتشويه.. سيفرح فيك الذين احترموك بأكثر من أولئك الذين يحقدون عليك من السفهاء والانتهازيين”!! إستمر الحوار بينهما طويلا, وكان صعبا على كليهما لكونهما كانا يحترما بعضهما البعض.. بينما نحن جمهور المستمعين نسأل الله لحظة النهاية لننصرف, آملين ألا يتطور الحوار.
عاتبت “أنس مصطفى كامل” بعدها على قسوته مبديا تعاطفى مع “أسامة الغزالى حرب” الذى كان يتضاءل أمامه كلما نزع إلى الصرامة, مع ذكر وقائع لسيرتهما الأولى.. إنتهى الموقف.. وعاش “أنس” قليلا ثم رحل فجأة معانيا أزمة قلبية فى “بيروت” وبقى اسمه مقترنا باحترام وحب كل من عرفوه.. وتقلب “أسامة” بين المواقع والمواقف, فصعد وهما وسقط صدقا.. وبقى يتعامل مع الحياة كما يفعل راكبى الدراجات, رغم امتلاكه رخصة قيادة أفخم السيارات.. بل الطائرات!! لكنه اختار.. حسده البعض حين كان الصديق المدلل “لجمال مبارك” واندهشوا من اندفاعته معارضا.. تضرع كثيرون لله راجين ألا يتحكم فى دفة “الأهرام” خوفا عليها.. فعاشوا ليروه يعانى عقدتها النفسية, بينما امتلك ناصيتها الصغار والسفهاء, مع كل التقدير للذين حرمتهم منها!!
عرفت “أسامة الغزالى حرب” لامعا ورأيته يهوى, فلم ألحظ شعورا إنسانيا من جانبه تجاه النصر أو الهزيمة.. ربما لأنه لم يقاتل أو يحارب بل عاش مشاغبا, محتفيا بصورته فى المرآة أمام نفسه.. لذلك عاش “أنس مصطفى كامل” فى ذاكرتى وعلمنى بعد موته.. ولا أتذكر “أسامة الغزالى حرب” الذى أدعو له بطول العمر.. لكى ينهزم فى معارك جديدة ضد كل موهوب ومحترم.. وأدعو الله أن يجعله كبيرا فى عيون السفهاء!!
نصر القفاص