ليبيا بين الخبر والتحليل| بقلم عميد د. عمرو ناصف
منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة الليبية فى الخامس عشر من فبراير 2011، نجد حضوراً فاعلاً وقوياً لأطراف أقل ما توصف به أنها دول الخيانة العظمى والشراهة الاستعمارية، وأجهزة المخابرات الأجنبية التى جابت أرجاء أرض المختار منذ اليوم الأول، تؤجج وتقلب وتشحن استكمالاً لمسلسل ديموقراطى زائف سموه لنا (الربيع العربى) لنستسيغ طعم خداعهم ونبتلع الطعوم كلها دولة بعد دولة، وكيف لا وها هي مليون و650 ألف برميل بترول يومى قد أصبحت فى مهب الاستباحة والسطو، الاحتياطى البترولى التاسع عالمياً قد أصبح بلا رقيب أو حفيظ وهذا عين المراد، فليس هؤلاء بليبيين، وليسوا بمصريين، ولا سوريين ولا يمنيين، فكانت كلمات القذافى صادقة حين ضحكوا منها جميعاً وانطلق السؤال مدوياً (من أنتم؟).
ورغم إصدار مجلس الأمن قراره بشأن ليبيا رقم (1970) والذى يقضى بعدم تسليح أى طرف من أطراف النزاع الليبى فى ليبيا، وبأى أنواع السلاح والذخائر على الإطلاق، إلا أن السلاح التركى كان حاضراً منذ اليوم الأول وتتعدد حالات الضبط والقبض على السفن التركية التجارية دولياً وليبياً وهى تدس بين حاوياتها السلاح والذخائر بل والمدرعات أحياناً:
– يناير/2013: اليونان تلقى القبض على سفينة تجارية تركية فى مياهها الإقليمية محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية.
– ديسمبر/2013: السلطات المصرية تكتشف 4 حاويات مملوءة بالسلاح مدسوسة بين حاويات تجارية لمركب تركية متجهه إلى ليبيا.
– أغسطس/2014: سلاح الجو للجيش الليبي يشن غارة على سفينة تركية فى المياة الإقليمية مملوءة بشحنات الأسلحة.
– ديسمبر/2018: الجيش الليبى يضبط شحنة من الأسلحة على متن مركب تركية فى ميناء الخمس الليبى.
– يناير/2019: الجيش الليبى يحبط دخول 121 ألف مسدس مختلف الأعيرة إلى ميناء طرابلس على متن سفينة شحن تركية.
– فبراير/2019: الجيش الليبى يضبط سفينة تجارية تركية مدججة بالسلاح فى ميناء الخمس للمرة الثانية.
– مايو/2019: الجيش الليبى يحتجز السفينة أمازون التركية المحملة ب40 مدرعة نقل جند وعربات دفع رباعى فى ميناء طرابلس.
ولازالت السفن التركية تضخ السلاح عبر كل موانئ البلاد، ورغم قرار مجلس الأمن رقم (1973) القاضي بإغلاق المجال الجوى الليبى لازالت الطائرات التركية تحط فى مطار طرابلس بالمرتزقة والميليشيات المأجورة، ليتحول تهريب السلاح والمقاتلون من تركيا وسوريا إلى حكومة الوفاق إلى شكل رسمى وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع.
.. أكذوبة حكومة الوفاق:
– تم انتخاب مجلس النواب الليبى فى أغسطس 2014 بانتخابات تشريعية بالاقتراع المباشر بين جموع الشعب الليبى، ليترأسه بالانتخاب السيد/ عقيلة صالح وأسفرت الانتخابات عن (182 عضوامن إجمالى 200 عضو) حيث امتنع 12 عضوا عن الانتخاب لأسباب تتعلق بانتماء دوائرهم الانتخابية لتركيا (مصراتة ودرنة – مليون تركى من السكان) وقد حضر أولى جلسات الانعقاد لذلك المجلس أعضاء من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تعبيراً عن شرعيته وإيذاناً بانطلاق جلساته.
– كان من الطبيعى أن تنبثق الحكومة من مجلس النواب المنتخب، ولكن مع ظهور مؤشرات الوعى الشعبى الليبى بعد نجاح انتخابات مجلس النواب، كان لزاماً على دول الأطماع أن تختلق أكذوبة تأسيس حكومة توافقية، فكان اتفاق الصخيرات بالمغرب فى 17/12/2015 وكانت حكومة الوفاق المتفق عليها بين المستعمرين الدوليين فقط وهى بالطبع حكومة عوار غير منتخبة وتضم حقائبها الوزارية لوزراء من أصل تركى (باش أغا وزير الداخلية).
– تم الاتفاق على عمل هذه الحكومة لمدة عام ونصف من تاريخ المؤتمر ومن الممكن مدها لستة أشهر إضافية إذا اقضت الحاجة أى أن عمر هذه الحكومة على أقصى تقدير هو نهاية عام 2017، ثم يتم حلها بقوة قانون من ابتدعها. فما بالها لازالت تحكم حتى اليوم، ورغم قيام مجلس النواب بسحب ثقته منها ورغم دعوات كل القبائل والعشائر برفضها ومقاطعتها؟
– وبين توصيات مؤتمر برلين المائعة فى 19/1/2019 والتى تقضى بأنه لا حل عسكرى للأزمة وأن البترول الليبى هو حق ليبى صريح والالتزام بقرارات مجلس الأمن نجد أن الدور الروسى كان حاضراً بقوة قبلها بأيام فى موسكو:
.توصيات مؤتمر موسكو 14 يناير 2020:
– وقف إطلاق النار فى ليبيا وإرسال قوات روسية لمتابعة التنفيذ.
– مشاركة أمريكا بصفة مراقب لقرار وقف إطلاق النار.
– وقف إرسال قوات تركية إلى ليبيا.
– يتولى الجيش الليبى مهمة الحرب على الإرهاب.
– يتولى الجيش الليبي مهمة تأمين حقول النفط.
– تقوم (بعض) الميليشيات بتسليم سلاحها.
– إشراف دولى على منافذ البلاد الشرعية.
وشأن كل الفرسان والمقاتلين الشرفاء ينتفض (اللواء خليفة حفتر) رافضاً لتلك البنود التى تلزمه بحماية حكومة منتهية الصلاحية ومرفوضة من كل جموع الشعب، يقوم رئيسها المزعوم بتوزيع المال الليبى مباشرة من البنك المركزى بتوقيع شخصى منه وبالأمر المباشر دون أى رقابة من مجلس الشعب. وأعلن أنه لن يلتزم بتأمين حقول نفط يقوم (السراج) بتوزيع ناتجها على أصدقائه ومؤيديه بتوقيع شخصى مباشر منه على أذون الشحن حيث تقلع الحاملات من ميناء طرابلس مباشرة دون الرجوع للهيئة الوطنية للبترول أو مجلس النواب فى أى من ذلك كله، ومع عدم وجود أى إشراك للجيش الوطنى ومجلس نواب الشعب فى صنع القرار مع الجكومة المزعومة، ومع عدم وجود ما يلزم الميليشيات المرتزقة الموجودين فعليا فى ليبيا بالخروج منها، ومع إلزام بعضها (فقط) بتسليم السلاح دون أخرى، ومع ماضِ ليس ببعيد من عدم احترام قرارات مجلس الأمن واستمرار تركيا فى خرقها السافر بمعاونة الجكومة المرتزقة، ومع إعلانه صراحة رفضه لوجود الطرف التركى فى هذا الاتفاق لعدم وجود أى صفة، يغادر (خليفة حفتر) روسيا عائداً إلى ليبيا، ليستمر مسلسل الإسفاف الدولى فى غض الطرف عن تصرفات تركيا ومع استمرار ميوعة الموقف الدولى، ومع ذهاب قرارات برلين وروسيا واتفاق القاهرة الأخير أدراج الرياح، ومن قبلهم اتفاق الصخيرات المنتهى الصلاحية. وبين رفض مجلس النواب الشرعى الليبى لتلك الحكومة، وإعلان قبائل أبناء المختار رفضهم لها وتأييدهم للجيش الليبى بقيادة (حفتر)، تستمر تركيا وتستمر الوفاق ويستمر ثبات المجتمع الدولى طالما استمر ضخ الزيت واستمر توقيع الشيكات وأذونات الصرف.
وبين هذا وذاك تقف مصر مدافعة عن أمنها الإقليمى .. داعمة – كحالها دائماً – لكل الدول العربية رافضة لتقسيم أى منها مهما كانت قوة المستعمر وشراهة المطمع وتستمر في لعب السياسة بشرف.