شويّة دردشة

ليبرالي “لامؤاخذة”!! بقلم .. إيمان إمبابي

11938876_10153156643837887_534951414_n

“يعنى إيه – لامؤاخذة – ليبرالى”.. جملة كتبها أحدهم على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعى “فيس بوك”.. وانهالت عليه إجابات ساخرة, وساخرة جدا, وكوميدية.. تعكس استخفاف الكثيرين بذلك الوصف الذى يستخدمه بعض الساسة ورجال الأعمال دون أن يفهموا معناه.. أو يفهمونه ويدعون السذاجة!! ماهى العلاقة بين من يسمون أنفسهم “ليبراليين” – لامؤاخذة – وبين شبكة التواصل الاجتماعى “تويتر”؟!..

أحدهم يوالينا بتغريداته المسمومة من الخارج فى لحظات بعينها.. ليقول رسائل بعينها.. لا يوجهها أبدا للمصريين بالداخل.. الذين يعتبرهم – وفقا لوصفه شخصياً – 85 مليون “زبال”.. يوجهها لأناس بعينهم فى بلدان له بها علاقات يعرفها جيدا!!

والآخر بالداخل.. يعرف جيدا ماذا يقول.. لكن بدعوى أنه ليبرالى “لامؤاخذة”.. فهو يرى حقه أن يقول ما يريد وقتما يريد دونما أى اعتبارات.. ينتعش عندما تتوالى ردود الأفعال المهاجمة لما يكتبه فى “تويتاته”.. لا اعتبارات عنده سوى لحريته.. وحريته فقط.. أوليس الرجل ليبراليا “لامؤاخذة”!!

وبينهما انتهازى.. ليس فوق مستوى الشبهات.. يدعى أنه ليبرالى.. يطلق تغريداته كلما احتاج شيئا من الدولة ولم ينله.. أو كلما غابت عنه أضواء الإعلام.. يقول الشىء وعكسه.. ويداعب هنا وهناك.. وإمامه وسيده ووطنه الليبرالية “لامؤاخذة”!!

الليبرالية التى أؤمن بها.. ليست تلك التى يتبناها هذا فى الخارج, أو ذاك فى الداخل.. أو حتى أى انتهازى جاهل لا يبغى منها سوى مصلحة شخصية محدودة.. وليذهب الوطن بمواطنيه إلى الجحيم.. الليبرالية التى أراها صالحة لوطنى.. تلك التى اصطلح على تسميتها بالليبرالية الاجتماعية.. التى تهتم بالمواطن وتؤمن بدور مهم لمؤسسات الدولة وتتماس مع الاشتراكية.. لا سيما فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية وتوفير فرص عمل للمواطنين والرعاية الصحية.. تلك التى تقدر وتعى معنى الأمن القومى للوطن.. فلا تسمح بتجاوز مؤسسات الدولة فى صناعات بعينها.. كالحديد والصلب مثلا.. ما أقوله ليس بدعة أو أفكار نظرية.. فقد سبق وطبقت فى بريطانيا باندماج أحزاب ليبرالية وأحزاب اشتراكية.. ليخرج نموذج الليبرالية الاجتماعية واضحا فى حزب “الديمقراطيين الأحرار”.. بعد اندماج حزبى “الليبرالى” و”الديمقراطى الاشتراكى”.

الليبرالية التى نبتت جذورها الفكرية منذ القرن السابع عشر.. بالثورات الانجليزية والأمريكية والفرنسية.. والتى تطرفت من الدعوة إلى الحرية، إلى الدعوة لمنتهى الفردية, تقديس الفرد.. غل يد الدولة لا سيما عن الاقتصاد.. اعتقد أولئك ان الطريق بات مفتوحا أمام الليبرالية.. وأن ما عداها من أفكار انتهى إلى غير عودة.. وأن الوجود الفعلى هو لرجال الأعمال والاقتصاد المفتوح.. دور الدولة فقط أن تخدم أولئك من أصحاب المال وتدللهم كل بحسب مزاجه.. ولأن هذه الأفكار المتطرفة لا تستقيم معها حياة البشر.. جاء القرن التاسع عشر مرتدا عن تلك الأفكار.. حافلا بالدعوات الشمولية.. التى تحققت على الأرض في القرن العشرين بوجود نظم شمولية.. وبمبالغة شديدة فى البعد عن الليبرالية, كانت الفاشية والنازية وأخيراً الماركسية.. تمثل صفعة على وجه أولئك الذين أرادوا إلغاء مؤسسات الدولة.. وحتى الدول التي احتفظت بالتراث الليبرالي، لم تلبث تحت ضغط اتحادات العمال أن أفسحت المجال لأدوار متزايدة للدولة في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي.. ليسود انطباع بأن الليبرالية صارت من تراث الماضي الذي لا يتجاوب مع حقائق العصر..

ولأنهم لا يملون ولا ييأسون – أصحاب المال – فقد عادوا مرة أخرى فى نهاية القرن العشرين.. بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية.. لفرض الليبرالية الجديدة مرة أخرى.. الأكثر شراسة من سابقتها الكلاسيكية.. بتحرير السوق من التدخل الحكومي.. وتبنى أفكار هيمنة السوق, برفع كافة القيود التي تفرضها الحكومات على المشروعات الخاصة، مهما كانت التبعات الاجتماعية والأضرار التي يتسبب فيها رفع هذه القيود.. وإتاحة الحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات!!

تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل: التعليم والرعاية الصحية، وتخفيض الإنفاق على الضمان الاجتماعي، وصيانة الطرق والكباري، وخدمات المياه النظيفة والكهرباء، وإسنادها لرجال الأعمال.. تقليص التدخل الحكومي في أي شيء قد يخفض الربح، حتى لو كان مهددا للبيئة والأمان الصناعي.. وبالتأكيد مع الحفاظ على  الدعم الحكومي لهم.. وهو نوع من التدليل الذى يراه أولئك وحينها تكون الدولة رائعة!!

بيع المشروعات والبضائع والخدمات التي تمتلكها الدولة إلى رجال الأعمال.. بما فيها بيع البنوك والصناعات الحيوية والسكك الحديدية والكهرباء والمدارس والمستشفيات.. لما لا.. فهم الأقدر على الإدارة من وجهة نظرهم.. باعتبار الدولة ليست سوى شركة ضمن مجموعة شركاتهم متعددة الجنسيات.. التى يديرونها بالتليفون والبريد الإلكترونى وتغريدات مواقع التواصل!!

تلك الأفكار المتطرفة وجدت من يرعاها فى الولايات المتحدة, بل ويحاول فرضها على بلدان أخرى.. عبر عملاء محليين لاقت تلك الأفكار هوى لديهم.. وبدت أفكار الاستغناء عن مفهوم “الصالح العام” أو “المجتمع”، واستبداله بمصطلح “المسؤولية الفردية”.. براقة لمن يسمون أنفسهم الليبراليين الجدد.. مدمرة لكيان الولايات المتحدة نفسها.. ومن لا يرى حجم الهشاشة فى الاقتصاد الأمريكى يحتاج للمراجعة.

لذا فالحرب المكتومة بين ليبراليتين – الجديدة والاجتماعية – سوف تنتهى لصالح الأخيرة فى منطقتنا.. فهى الأقرب لطبائع البشر والأشياء.. وهى الأنسب للحالة الاقتصادية والاجتماعية والوضع الإقليمى.. الذى يهتم بالدرجة الأولى بالحفاظ على الدول بمؤسساتها.. فما يؤمن به ويرغبه أولئك الليبراليون الجدد يصطدم بالحفاظ على كيان الدولة نفسها.. وإذا كانت دولتهم هى الليبرالية.. ودستورهم هو الاقتصاد الحر والغاء أدوار الدولة المختلفة.. كما قال أحدهم.. فليذهبوا إلى أرض أخرى.. فليشتروا جزيرة ما فى مكان ما.. يطبقون فيها نظمهم المتطرفة التى تضعهم فوق كل مؤسسات الدولة بما يملكون من أموال.. وعندها.. نتمنى عليهم أن يجمعوا أشباههم فى الخارج والداخل.. وبما فيهم أولئك الانتهازيين الذين لا يعرفون معنى الأوطان.. لكى تكون بحق جزرهم تلك “ليبرال لاند”!!

إيمان إمبابى

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى