آراءشويّة دردشة

لحظة النضج| بقلم اللواء اح اسامه راغب

حين نسأل شخصاً ما: ما عمرك؟ يجيبنا على الفور: خمسون سنة(مثلاً).

هذه الإجابة غير كافية لأنه هنا ذكر عمره الزمني فقط، وهذا العمر الزمني لا يفيدنا كثيراً في معرفة أبعاد شخصية فمسألة النضج عادةً لا تكون لها علاقة مباشرة بالسن، بقدر ما تحسمها التجارب والخبرات التي نكتسبها من المواقف التي نواجهها في حياتنا.

هل من الممكن أن نصل إلى مرحلة الاكتمال أو النضوج الفكرى ؟ وهنا يأتي لأذهاننا الفرق بين الاكتمال والنضوج، وعلى ما أعتقد أنه ليس هناك صفة الكمال لأن المرء يظل يتعلم فإن ظن أنه علم فقد جهل.. أما النضوج الفكري فهو تأهيل واستعداد العقل البشرى لفهم واستيعاب كل أمور الحياة، فأفكار الإنسان تتغير مع تقدمه في العمر، فتتغير نظرته تجاه الكثير من الأمور، ويصبح أكثر نضجًا، حيث إن للإنسان في المطلق مقاييس مهمة في حياته، ولكن أهم المقاييس هي مقاييس التفكير بطريقة صحيحة وسليمة، وعندما يصل الشخص إلى هذه المرحلة من التفكير يكون الشخص وصل لمرحلة تدعى مرحلة النضج الفكرى.

وهذا النضج قد يزعمه ناس كثيرون، ولكن كيف تعرف أنك قد وصلت إلى مرحلة النضج الفكرى؟ ببساطة من خلال مجموعة دلائل عادية جداً، ليست خيالية ولكن الكثير منا لا تجتمع فيه هذه الصفات بصورة كاملة ببساطة لأنه ليس هناك إنسان كامل.

فالنضوج لا يأتي من فراغ بل لابد من المرور بتجارب الحياة، وسن الأربعين هي سن النضوج الفكري، فقد قال المولى عز وجل {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

الناضج عقلياً هو الشخص الذي يتحكم بتصرفاته وردود أفعاله ويحسب نتائجها، ويحكّم عقله، ويبادر بتحسين العلاقات مع الآخرين، حتى مع من أساء إليه، و”يدفع بالتي هي أحسن”، وله نظرة واقعية للحياة.

وغير الناضج عقلياً هو عكس ذلك، فهو متعصب لذاته، أو لمجموعته (قبيلته، جنسيته… إلخ)، ولا يحسب نتائج تصرفاته وردود أفعاله، وله نظرة واهمة للحياة، ومتسرع في تصرفاته، و”لا يهمه أحد”، ويظن أنه كلما كان لسانه لاذعاً كان أفضل وأقوى، ويظن أن تحاشي الناس له هو من منطق قوته، بينما هم يتحاشون ردود أفعاله الصبيانية.

قال القاضي جوليان ماك الذي ساعد في إنشاء نظام محاكم الأحداث في الولايات المتحدة إن قضاء الأحداث قائم على الاعتقاد بأن الشباب لا يتخذون دائمًا قرارات جيدة لأنهم ليسوا ناضجين ولكن هذا يعني أنه يمكن إصلاحهم وتوجيههم بسهولة أكبر من البالغين.

علامات النضوج الفكري كثيرة، فالاعتراف بالخطأ من دلائل النضج العقلي وهو من أول دلائل النضج العقلي للإنسان، فالإنسان الذي لا يعترف بخطئه من المستحيل أن يعرف سلبياته.

والتعلم من الأخطاء هي المرحلة الثانية من النضوج الفكرى والتي تليها مرحلة التطور وهي الخطوة التي تلي التعلم من الأخطاء وتزيدك تأكيداً كدليل من دلائل النضج العقلي.

أخيراً عزيزي القارئ دلائل النضج الفكرى كثيرة، وواضحة ولكن ما يجب عليك فعله هو ألا تعرفها فقط بل أن تمتلكها أيضاً، فلو رأيت أنك لا تملك النضوج الفكري حاول جاهداً أن تذهب نحوه حتى تمتلك صفة تزيدك نضجاً وورعاً.

فتخيل أنك نبتة ومحيطك هو التربة، فلا تختر تربة رديئة تميت شخصيتك بل اختر تربة ناضجة تجعلك تنمو على الدوام.

ونعود للعنوان لحظه النضج.. وليست لحظه نضج فالتعريف هنا له دلالات اي ان التعريف يعطي الوصول الي النضج والثبات عليه وليس نضجا مؤقتا والنضج بدون التعريف يدل علي قد يكون لحظه وقد تنتهي او تنمي للوصول الي النضج الاعمق والاشمل والاستمراريه.. والشخص لايصل الي الابداع الا اذا كان ناضجا واللحظه هنا ليست وصف زمني ولكن هي عند بدايه النضح واستمراره وهذه اللحظه هي نقطه الارتكاز التي نبدأ منها وصولا الي النضوج وهو اعلي حاله من حالات النضج وهذه هي فلسفه الكلمات والوصول الي اعلي واقوي مفهوم وادق المعاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى