كتائب الشهداء في المقدمة
تقرير .. عادل محمد
منذ ساعات أعلن العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، المتحدث العسكري للقوات المسلحة، أن بعض العناصر الإرهابية قامت صباح السبت 16 من فبراير 2019، بمهاجمة إحدى الارتكازات الأمنية بشمال سيناء، وتصدت قوة الارتكاز الأمني للعناصر الإرهابية والاشتباك معها .. ما أسفر عن تصفية عدد من الإرهابيين واستشهاد وإصابة عدد من ضباط وجنود القوات المسلحة .
ورغم أن هذا الخبر ربما لم يعد يحمل جديداً بل أصبح أمراً معتاداً بالنسبة لأبناء مصر الأبرار سواء من رجال القوات المسلحة أو الشرطة المدنية الذين يبذلون دمائهم وأرواحهم فداء للوطن الغالي وأبنائه ليعيشوا آمنين، إلا أننا في كل مرة نطالع مثل هذه الأخبار تتجدد بداخلنا مشاعر الفخر والعزة بهؤلاء الأبطال الذين يضربون أروع الأمثال في التضحية بالنفس فداءً للوطن والشعب .. وهذا ما أعلنه الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي منذ اليوم الأول لتحمله أمانة الحكم حين وعد جموع المصريين بأن يواجه رجال جيش مصر الباسل والشرطة الوطنية رصاص الإرهاب بصدورهم المفتوحة نيابة عن الشعب .
ولعل السؤال الذي طالما بحث عن إجابة .. ما سر هذه القوة الهائلة والطاقة غير المحدودة في نفوس هؤلاء الفدائيين الأبطال الذين غيروا بل قلبوا جميع نظريات علم النفس والاجتماع التي طالما كانت تجزم أن الحرص على الحياة هي أقوى محفزات السلوك الإنساني الحاكم لجميع تصرفات وقرارات البشر في كل المواقف .. فإذا بنا أمام نموذج فريد من الرجال الذين يسعون إلى الاستشهاد وتقديم الروح والدم فداء لتراب الوطن وزوداً عن أهاليهم الذين وضعوا في أعناقهم أمانة الدفاع عن كل شبر في مصر .
فبقراءة بسيطة عن ملاحم هؤلاء الأشراف الذين يستحبون الموت في سبيل الله ومصر على الحياة في رغد العيش .. ويتركون أبنائهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآبائهم وأخوانهم ويزهدون في كل متاع الحياة ويقدمون حياتهم فداءً وتضحية لهذا البلد الأمين .. نعم، بقراءة عابرة لهذه القصص البطولية التي يعجز خيال أي كاتب عن تأليف مثلها ستجد أنك أمام طائفة مختلفة من البشر .
ولعلك لا تملك إلا أن تضرب كفاً بكف وأنت تعلم أن خريجي الكليات العسكرية قاطبة يدونون الخدمة في سيناء كرغبة أولى .. ولكن هذه الدهشة ستختفي إذا أتيحت لك فرصة القرب من رجال عظماء من أبناء القوات المسلحة .. ذات مرة ذهبت لتقديم العزاء في والدة أحد أصدقائي من رجال القوات المسلحة الباسلة وهو يتميز برقة المشاعر ونبل الأحاسيس لدرجة أنني كنت أحمل هموم ملاقاته حزيناً متأثراً لرحيل والدته .. إلا أنني فوجئت بوجهه الباسم المؤمن بقضاء الله ووجدت أبنائه حوله في سرداق العزاء بل هو الذي كان يواسيني قبل نفسه قائلاً: “يا عزيزي هو الموت ده حق ولا مش حق .. وبعدين يا سيدي انا كل يوم اقرأ الشهادة أول ما افتح عيني من النوم وأحرص على تعليم أولادي أنني إذا استشهدت فعليهم أن يكونوا في قمة السعادة والفخر .. ويدعون الله أن يلحقهم بي على خير لنيل الشهادة” .
ولم أستغرب ونحن أمام حالة الشهيد احمد المنسي الذي أصيب من قبل وكان بإمكانه أن يحصل على استراحة محارب ويطلب نقله من الخدمة في سيناء ويكفيه ما قدم دفاعاً عن كل حبة رمل في سيناء .. إلا أنه أطاح بجميع المشاعر الإنسانية التي تقوم على الخوف والرغبة في الحياة والراحة بين الأهل والأحباب .. وأبى إلا أن يجلب الشرف لأهله ولزملائه ولمصر كلها وهو يلقى ربه شهيداً .
وكيف أندهش وأنا أسمع حكاية محمود و أبانوب اللذين امتزجت دمائهما الطاهرة وهما يتسابقان على الاستشهاد في سبيل أن تبقى مصر حرة أبية ويواجهون رصاصات الغدر والخسة والنذالة والخيانة التي تحيك المكر السيء ضد بلادنا ولكن يأبى الله إلا أن يحفظ مصر طاهرة من أي دنس .
بكل تأكيد لم يجرب أحد بيننا طعم الموت ليحدثنا عما رأى وسمع أو ذاق .. وكأن الله جل وعلى أراد أن تظل صورة هذه الحياة الأخرى مفتوحة بلا أي قيود أمام خيالنا لنرسم لها الملامح التي نتمنى أن تكون عليها .. لكن الأمر المؤكد أننا جميعاً نشعر بالخزي إذا ما وافتنا المنية ونحن نرفل في النوم العميق .. أمام هذا الرقي والسمو الشعوري الذي يناله الشهداء الذين تروي دمائهم الطاهرة تراب العزة فداء للوطن .
مسك الختام
( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )