قلوب لا تنبض بالحياة | بقلم شيرين خالد

” من لا يَرحَم لا يُرحَم ”
هكذا نشأنا وتعلمنا أن ما نفعله اليوم نلاقيه غدا وأن القوة لا تدوم فيوم لك ويوم عليك، أما الآن فللأسف في بعض الأحيان نرى القسوة والجحود بل والأنانية تفرض نفسها.
ضع نفسك مكان شخص ما قابل رجلا او امرأة مريضة واستندت إليه لضعفها، ماذا تراه يفعل ؟
الطبيعي أن يأخذ بيدها أو بيده ويساعدهم، فما بالك إذا كان المريض طفلاً لا ذنب له سوى إنه مصاب بمرض التوحد الذي يجعل له بعض التصرفات المختلفة والنشاط الزائد.
في أثناء ركوبي إحدى عربات مترو الأنفاق في الطريق للجامعة جلست بجانب امرأة ثلاثينية وتحمل طفلا يبلغ من العمر قرابة الخمس سنوات، أثناء جلوسي كانت تصرفات الطفل غريبة إلى حد ما كثير الحركة بشكل كبير وكانت أمه تتعامل معه بقسوة وتمسك به كالمجرم الذي ينتظر العقاب، وإذا به يقوم بدون قصد بخبطي بيده، فاذا بأمه تعتذر لي وتخبرني بأن ابنها مصاب بالتوحد وتُحكِم الإمساك به فيزداد غضباً، فأخبرتها بأنه لا مشكلة وحاولت اللعب مع الطفل والابتسام له كي يطمئن نوعاً ما، لم تكن تلك شفقة بل حق واجب على كل من لديه قلب ينبض حتى لا يزداد سخط تلك الأم على طفلها الصغير ودخلت معها بحوار عن الأطفال وإلى أي مدى جميعهم لا نستطيع السيطرة على تصرفاتهم لأنهم دائمي الحركة واللعب لكنها ظلت في حالتها اليائسة الناقمة ولم أكن مدركة لماذا تفعل ذلك مع قطعة من روحها، ولكن بعد لحظات حينما ارتطم الطفل بفتاة كانت تقف أمامه وإذا هي تصرخ في أمه لتخبرها الأخرى معتذرة بأنه مريض، وتحكم سجنه ثانية، بعد دقائق رن هاتف الأم فأفلتت الطفل لترد فإذا به يقف ويحاول الوصول لأحد قطع الإكسسوار الملفتة لنظره ترتديها الفتاة لتصرخ في وجهه الفتاة ويزداد توتره وغضبه وتبدأ الأم في الاعتذار ليأتي رد الفتاة قاسياً ” وانا مالي عنده توحد أو لأ ميجيش جنبي ”
حينئذ أحكمت الأم سجنها ولم استطع تمالك نفسي وعنّفت تلك الفتاة وحاولت تهدئة الطفل والأم لأجد الأم تدعوا الله أن يأخذ ابنها.
شعرت بطعنة لمعاني إنسانية لا يمكن التخلي عنها، كيف لأم أن تفرط في حق ابنها في أن تحتضنه بحب وحنان وأن تصبر على اختبار الله عز وجل في مرض ابنها، وكيف لفتاة أن تتعامل بتلك القسوة مع طفل صغير ليس هذا فحسب بل مريض بهذا المرض.
هل قست الحياة أو المجتمع على الأم لتلك الدرجة لتقسو على طفلها، أم أنها فقدت إيمانها ولم تعد تستطيع التحمل في سبيل مستقبل هذا الطفل الضعيف، هل يضمن أحد منا أن يظل سليماً مدى الحياة، أو أن يرزقه الله طفلاً أو أخاً أو أختاً مرضى بأي مرض، هل سنقبل نظرة دونية أو قاسية من أحد أم أن تلك النظرات ستقتلنا.
أسئلة كثيرة لم أجد لها إجابات سوى شئ واحد، ما نمر به من تغيرات في مجتمعنا نحن المسئولون أولاً وأخيراً عنه، علينا العودة لهويتنا وقيمنا وإنسانيتنا، على كبيرنا أن يعطف على صغيرنا، وعلى قوينا أن يرحم ضعيفنا، كلنا ضعفاء لله، علينا التعامل بإنسانيتنا والحفاظ على قلوبنا نابضة بالحب كي لا نصبح قلوباً لا تنبض كالأموات لا نشعر ببعض ولا نبالي بأحد، الأم رمز إذا تخلت عن قلبها وقست كان هذا ناقوساً للخطر
” ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء “