قطر.. وانتزاع جينات الهوية العربية| بقلم جورج عياد
لا أحد يستطيع المزايدة على أن أهم أولويات الحاكم، في كل مكان وزمان، المحافظة على وطنه وشعبه والعمل بكل ما أوتي من قدرة وجهد على توطيد العلاقات السياسية والقومية مع دول الجيران .. لكن وبما أنه لكل قاعدة شواذ، تطل علينا إمارة قطر كنموذج غير مسبوق للانسحاق وراء العمالة للأعداء، ودعم وتمويل كل ما من شأنه تهديد جيرانها العرب.
فمنذ أيام .. مرت الذكرى الثانوية الثالثة لما يعرف بإجراءات عزل قطر، فقبل 3 سنوات وتحديداً في الخامس من يونيو عام 2017 أعلنت السعودية والبحرين والإمارات واليمن ومصر وحكومة شرق ليبيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب تدخلها في الشئون الداخلية لتلك البلدان ودعم الإرهاب بكافة أشكاله وانتماءاته لزعزعة أمن واستقرار جيران العروبة.
ومن هنا جاءت حيثيات دول حصار قطر لفرض المقاطعة، حيث جاء قرار الرياض الحاسم هذا نتيجةً للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية، بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة الإخوان المسلمين الارهابية وداعش والقاعدة، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم، ودعم نشاطات الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران في محافظة القطيف السعودية وتمويل وتبني وإيواء المتطرفين، الذين يسعون لضرب استقرار ووحدة الوطن في الداخل والخارج، واستخدام وسائل الإعلام التي تسعى إلى تأجيج الفتنة داخلياً، كما تأكد للمملكة العربية السعودية الدعم والمساندة من قبل السلطات في الدوحة لميليشيا الحوثي الانقلابية، حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن.
وأوضحت السعودية أن قطر “دأبت على نكث التزاماتها الدولية، وخرق الاتفاقيات التي وقعتها تحت مظلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتوقف عن الأعمال العدائية ضد المملكة، والوقوف ضد الجماعات والنشاطات الإرهابية، وكان آخر ذلك عدم تنفيذها لاتفاق الرياض”.
أما الإمارات فأكدت أن قراراتها جاءت بناء على استمرار السلطات القطرية في سياستها التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة والتلاعب والتهرب من الالتزامات والاتفاقيات، فقد تقرر اتخاذ الإجراءات الضرورية لما فيه مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي عامة والشعب القطري الشقيق خاصة، وذكرت “أبوظبي” أنها تتخذ هذا الإجراءات الحاسمة نتيجة لعدم التزام السلطات القطرية باتفاق الرياض لإعادة السفراء والاتفاق التكميلي له 2014 ومواصلة دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة والطائفية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الارهابية وعملها المستمر على نشر وترويج فكر تنظيم داعش والقاعدة عبر وسائل إعلامها المباشر وغير المباشر، وكذلك نقضها البيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض بتاريخ 21-5-2017 لمكافحة الإرهاب الذي اعتبر إيران الدولة الراعية للإرهاب في المنطقة إلى جانب إيواء قطر للمتطرفين والمطلوبين أمنياً على ساحتها وتدخلها في الشؤون الداخلية لدولة الإمارات وغيرها من الدول واستمرار دعمها للتنظيمات الإرهابية، مما سيدفع بالمنطقة إلى مرحلة جديدة لا يمكن التنبؤ بعواقبها وتبعاتها.
أما البحرين فقد أعلنت أن قرارها بقطع العلاقات مع قطر جاء استناداً على إصرار الدوحة على مواصلة ارتكاب كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين والتدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الإعلامي، ودعم الأنشطة الإرهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة بإيران للقيام بالتخريب ونشر الفوضى في البحرين، في انتهاك صارخ لكل الاتفاقيات والمواثيق ومبادئ القانون الدولي، من دون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق أو اعتبار لمبادئ حسن الجوار أو التزام بثوابت العلاقات الخليجية والتنكر لجميع التعهدات السابقة.
وليس بعيداً عن كل ما سبق ما أعلنته مصر من حيثيات لمقاطعة الدوحة، حيث جاء القرار في ظل إصرار الحكم القطري على اتخاذ مسلك معادٍ لمصر، وفشل كافة المحاولات لإثنائه عن دعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي، وإيواء قياداته الصادر بحقهم أحكام قضائية في عمليات إرهابية، استهدفت أمن وسلامة مصر، بالإضافة إلى ترويج فكر تنظيم القاعدة وداعش ودعم العمليات الإرهابية في سيناء، فضلاً عن إصرار قطر على التدخل في الشئون الداخلية لمصر ودول المنطقة بصورة تهدد الأمن القومي العربي، وتعزز من بذور الفتنة والانقسام داخل المجتمعات العربية وفق مخطط مدروس، يستهدف وحدة الأمة العربية ومصالحها.
وفي واقع الحال فإنه من النادر بمكان مصادفة مثل هذه الحالة التي يصر من خلالها نظام الحكم في الدوحة على ارتكاب كل الموبقات التي لا تؤدي في النهاية إلا لتعميق انسلاخها من القومية العربية والارتماء في أحضان الديكتاتور التركي والملالي الإيراني اللذان لا يخفى على أحد أجنداتهما المشبوهة تجاه الانقضاض على الأوطان العربية ونهب ثرواتها وفرض سياسات تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في البلدان العربية.
الشاهد إذاً هو إجماع الدول العربية الكبرى على نفس مبررات المقاطعة لإمارة دعم الإرهاب والخيانة، لكن المؤسف في هذه المسألة القطرية المشينة أن تلك السنوات لم تزد أمير الدوحة إلا خسارة، ورغم حرص دول المقاطعة على التأكيد أن هذه القرارات لا توجه بالضرورة إلى الشعب القطري الشقيق وإنما إلى أمراء الدم في قطر .. لم تظهر بادرة حسن نية أو إصلاح سياسي للبوصلة العدائية .. وهذا على ما يبدو كفيل بإطالة أمد العزلة والحصار على الإمارة المخطوفة التي ترتكب أبشع جريمة تجاه الشعب والجيران.