في بيتنا حمو بيكا ومجدي شطة.. فعلاً سوق الحلاوة جبر!!

تقرير .. عادل محمد
فجأة وبدون مقدمات اقتحمت الأصوات النشاز والأسماء المقززة سوق الغناء تحت ستار حداثة الفن الذي فتح الباب واسعاً أمام انفجار بالوعات ما انزل الله بها من سلطان يعتبرون ما يقدمونه من حركات بهلوانية وكلمات أقل ما توصف به أنها إسفاف وابتذال .
وبكل أسف تشغل مثل هذه الظواهر اهتمامات قطاع لا يمكن اغفاله من جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان آخرها خناقة ” مجدي شطة” و” حمو بيكا” ، على احياء إحدى الحفلات .
وبطبيعة الأشياء انهالت المعايرات بين كل منهما فهذا يذكر ذاك ببداياته المتدنية ، وكأنه وصل إلى عنان السماء، فيما يكيل الآخر السباب على طريقة ” أنا عمك يالا”.
وتفتح هذه ” الخناقة”، التي لا نجرؤ على تسميتها فنية ، الباب أمام ضرورة وضع ضوابط حقيقية وصارمة حفاظاً على سمعة الفن المصري الذي طالما تربع على عرش الفنون في سائر أنحاء العالم .
فبحسرة شديدة وألم لا يمكن وصفه تخترق أسماعنا كلمات قبيحة وأنغام مزعجة وحشرجة أصوات تعبر عن حالة الفوضى والانفلات التي باتت تحكم سوق الغناء التي كانت بحق بلد الفن الأصيل والأنغام الخالدة والأصوات الملائكية.
وبكل أسف لا يستطيع أحد النجاة من هذا التلوث الفني الذي يعتبره البعض هذه الأيام أغنيات .. وهي في الحقيقة لا تعد كونها ” عوادم مواتير خربانة” أو مخلفات بلاعات مجاري.
ويختلف الكثيرون في وصف هذه الظاهرة المسيئة للفن .. فالبعض يتحايل على تسميتها بأغاني ” التوك توك” بينما يرتكب آخرون جريمة أخلاقية نكراء عندما يسمونها أغان شبابية أو شعبية.
الملاحظ أن مصطلح الأغاني الشعبية يتخذ في كثير من الأحيان لارتكاب أبشع الموبقات الفنية عبر العصور، فخلال فترة الثمانينات والتسعينات شهدت الساحة الفنية هيمنة احمد عدوية الذي كان البعض ينظر إليه على أنه ” صعلوك” في عالم الفن إذا ما قورن طبعا بالعمالقة أمثال نجاة ومحمد عبدالوهاب وغيرهما من الرموز الفنية الخالدة.
ويتذكر من عاصر تلك الحقبة رفض الاعتراف بـ ” عدوية” كفنان لاتهامه بدهورة وانحدار الفن خصوصا بعدما غنى طقطوقته المأثورة “كراكاشنجي دبح كبشه” والتي نظر إليها آنذاك على أنها سقطة تعبر عن “بهدلة” و”مسخرة” و”لعن سلسفين” الفن حتى شعر عدوية بأنه مطرب منبوذ تحرم أغنياته على وسائل الإعلام.
أما فترة “الألفينيات” إن صح التعبير فشهدت حالة يمكن تسميتها بـ”شعبنة” الأغنية .. ويقصد بها طغيان الأغاني الشعبية التي كان أهم رموزها ” شعبولا” الشهير بـ” شعبان عبدالرحيم وعصام كاريكا وريكو” الذين فاجأوا المصريين بعدة طقاطيق من بينها “الهوكة في الأطاطة” و”أنابيب بيب بيب” إلى جانب تشويه الأغنيات الخالدة مثل “جبار” في فيلم “حاحا”.
وطبعا لم يسلم الأمر من دخول اللمبي الشهير “محمد سعد” على خط المؤامرة وكان دوره في غاية الخطورة ويقوم على تشويه التراث الفني الخالد وفي مقدمته روائع “كوكب الشرق” أم كلثوم حيث قام “بتفسيخ” عدة أغنيات لعل أخطرها ” انت فين والحب فين” تلك الروائع التي كان يغوص في أعماق بحرها الموسيقار الراحل عمار الشريعي وهو يضفي جمالا إلى بهائها وهو يتغزل في مواطن الفن الأصيل بها.
وبما أن لكل عصر آية فكانت الطامة الكبرى هذه الأيام ظهور ما يسمى بالأغاني “التوكتوكية” التي أرسى قواعدها الأخوان ” أوكا وأورتيجا” واللذان تسللا لقلوب المصريين عبر أغنية “لما عم الحاج يعدي”.
ثم انحدرت المسائل والتقفها منهم ” حشاشون” و” حنجوريون” حتى وصل بنا الحال إلى التلوث الفني السمعي الذي نشهده حاليا حتى وصلنا إلى مرحلة أغنيات ” عبيله واديله” و” الشبشب اللي ضاع”، على وزن الأغنية الخالدة ” الحب اللي كان” التي أنشدتها لؤلؤة الغناء العربي ميادة الحناوي التي تعتبر كلماتها وصوتها بمثابة مطهر للأذن والمشاعر خصوصا حين تشدو بـ ” حبيبي جيت أنا ليه في الدنيا دية إلا عشان أحبك”.
ولكم أن تتخيلوا القفزة الهائلة .. من صوت ميادة الحناوي الذي تنشق له القلوب وتتدغدغ له المشاعر لدرجة فقدان الوعي والسباحة في فضاء الجمال والسحر إلى صوت ” ولاد التيت” الذين يجسدون الفوضى والبلطجة في أبشع صورها .. وفي النهاية لا نملك إلا أن نردد كلمات الفنان المخضرم عبد المنعم مدبولي “يرحم زمان وأغاني زمان”.