في الميكروباظ.. الحدوتة الرابعة| بقلم عميد د. عمرو ناصف

النهاردة كان عندنا شغل كتير، وكان لازم محدش فينا يروّح إلا لما الشغل ده يخلص، عشان كدة قعدنا نشتغل لوقت متأخر، ولما خرجت من الشغل مكنش عندى الرفاهية أو الوقت أو المجهود إللى يخلينى أمشى لحد الموقف عشان آخد الخط من أوله، وبسرعة نطيت فى أول ميكروباص عدى من قدامى رايح فى سكة البيت، وكان طبيعى جداً يبقى زحمة، وكان طبيعى برضو إنى أقف فى الطرقة، لكن عمر ماكان طبيعى بالنسبالى فى أى مواصلة إنى أمسك فى الحديدة إللى فوق دى، عشان بتحسسنى دايماً إن أنا دبيحة متعلقة عند الجزار، وبحب أمسك أو أسند على أى كرسى قدامى.
لفيت بعينى فى وشوش الركاب، مسهمين، شكلهم تعبانين، محدش بيتكلم مع أى حد، التعب والإرهاق والزحمة والزهق واكيد أعباء الحياة مسيطرين على كل سكان الميكروباص، لحد ما بنتين شابتين لطاف وشكلهم حلو كدة قاعدين جمب بعض واحدة منهم قالت لصاحبتها:
– هو السواق ده ماله بيتلكع كدة ؟ عايزين نلحق المسلسل.
– وفى هدوء صاحبتها قالت لها مسلسل إيه ؟
– قالت لها مسلسل ( س )
وفى مفاجأة ظريفة من نوعها إلتفتت الست الخمسينية العمر، المحجبة، اللى قاعدة قدامهم وواضح عليها الإحترام وقالت بهدوء:
– مش ده مسلسل الظروطة ؟!!
وعشان صوتها كان عالى حبتين، والجملة كانت جميلة، سادت نوبة من الضحك بين الركاب كسرت الملل والتوهة والسرحان إللى كنا فيه كلنا، وبدأ الحوار:
– البنت (ضاحكة) / ظروطة إيه ياطنط ؟
– طنط (بتريقة) / أيوة، مش ده المسلسل إللي فيه البت إللي عايزة تبقى أم من غير ماتتجوز ؟
– شاب جامعى شيك واقف جمبى / ييسموهم السينجل ماذر ياطنط، يعنى الأم العازبة.
– راجل عجوز بسيط يجلابية / أم وعازبة ؟ طب إزاى ؟
– طنط (بتهكم) / ماتزعلش نفسك قوى كدة ياحاج، ماهو المسلسل – كتر خيره – شرح لبناتنا برضو إزاى يعملو ده عشان بناتنا يتعلمو.
– الشاب / فعلاً، المسلسل بمنتهى الإسفاف قايل للبنات إنهم ممكن يعملو عمليات تلقيح من أب مجهول متبرع، ويحملو ويخلفو ومن غير المتبرع ده نفسه مايبقى عارف تبرعه ده راح فين ولمين.
– الراجل العجوز / أعوذ بالله، الكلام إللى إنتو بتقولوه ده فى تليفزيونات مصر ياولاد ؟
– البنتين ( مدافعين عن المسلسل ) / أيوة ياعمو، ده مسلسل بيتكلم عن شوية جيران فى عمارة، وطبيعة حياة كل شقة، وعلاقة الشقق ببعضها وعلاقات السكان ببعض كمان.
– طنط / ماتقوليلهم كمان عن الشابة إللى عايشة لوحدها ورافضة تعيش مع أهلها عشان زهقت من تحكماتهم، ومن ( رايحة فين وجاية منين )، وطفشانه منهم عشان تبقى حرة، وصاحبها بيزورها وبيبات عندها عادى.
– الراجل العجوز / يانهار إسود، إيه ياجماعة إللى انتو بتقولوه ده ؟
– الشاب / أيوة ياحاج، دى فعلا شقة من شقق العمارة إللى بيستعرضها المسلسل، ده غير شقة فيها موظف غلبان ومراتة ست بيت وبنتهم بتحب واحد وسابت البيت وهربت معاه فى حلقة م الحلقات، والغريبة إن أغلب سكان العمارة شجعوها على ده بدعوى إن أبوها وأمها رجعيين ومش عايزين يجوزوها الواد المليونير لمجرد إن أبوه رجل أعمال حرامى.
– واحد قاعد ورا / يعنى هى جت ع العمارة دى أو حتى المسلسل ده ياجماعة ؟
– أومال مسلسلات المخدرات تروح فين،؟ ومسلسلات البلطجة وأخد الحق بالدراع والسيف تروح فين،؟ ومسلسلات تبرير الرشوة قصاد إحتياج المواطن الغلبان أبو ملاليم،!! ولا مسلسلات التوك توك ولغة الحوار المتدنية بين الممثلين،!! وأفلام الرُخص، والعرى، والإباحية، وكلها بيسموها قال إيه ( معايشة للواقع ).
– طنط / صحيح كل بلد فيها واقع كتير ومختلف، بس لما نيجى للدراما يبقى لازم نلتزم بإحترام الفكرة وشياكتها، وأدب النقل، ومعقولية الطريقة والتناول، لأن دى أعمال بتخش بيوتنا وولادنا للأسف بيتعلمو منها.
– الشاب / خصوصاً مع إللى بنمر بيه اليومين دول من غياب تام لدور الأسرة والأب والأم والأخ الاكبر ، وتردى دور المدرسة والمدرس.
– الراجل إللى قاعد ورا / التليفزيون دلوقت بدل ما يعلم الشباب ضرر المخدرات بيعملهم يتاجرو فيها عشان يبقى عندهم الفلوس والزعامة إللى عند تاجر المخدرات، ويشربوها عشان يبقو كيوت وعيال صايعة وسيطرة زى بطل المسلسل.
– الراجل العجوز / الله يرحم أسامة أنور عكاشة فى الشهد والدموع، ويرحم ممدوح عبدالعليم فى الحب وأشياء أخرى، ويرحم يوميات ونيس، ويرحم أبو العلا البشرى، وحسن عابدين فى برج الأحلام، ويرحم ماسبيرو.
– الشاب / وللأسف الدراما الموازية مبتحققش نجاح عشان ملهاش سوق ولا مشاهدين، وبالتالى مبتجبش إعلانات للمنتج، زى مسلسلات التوعية والأفلام التسجيلية العلمية والدينية، وطبعاً لو أى منتج عمل مسلسلات قدوة زى مسلسل عن زويل مثلاً أو مجدي يعقوب أو أى عالم من علماء مصر هيشحت ويفلس، أو حتى مسلسلات وأفلام الملاحم العسكرية.
– الراجل العجوز / لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم، لكى الله يامصر، وربنا يكون فى عونكم يابنى إنتو وكل شباب مصر المستهدفين.
ونادى على السواق ( نزلنى هنا يابنى ) .. و نزلت …. معاه ..