في الميكروباظ.. الحدوتة الخامسة| بقلم عميد د. عمرو ناصف
الأيام هى الأيام، والميكروباص هو الميكروباص، ومفيش حاجة بتتغير على وش الأرض غير الزمن والبنى آدمين، الزمن بيعدى جرى، والأيام رهوان، ويوم ييجى حلو ويوم ييجى مُر وأهو من ده على ده، لكن الناس فى مصر بس هم إللى محلك سر، مبيتغيروش، ولو إتغيرو بيتغيرو للأسوأ، للأوسخ، وبمناسبة الوساخة هحكى لحضراتكم حدوتة النهاردة على عفانة بعض الناس.
ركبت الميكروباص النهاردة، ودخلت قعدت جمب الشباك والناس بدأت تطلع واحد ورا التانى لحد ما بقاش فاضل غير الكرسى إللى جمبى، وطلع راجل محترم كدة وقعد جمبى، وإسمحولى أقولكم كام تفصيلة عن الراجل ده ( مش من باب الإستهزاء والله لاسمح الله ) لكن من باب التعريف، لإن مش عيب إننا نركب ميكروباصات، ومش عيب برضو نبقى غلابة وبسطاء ومتواضعين، بس طبعاً عيب قوى نبقى معفنين، وسخين، أو نرخص نفسنا و نبقى مبهدلين.
الراجل كان خمسيناتى كدة، نحيف ومتوسط الطول، خمرى مايل للسمار زى كل المصريين الكادحين، لابس بنطلون كحلى مكرمش وحالته بالبلا الأزرق والبقع فيه هتنطق، وقميص لبنى إصفر من قلة الغسيل، دقنه مش محلوقة، يختلط فيها اللون الأبيض مع الأسود مع الرصاصى، شعره طويل ومنكوش وبنفس ألوان دقنه، جزمته جلد سودا واضح تماما إن عمرها ما إتلمعت، يمكن تكون إتغسلت بمية إمبارح بالليل وما إتنشفتش، جواها شراب إسود عليه رسومات من بتاع العيال الصغيرة، وحزام جلد مقشر كل خرم فيه مسلم للتانى.
الراجل ريحته أستغفر الله العظيم سابقاه على بعد مترين، وشايل فى إيده شنطة جلد سودا من بتاعة المحضرين زى إللى كانت مع الباز أفندى فى فيلم إبن حميدو، وفى إيده التانية كيس بلاستيك باين منه رغيفين فينو وقرطاس ورق ريحته بتقول لكل الكرة الأرضية إن فيه طعمية، ومعاهم كنزايه حاجة ساقعة.
هذا الشخص الفاضل قعد جمبى، وحط شنطته الجلد على رجله، وطلع رغيف فينو من الشنطة البلاستيك ومد إيده فى قرطاس الطعمية طلع طعميتين وبإصبعى الإبهام والوسطى ( أيوة .. بالظبط زى ماحضرتك عملت كدة ) فرك الطعميتين فى الرغيف وضرب السندوتش بالهنا والشفا، وكرر ده مع الرغيف التانى، وبعدين بلع بالكانزاية، وبعد ماخلص أكل مسح إيديه الإتنين فى بعضهم عشان زيت الطعمية يتوزع على إديه الإتنين ويتفرق دمه بين الصوابع.
وقبل ماحد يقوللى إنت بتتريق على راجل غلبان وشقيان وبسيط ومش لاقى ياكل والجو ده، إسمحولى أقولكم إنه قد يكون عند الله سبحانه وتعالى أحسن منى ومن إللى خلفونى كمان، بس إسمحولى برضو أقولكم أنا إتريقت عليه ليه، وهطق من جنابى منه ليه ؟ وإحتقارى ليه زاد كمان بعد ما اتكلمت معاه ليه ؟.
الراجل ده لمحت فى جيب قميصه – المعفن – علبة سجاير عرفت منه بعد كدة إن تمنها حاجة وتلاتين جنيه.
الراجل بعد ماطفح وحبس بالكنزاية طلع موبايله من جيبه ( أندرويد – ٦ بوصة – نوع محترم – خطين – جراب محترم ) حتى لو موبايل صينى فتمنه يعدى الألف ونص مستريح.
الأغرب والأعجب بقة من ده كله إنه سحب الشاشة بصباعه لتحت وفتح باقة الإنترنت وهاتك يا فيس وشات وكل الحركات.
الصراحة فضولى شدنى من لسانى وقعنى على الأرض وخلانى خدت نفس عميق وقومت نافخ فى وشه وأنا بقوله:
أنا / صباح الخير !.
هو / صباح الفل
أنا / حضرتك نازل فين ؟
هو / نازل …. ( حتة بعيدة تقريبا آخر الخط )
أنا / ياااه .. دى تقريبا آخر الخط.
هو / أيوة .. مانا أصلى شغال فى العماير الجديدة إللى بيبنوها هناك دى .. إللى جمب الموقف علطول.
أنا / بتشتغل إيه حضرتك ؟.
هو / أنا نقاش .. والمقاول اللى أنا شغال معاه بياخد العمارة من بابها ويأسسها كهربا وسباكة وخلافه .. وأنا بشتغل معاه فى النقاشة.
أنا / حلو جداً .. بتكسب كويس على كدة ؟.
هو / آه الحمدلله .. المتر فى النقاشة دلوقت وصل ٣٠ج حضرتك من غير تمن المونة .. والشقة الـ ١٠٠ متر مبتاخدش فى إيدى أسبوع – ١٠ إيام.
أنا / يعنى شقة ١٠٠ متر مثلاً تاخد فيها كام ؟.
هو / بص حضرتك ، إضرب ١٠٠م × ٣ عشان تمتر حيطان الشقة كلها يعنى ٣٠٠م ، وبعدين إضرب فى ٣٠ ج وشوف بقة حضرتك يطلعو كام.
ناديت عالسواق: على جمب هنا ياسطى والنبى، وقمت ناطط من الميكروباص وجريت مشيت ع الرصيف.
ولأول مرة فى عشرتى الطويلة مع الميكروباص أنزل قبل محطتى بكتير، لكن الحقيقة مقدرتش أستحمل، مقدرتش أستحمل البنى آدم ده، ريحته، لبسه، شكله، مقدرتش أستحمل استفزازه ليا بحالته ووضعه ده، ومشيت فى الشارع أكلم نفسى زى الأهبل:
يعنى إنت يامعفن بشغلك ده وفلوسك دى – مهما كانت إلتزاماتك – ما بيتوفرش معاك عشرين جنية كل شهر تجيب إزازة كلونيا ؟! أو حتى بدل ماتطفح علبة سجاير كل يوم بـ ٣٠ج تروح تحلق شعرك ودقنك ؟! أوتشترى إن شالله كل شهر قميص أو بنطلون ؟! أو تشترى كل شهر علبة ورنيش تلمع جزمتك ؟! أو باكو مناديل بجنيه يقعد معاك يومين تمسح إيدك من الطعمية بدل ما بتمسح فى شعرك كدة ؟! أو توفر تمن باقة الإنترنت الشهرية وتستحمى بصابونه صن لايت حتى من بتاعة المواعين.
قعدت أقول لنفسى:
هى الناس دى ماسمعتش قول الله عز وجل ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) أو قوله تعالى ( وثيابك فطهر )، أو حتى الحديث الشريف ( النظافة من الإيمان، والإيمان مع صاحبه فى الجنة ) ،، ده حتى الأمثال الشعبيه بتقول ( فوت على عدوك مَعرَش ومتفوتش مكَرَش ) ،، وإذا مكنش يهمك كلام ربنا ولا كلام نبيك، فعلى الأقل حاسب على مشاعر الناس حواليك، وخصوصاً أيام الحر والزحمة والفرهدة، إهتم بنفسك يا أخى وبمنظرك عشان حتى ماتسقطش من نظر مراتك وعيالك وأهل بيتك، وزى مابتنزل نص الليل تدور على كشك فاتح تجيب منه علبه سجاير هات كمان فرشة سنان ومعجون، ومرة تانية هات زيت شعر أو إسبراى لجتتك، وهات كيس إريال إغسل هدومك ووديها للمكوجى بـ ٣ ج الحتة.
قعدت طول الطريق أكلم نفسى، ولما إفتكرت إنى نزلت قبل محطتى ولقيت نفسى إتأخرت روحت ناطط فى أول أتوبيس رايح ناحية الشغل عندى، بس المرادى جت قرعتى جمب واحد مستحمى ولمييع وحاطط كالونية وبيندغ لبان نعناع.
.. وعند شغلى … نزلت.