آراءشويّة دردشةعاجل

في الميكروباظ.. الحدوتة الاولى| بقلم عميد د. عمرو ناصف

من كام يوم كدة كنت فى زيارة لبلدنا العزيزة، قريتى الجميلة، هناك فى إحدى ربوع الريف المصرى أم فدادين وقراريط، ولمة الشتا مع الحواديت، أم أهل عزاز، وإصحاب لذاذ، وحواديت المعزة العاز والماز وإللى بتضرب بالعكاز، ورغم إنى كنت مسافر بعربيتى إلا إنى – أقولكم الصراحة – فضول وشغف إستكشاف الناس فى الميكروباصات مبيفارقنيش، وحتى لو سافرت بيسافر معايا، ومن هنا قررت إنى فى يوم كدة هصحى بدرى وأروح أخلص كام مشوار فى ( البندر ) بس هركب الميكروباظ – زى مابيسموه الناس – وكدة كدة المسافة قريبة، يعنى هم عشر دقايق بالكتير.

وبالفعل صحيت بدرى تانى يوم، وركبت المكروباص من قريتى رايح البندر، وعايز أقولكم إنى ركبت وأنا واخد قرار إنى هكتب إللى هشوفه كله، ولما ركزت مع الناس لقيت اللى هيتكتب كتير، لقيتنى مش عارف هكتب إيه ولا إيه، وهكلمكم عن إيه ولا إيه.

أكلمكم إزاى عن شباب بيتسابقو إنهم يقومو من كراسيهم عشان البنات والستات والرجالة الكبار يقعدو، وإزاى يشيلو عنهم شنطهم وأكياسهم وعندهم إستعداد كمان ينزلو بيها فى غير محطاتهم عشان يوصلوهم، وبيعزمو عليهم بده بجد ومن قلبهم.

أكلمكم إزاى، عن ناس بتتخانق مع بعضها عشان مين يدفع للتانى الأجرة، ولا عن إزاى السواق نفسه مبيرضاش ياخد الأجرة – ولو على رقبته – من واحد كان المدرس بتاعه فى الفصل، أو بنت الجيران، أو زوجة صاحبه أو راجل كبير صاحب أبوه، حتى لو مطلعش من العربية كلها بأى أجرة الفردة دى.

أكلمكم إزاى عن الأغانى المحترمة إللى شغلها السواق، وكل حاجة من غير خناق، والصوت الواطى للأغنيات، وضحك البنات، والناس حواليك، وعن حواراتهم نفسها، وطريقة سردها، وبساطة أهلها.

أكلمكم إزاى عن ناس طيبين ريحتهم أرض ولبن وطين، وخير وسمن وخزين، وعيش مخبوز وعجين، وناس يادوب مستورين بس دفيانين، ناس ممعهمش ورضيانين، ناس ميعرفوش بعض بس بيساعو بعض فى القاعدة، وبيتكلمو ويبتسمو فى وش بعض ومبسوطين.

أكلمكم إزاى عن ذوق الكلام حتى لو اللغة ضعيفة، عن حرارة السلام حتى لو المعرفة بعيدة، عن عظمة الإهتمام فى الهايفة وفى الكبيرة.

أكلمكم إزاى عن جملة ( هقول لأبوك ) وقد إيه لسة عايشة معاهم وبتعافر وياهم، وبتخوف الغلطان، وعن كلمة ( حرام ) ولفظ الجلالة لسة بيرجع الواحد عن عملته، وعن جملة ( إتفضلو ) لسة بتشد الغريب على طبلية مفيش عليها غير لقمة ناشفة بس مخبوزة بحب، وحتة جبنة بس منقوعة فى كرم، بس معاهم فدادين من السعادة.

أكلمكم إزاى عن عيون باصة فى الأرض بس مش مكسورة، دى من الأدب مجبورة، ماشافتش أى علام وتشجعك عالكلام، بتحسسك بأمان، تحكى وتتفضفض وتروّحك شبعان.

أكلمكم إزاى عن أراضى وخضار، غيط ومواشى وساقية وحمار، ومن بين الهدوم بيزهر النوار، وناس وسط العمار بتطمنك بالليل وتخدمك بالنهار، عن حاجات لحد إمبارح بس كانت عايشة ويانا، جوانا، ومطرح مانروح معانا، معرفش فين راحت، وسط البيوت عاشت، ويا السنين غابت، ويمكن كمان ماتت، أكلمكم إزاى عن مصر اللى كانت.

وصحيت من النوم على صوت السواق: ( ياللا اللى نازل مجلس المدينة )

.. ونزلت ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى