آراءشويّة دردشةعاجل

فلسطين ومصر بين فكى الرحىَ| بقلم عميد د. عمرو ناصف

دائما ما كانت الرحى ذات فكين، ودائما ما يكفيها هذان الفكان لطحن المطحون، ولكنها دوماً ماكانت مع مصر متعددة الفكوك، فما من حادث ولا حادثة مرت على بلادنا فى العشر الأواخر من سنوات هذا القرن إلا وكانت ذات مردودٍ سئ أو تأثيرٍ سلبى أو صدىً عكسى على كافة المستويات، الداخلية أو الخارجية، الإقتصادية كانت أو الأمنية، وبالتحديد منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وإلى يومنا هذا، وليس أوقع مثلاً لتلك الفكوك من موقف مصر اليوم مما يحدث فى فلسطين المحتلة، فما أقدمت عليه المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر ألقى بظلال اشباح كُثر على كل دول المنطقة العربية والشرق الأوسط على وجه الخصوص والغرب المتكاتف ضد فلسطين والولايات المتحدة الأمريكية بوجه عام.

فبصرف النظر عما فعلته أمس المقاومة الفلسطينية بكل طوائفها وأياً كانت أسماء تلك الطوائف، وأياً كانت العمليات المنفذة وأسماء منفذيها، فهى مدعاة لفخر كل عربى ومسلم إلا أن فكوك رحاها قد تعددت ووضعت كثيراً من الدول العربية موضع القلق والتوتر وضبابية الموقف، وخاصة مصر، فمصر هى قلب الوطن العربي والشرق الأوسط، وهى رجع صدى كل أصوات العرب على إختلافها، المستغيث منها والغاضب، الساخط منها والمُحذر والمفاوض، وحتى الصامت منها، وفى مثل ذاك المفترق الفلسطينى المقاوم تجد كل الدول العربية بل الشرق الأوسط بل كثير من دول العالم التى تهتم بالمشهد فى إنتظار رجع صدى صوت تلك العمليات من لدُن مصر.

وهنا تكمن فكوك الرحى..

فنجد الفك الأول يمٔثُل فى أن العدو الأزرق يسعى وسيسعى دوماً إلى تضييق الخناق ورقعة العيش فى كل أراضى فلسطين جمعاء وخاصة قطاع غزة وبكل السبل بغياً فى تهجيرهم من أراضيهم للإستئثار بها وتوطين مواطنيه فيها شأن كل عمليه عسكرية له على أى أرض فلسطينية، ومن ثم لايجد الفلسطينيون مخرجاً إلا منفذ رفح المصرية ولا ملجأً إلا مصر العربية، وهم بالقطع على الرحب والسعة فمصر أرض كل العرب وكل المهجرين وأولهم أهلنا فى فلسطين، وهم ضيوف لدينا كما نسميهم دوماً بل وأصحاب البيت ومُعَمريه، ولكن تلك لن تكون مجرد إستضافة ولن تكون مؤقتة – وهكذا ولهذا يعمل العدو الإسرائيلي – وبتلك الهجرة صغيرة كانت أو كبيرة مؤقتة كانت أو دائمة يكون قد تمكن من الإستيلاء على الأرض الفلسطينية العربية و أنهى وحقق ونفذ صفقة القرن التى أبرمها من قبل مع الخونة المتأسلمين فى مصر بوساطة أميريكية وباءت بفشل وخسارة بفضل الله ثم فطنة ويقظة مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والعسكرية، وبذلك تكون فلسطين نفسها هى أول وأكبر خاسر لقضيتها التى ناضلت من أجلها قروناً عدة، وراحت كل المقاومة من عهد الإحتلال إلى اليوم أدراج الرياح ولا عودة لهم ولا أرض بعد اليوم.

وهنا يأتي الفك الثانى والذى من الممكن ألا يتفهمه الفلسطينيون أنفسهم وقد تستخدمه ضد مصر كثير من الدول الضبابية الموقف وبعض العناصر المفسدة الفاسدة هنا وهناك وهو ألا تقبل مصر فتح معبر رفح أمام الحشود الفلسطينية والنساء والأطفال حفاظاً لهم على تواجدهم فى أراضيهم وسعياً منها إلى تمسكهم بها وعدم تركها للعدو الذى سيكون أشرس وأقسى أمام عودتهم ولن يسمح بها، مقدمة لهم يد العون بكل صورها ولكن على أراضيهم الطاهرة الغالية.

ومن ثم يأتي الفك الثالث فيما سينطلق ضد مصر من هجوم منظم – هو مبتغى الكثير من الدول والمنظمات والمرتزقة – وكيف أنهم سينسون أن مصر هى أول من قاتلت ذلك العدو وانهزمت وخسرت أرضها وشبابها سنوات استنزاف جوال ثم عادت وقاتلت لأجل الجميع وإنتصرت، وهى أول من نادت بالقضية الفلسطينية وهى وحدها التى تأخذ على عاتقها حل المشكلات فى كل مرة تسوء فيها الأوضاع الفلسطينية مع الإحتلال وتتبنى المفاوضات بين الطرفين بل وتكون هى شرارة البدء مع بعض الدول العربية لنجدة الشعب الفلسطينى وإعادة الإعمار.

وبينما مصر بين كل هذة الفكوك لتفس الرحى إذ بها برجل أمن مصرى فى الإسكندرية بقتل السياح الإسرائيلين المكلف هو نفسه بتأمينهم متجاهلاً معاهدة سلام بيننا وبينهم مثل التى عقدها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معهم منذ أكثر من ١٤ قرناً من الزمان وإلتزم بها أيما إلتزام، ويفعل هذا الشرطى فعلته غير آبه إلى قول الحق تبارك وتعالى ( إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) كما فى الآية (٧٢ سورة الأنفال ).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) صدق الله العظيم.

وبهذا يحسب نفسه هو المسلم الحق والوطنى الأوحد بينما هو عند الله ناقض للعهد وأمام القانون قاتل لأبرياء أعطتهم الدولة ميثاق أمان على جوازات سفرهم حين سمحت لهم بالقدوم، نازعاً فتيل التوتر والخطر بين بلاده وبلدهم فى وقت نحن أحوج فيه مايكون للإلتفات للتنمية والإهتمام بوضعنا الإقتصادى وتوفير لقمة عيش لشعب انهكته الأزمات، واضعاً دولته الآمنة المطمئنة تحت فك جديد من فكوك الرحى.

وامام كل تلك التحديات وبما لدينا من تحديات أكبر داخلية و خارجية تقف مصر وحيدة بدرعها وسيفها بدعم ومساندة القليل من أشقاءها العرب لا تألو جهداً فى نجدة كل مستغيث، ولتأمين كل خائف، ولجمع شمل أى مشرد، لايرجو رئيسها وجيشها وشعبها إلا الأمن والأمان والخير من الله عز وجل وحده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى