فقط ستكون وحدك إذا أردت أن تكون وحدك .. بقلم صلاح صابر

فى سنوات دراستى الاولى بكلية الاعلام كنا ندرس ان مراسل الصحيفة فى الخارج لا يجب ان تطول مدة اقامته بالخارج وأن يتم تغييره بمراسل آخر كل فترة؛ لان طول المدة هناك يفقده الاهتمام بقضايا الوطن ويبدأ فى الدخول فى حالة من التماهى مع المجتمع الجديد بما يفقده القدرة على التعبير عن القارىء المحلى وعن مطالبه وأولوياته.
أتذكر هذه النصائح الان بشدة حين أرى الحملة التى انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعى بمناسبة مرور عام على حبس عدد من (الناشطين) ممن تم تسميتهم لاحقا بمتظاهرى الشورى. ومن الواجب هنا أن اعترف بأننى من المطالبين بالافراج عنهم ومن الذين يرون فى حبسهم أحد الاخطاء السياسية الكبيرة ليس لاهميتهم أو لتأثيرهم أو حتى لعدالة قضيتهم ولكن لتحول قضيتهم لاداة للهجوم على الحكومة المصرية من دول خارجية ومنظمات حقوقية دولية مرتبطة بهذه الدول بذريعة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان؛ وتوسيع القضية عبر مدها بتفاصيل متعددة غير صحيحة يلعب على دسها نشطاء الاخوان فى الخارج وتؤكد عليها الصحافة المرتبطة بالمال القطرى التركى.. ولكن هذا موضوع آخر.
والحملة المشار اليها هى أشبه بحالة التفاعل الداخلى بين مجموعة مغلقة على نفسها (جيتو) لا تتفاعل مع باقى المصريين ولا يتفاعلون معها. وتصورى ان أهل هذا (الجيتو) اختاروا لانفسهم هذا الوضع واستجلبوا مزيدا من الرفض المتبادل مع الاغلبية من بنى وطنهم. وبطبيعة الحال يمكنهم ان يستمتعوا باحساس التعالى وأن يقولوا: إن الناس جهلة لا تفهم مصالحها؛ أو يقولوا إن الاعلام التابع للسيسى غسل أدمغتهم؛ لكن الواقع ان أهل الجيتو هم المنفصلين عن الناس الذين يتحدثون عنهم؛ ومنفصلين عن الواقع والقضايا الحقيقية للناس. ومن الغريب ان ينفصلوا عن قضايا من يدعون ليل نهار انهم يدافعون عنهم.
وحين تنفصل عن الناس وتتعالى على آمالهم وآلامهم ينفصلون عنك.. وحين تتهمهم بالغباء والجهل من حقهم أن يتهموك بالخيانة والعمالة والاسترزاق من الخارج.. وحين تغيب عنهم يغيبون عنك لتظل وحدك لانك اخترت ان تكون وحدك.
حين يكون جل اهتمام الناس فى مصر هو ما يشعرون بانه أزمة اقتصادية دفعت بأسعار العديد من السلع والخدمات للارتفاع نتيجة تأثر الواردات بتراجع حصيلة البنك المركزى من النقد الاجنبى الناتج عن دفع الكثير من الالتزامات الدولية وانفاق جزء منها فى مشروع قناة السويس الجديدة كما قال محافظ البنك المركزى الدكتور هشام رامز قبيل استقالته قبل أيام؛ فانك لا يجب ان تكون غائبا عن هذه القضية وتفرض على الناس قضيتك أنت لتتصدر جدول اهتماماتهم. وحين تكون هناك انتخابات برلمانية هى الجزء المتبقى من خارطة الطريق التى اتفق عليها المصريون فانك لا يجب ان تسخر من خياراتهم أو تحاول تعديلها ليقتنعوا مثلك بان 30 يونيو انقلاب وليست ثورة/ثورتهم. وحين يثور الصراع بين فريقين؛ أحدهما اكثر اقترابا من النظام القديم ويمتلك الثروة وتسانده بعض مؤسسات أمنية جرحتها ثورة يناير وترغب فى اعادة الاعتبار لنفسها بتغيير الدستور وتملق الرئيس وفريق آخر افتقر إلى الثورة وقوة المؤسسات فى الدولة وأمسك بنفس شعارات الثورة (عيش – حرية- عدالة اجتماعية)؛ وأصر على الدستور الذى وافق عليه بما يفوق 90% ؛ وحين يعمد الفريق الاول إلى زيادة نسبة الحضور للانتخابات التى تعبر عنه أكثر ويعمد الاخر إلى تأكيد رسالة الاعتراض عليه بالتغيب عن المشهد إلا لماما؛ فيجب عليك أنت ألا تغيب عن المشهد متعاليا عليهم ثم تفاجئهم بقضيتك أنت وحدك لانك فى هذه الحالة ستبقى وحدك.
لن يشارك الناس فى تغريداتك وبوستاتك ولن يغيروا صور (بروفايلاتهم) بصور لرفاقك المحبوسين كما فعلت.. لن يعيدوا نشر تغريدات رفاقك المحبوسين لانهم لا يرون فيها مثلك نصوصا مقدسة.. انت سخرت منهم وهم يسخرون منك.. كيف تصدق ان يحترموا قضيتك وانت تكتب بجوار اسمك (خليها تنحرق )!!.. كيف يقفوا إلى جوارك وأنت تتعالى عليهم وتصب عليهم جام حقدك وتتمنى لهم الحرق لانهم لا يقدرون ما تراه (تضحياتك)؛ فى اعادة انتاج كاريكاتورية للقذافى حين يصرخ: من أنتم !
وحتى الدكتور محمد البرادعى نائب رئيس الجمهورية الاسبق (المستقيل) حين يكتب تغريدته من الخارج قائلا فيها: (ليس بالقمع تبنى الاوطان.. سجن الشباب جريمة فى حق المستقبل #حريتهم_هى _حريتنا)؛ لا يجد اهتماما كبيرا بالصحف المحلية المشغولة بالانتخابات؛ وبالاسعار؛ وبالامطار.. القضايا التى غاب عنها البرادعى. وحتى التعليقات التى لحقت بتغريدته على الصفحة كانت بائسة فى عددها ومضمونها؛ فإحداها أكدت على الاتفاق مع المضمون ولكن أضافت فى ذات الوقت انتقادا لنضال البوب من بلاد العم سام كما قالت نصا؛ والاخرى قالت الكلمة المعبرة عن قلة الحيلة وربما حالة عدم اليقين من كل شىء: طيب!!