فضيحة السوبر.. والفرصة الذهبية| بقلم الشيخ خالد الجمل

في حادثة الافك التي تكاد ان تصنف انها احد اصعب احداث العالم واسوأها علي الاطلاق.. نجد ان القران قد اشار لها عكس كل التوقعات.. فلقد قال عنها ربنا في كتابه العزيز (ان الذين جاؤوا بالافك عصبة منكم (لا تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم) ..!!
ماهذا… !! ايقول القران عن اكثر المصائب انها يمكن ان تكون خيراً.. ولنا جميعا..!! نعم والله.. هذا ما قاله القران، وكانت هذه الحادثة سببا في كشف المنافقين الذين كانوا مندسين ومتغللين في مجتمع المسلمين يدسون سمومهم فيه لافساد هذا المجتمع الطاهر النبيل، ولكن بفضل الله وبرحمته، ونتيجة لهذه المحنة، ظهرت المنحة، وانكشف كل من كان يبغض رسول الله ومن كان ايمانه رخو واسلامه صوري، وبقي السادة اصحاب الايمان القوي الراسخ الذين ورثنا منهم التراث النبوي الطاهر السليم الذي نهتدي بهديه الي الان، وكيف لا وهم الصحابة الذين قال عنهم القران (محمد رسول الله والذين معه).
لذلك تعلمت ان انظر لكل مشاكلي من هذه الزاوية لان القدر سائر الي مكانه لامحالة لذلك عليك ان تنظر من الزاوية الاخري لاي كارثة او ازمة ملمة لعل بها الخير، او ان تكون سببا في الخير، وانت لا تدري فعليك ان تستغل ذلك جيدا.
وفي هذا الوقت الذي نحن فيه اذا اراد احدنا ان يقرأ او يشاهد برامج الاعلام او حتي عناوين المواقع الاخبارية علي تليفونه، فلن يجدها تخرج عن مايلي:
– الفنانين بيكا وشاكوش وكوسبرة اشتهروا وبيغيروا في العربيات
– الفنانين بيكا وشاكوش وكوسبرة ومشاكلهم مع نقابة الفنانين والمهرجانات
– الراقصة الفلانية رايحة معرض الكتاب بالبيجامة والشبشب
– اليوتيوبر الفلاني ومراته بيلعبوا مع بعض لايف فيديو
– الفنان نمبر وان بيذل الكابتن طيار بعد ما خرب بيته
– كباتن مصر الكهربا والشيكا واخواتهم اتخانقوا وشتموا وضربوا بعض واشاروا باشارات بذيئة للجمهور مش المصري… لا لا ده في دولة خليجية شقيقة.. وامام عيون كل النساء والاطفال والشباب هناك
– اعرق الاندية في افريقيا والعالم الاهلي والزمالك في ازمة علشان مش عارف ايه
– الفنان فلان زق الفنان نمبر وان في الفرح وبيشتموا بعض
– الدكتور مجدي يعقوب الشيوخ بيقولوا انه هيخش النار
– وغيرهااااا…. من الاخبار التافهة.. فقط..!!
هذا هو المشهد الإعلامي الحالي، وكأن بلدنا الحبيبة، لايوجد بها بحث علمي، او تفوق ادبي، او تقدم حضاري مجتمعي، او نبوغ فكري، او رقي فني، او ريادة ثقافية، او دينية، او حتي ترفيهية…؟؟.
والعجيب ان كل هذه المجالات مازلنا نحن بالفعل لنا فيها كل الريادة والتقدم والسبق، ولكن لا احد يحاول اظهاره علي الساحة !! تري لماذا.. ؟؟ والي متي هذا الفراغ الفكري، وتجريف المشهد من حتي مجرد شبه قدوة حسنة للشباب وصغار السن، في اي مجال من المجالات.. ؟؟.
المشهد يحتاج الي العلم ورفع قيمة العلم، والا… سنرفع نحن من قائمة العلم اصلا وستصبح الجامعات غدا كمدارسنا العريقة التي كنا فيها سابقا والتي اصبحت الان ..بعد ان كانت تضم ارقي الاساتذة والمعلمين، وارقي الطلاب، اصبحت الان وبكل اسف مرتعا لاساتذة ليسوا اساتذة في العلم ولطلبة ليسوا طلبة لعلم انما هم مسوخ واشباح لما كان في الماضي يسمي (محرابا للعلم).
لذلك… اعتبر هذا هو النداء الاخير للسادة مسؤلي الاعلام في مصر…
لا اطالب بمنع نشر تلك الاخبار التافهة، وان كنت اتمني ذلك ولكني اكثر واقعية، فهذا لن يحدث علي الاقل الان ولكني اطالب ان نجعلها في حجمها الحقيقي مجرد اخبار تافهة…!!، لكن الاخبار الاهم تلك التي تستحق الاهتمام، وان يكون النصيب الاكبر علي الشاشات لكل متفوق في مجاله العلمي والادبي والفكري والديني وغيرها، وان يكون ضيف دائم علي موائدكم هو النجم، هو البطل، مهما كانت شهرته ضئيلة ومهما كانت دائرة الضوء خافته حوله.
انتم من سيشهرونهم في كل مكان انتم ايها الاعلاميون الشرفاء، انتم من سيقوم برش هذا المبيد العلمي الفعال الذي سيطرد كل هذه الحشرات التي ظهرت علينا من هذه البالوعة المسماه (السوشيال ميديا)، ولتكون هذه السوشيال ميديا مرحبة بها في وطننا ومجتمعنا بضوابطنا نحن وثقافتنا نحن، ولنجعل المجتمع وحده هو من يلفظ القبح ويكرهه ولا يري في الاسفاف والتفاهة نجوم، او يصنع من التفاهة والابتذال، نمبر وان جديد..!!.
* اخرجوا مشاريع التخرج الطلابية الي النور واجعلوا اصحابها نجوما ومشاهير…
* استضيفوا امهر الشباب العازفين…
* استضيفوا افضل الرياضيين اخلاقا اولا…
* استضيفوا ابطال جيشنا من اجدادنا الذين مازالوا علي قيد الحياه، استضيفوهم كل يوم، حتي نتشبع بهم، ويصيرون قدوة لنا ولاولادنا…
* استضيفوا كل فنان محترم اخلاقه في المقام الاول ثم ياتي بعد ذلك فنه…
* استضيفوا نوابغ العلم الديني… والعلم المعرفي من طب وكمياء وفيزياء وميكانيكا وغيرها من العلوم العملية والتجريبية من اصحاب الاخلاق… الاخلاق اولا…
* استضيفوا العمال والمهندسين والاستشاريين الذين يعملون ليل نهار في رصف الطرق، و شق الترع، وتحقيق هذه النهضة الحديثة الحالية…
* استضيفوا متحدي الاعاقة الشرفاء الذين ازالوا كلمة مستحيل من قاموس البشرية متي اراد الانسان بتحقق ارادة الله…
* اشغلونا بهؤلاء العمالقة، اصحاب الاخلاق العالية، واجعلونا نعتاد علي النظر الي اعلي بدلا من هذا الهبوط الذي قد تنكسر فيه رؤسنا من طول انشغالنا بالنظر الي دركاته العميقة…
لتعود لنا هويتنا وحضارتنا وتحضرنا، ونترك لاولادنا ارثا راقيا نشرف به كما ترك لنا اجدادنا واباؤنا تراثا عظيما، في كل شيء فهل نكون نحن الجيل الذي يكتب اسمه في كتاب التاريخ ان عصر الرقي والتحضر قد انتهي علي يديه، وفي زمنه..!! اسأل الله ان لا يكون ذلك ابدا.
لذاك اعتقد ان الله قد منحنا فرصة اخيرة، ولعل مانحسبه شر لنا… هو خير لنا… كما حدث، مع اسلافنا.. في حادثة الافك.. ولعلها فرصة ذهبية.. لترتيب المشهد الاعلامي من جديد، لننقي ونطهر مجتمعنا مما اصابه من درن لا نريده ان يتغلغل في مجتمعنا اكثر من ذلك، فلقد وهبنا الله وطنا كريما راقيا متحضرا، ارجو ان نستحقه.
الشيخ/ خالد الجمل
الخطيب المتطوع بوزارة الاوقاف المصرية