عيد الميلاد المجيد.. رسالة حب وتسامح للإنسانية
افتتاحية بروباجندا
مع إطلالات العام الميلادي الجديد.. تتجدد مشاعر المحبة والسلام بين سكان العالم، وفي القلب منهم أقباط مصر (مسلمين ومسيحيين).. حيث تتجلى روح الألفة والمودة بين أصحاب النسيج الوطني الواحد القابضين على كل حبة تراب من أرض هذا البلد الذي يعيش بداخلنا قبل أن نعيش بداخله.
ولعل أهم ما يمكن ملاحظته في هذه المناسبة الجميلة أن تتحول وصايا السيد المسيح، أيقونة السلام والإنسانية على كوكب الأرض، إلى أسلوب حياة يغلف كل تعاملات البشر.. وذلك على النحو الآتي:
الله محبة، وفى العشاء الأخير أعطى السيد المسيح لتلاميذه وصيته الخالدة المتجددة حين قال: «وصية جديدة أنا أعطيكم، أن تحبوا بعضكم بعضا، كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضًا»، وأكمل قائلًا: «بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذى: إن كان لكم حب بعض لبعض».
يمكن تلخيص رسالة السيد المسيح في كلمة واحدة هي «الحب»، فلسفته العميقة هي الحب للجميع حتى الأعداء، فلا بطولة أو غرابة في محبة من يحبوننا فحسب، لكنه أوصى في عظته على الجبل قائلًا: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم».
العبرة من كل الفكر المسيحى هي الحب حتى المنتهى، الحب حتى العطاء بل والبذل، وهو ما تعبر عنه الآية القائلة: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، كى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية»، كان السيد المسيح حبًا يمشى بين الناس، كان يجول يصنع خيرًا، يوزع كرمه وعطفه على الجميع.
المحبة هي فضيلة الفضائل، وعندما سُئل السيد المسيح، مرتين في موقفين منفصلين، عن الوصية الأعظم في كل الشريعة قال إنها المحبة، وردد الآية القائلة: «تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك، وتحب قريبك كنفسك»، وهى في الأصل آية من العهد القديم، التوراة، في سفر التثنية، كان يربط بها بين عهدين.
الحب في الفكر المسيحى درجات تبدأ بالحب الطفولى، وتتحكم فيه الشهوة، ثم الحب الرومانسى وتسيطر عليه المشاعر، وأخيرًا الحب الإلهى وهو أعلى مراتب الحب، ويتضمن الكثير من التضحيات والبذل في كل الظروف وفى أي أحوال، ومحبة الله هي أن تعمل كل وصايا الله، وتمشى على طريقه.
المحبة ليست مجرد كلمة أو شعار، لكنها على المستوى الإجرائى تمثل حزمة من التصرفات، التي تعتبر بمثابة دليل إرشادى لحياة السلام، من هذه الإجراءات أفكار مثل التسامح والغفران وقبول الآخر، أي آخر.
فكرة التسامح الإلهى المشروط بتسامح البشر مع بعضهم، هي فكرة ضاربة بجذورها في أعماق الفلسفة المسيحية، الآية الشهيرة تقول: «إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضا أبوكم السماوى زلاتكم»، وهو المعنى الذي تؤكده آية أخرى تقول: «اغفروا يُغفر لكم»، وهذا يتماشى مع الفكرة التي تطرحها الآية القائلة: «لا تدينوا لكى لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم».
ومن روائع الأقدار أن تتحول ذكرى عيد الميلاد المجيد إلى مناسبة جميلة لتعميق الوحدة الوطنية، حيث يحرص مسلمو مصر على مشاركة إخوانهم المسيحيين احتفالات عيد الميلاد المجيد ويبادلونهم التهاني.. وإلى جانب هذه السيمفونية الشعبية، يسارع رموز الدين الإسلامي من أعلى قمة الهرم للتأكيد على سمو قيم التشارك الديني.
حيث أكد الامام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الازهر الشريف، حول تهنئة الاقباط بأعيادهم حيث أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن الأديان السماوية هى أولاً وأخيراً ليست إلا رسالة سلام إلى البشر، بل هي رسالة سلام إلى الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها، وقال فضيلته إن الإسلام لا ينظر لغير المسلمين من المسيحيين واليهود إلا من منظور المودة والأخوة الإنسانية، وهناك آیات صريحة في القرآن تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم – أياً كانت أديانهم أو مذاهبهم – هي علاقة البر والإنصاف.
ونبه شيخ الأزهر إلى أن المواطنة لا تتوقف عند اختلاف دين أو اختلاف مذهب فالكل متساوون في الحقوق والواجبات والجميع سواسية أمام القانون في الدولة، وعلى الجميع أن يدافعوا عن هذا وتابع أن الحضارة الإسلامية أول من حفظ حقوق غير المسلمين
الوطن ويتحملوا المسئولية الكاملة.
كما بادرت دار الافتاء المصرية إلى قطع الطريق على المتشددين والمتطرفين الذين يفتون بتحريم مشاركة وتهنئة المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، حيث أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، أن «تكرار السؤال حول حكم تهنئة الإخوة المسيحيين بأعيادهم مع بداية كل عام؛ لم يعد مقبولا والحديث عنها لم يعد ضرورة»، قائلا إن «هذه المسألة قتلت بحثا، وإن كان البعض لا يزال ينتظرها ليدلي بدلوه إما سلبا أو إيجابا، أو رغبة في خير أو فتنة».
وأوضح خلال تصريحات تلفزيونية لبرنامج «اسأل المفتي» المذاع عبر شاشة «صدى البلد» مساء الجمعة، أن دار الإفتاء والأزهر الشريف يؤكدان موقفهما سنويًا بزيارات متبادلة بين رموز المؤسستين الدينيتين، وفي مقدمتها زيارة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إلى الكاتدرائية؛ لتقديم التهنئة بالعيد، والدعاء بالخير والبركة، وأن يعم الخير والسلام بين المصريين والعالم جميعا.
وأكد أن «تهنئة الإخوة المسحيين لا حرج فيها، بل أنها من الأمور الجائزة والمستحبة؛ لأنها تعد لونا من ألوان البر والإحسان والقسط والإنصاف ومشاركتهم في الأفراح والأتراح»، مبديا استغرابه ممن يحرمون ذلك، قائلا: « أتوقف متعجبًا من حال هؤلاء الذين يقولون بعدم جوازه؛ بل ويحرّمونه».
وتساءل: «لو أن رجلا متزوج بامرأة مسيحية، ألا يهنئها؟ هذا يتنافى حتى مع مقصد الزواج القائم على المودة والرحمة والسكن».
كلمة أخيرة
وخير ختام في هذا المقام.. ما أجمل أن يتحاب البشر وأن نسعى جميعا إلى نشر السلام، فذلك هو المكسب العظيم من نزول الأديان لهداية الإنسانية.. وكل عام ومصرنا الجميلة في خير وأمن ومحبة.