آراءشويّة دردشة

طارق عامر.. نظرة لاوجاع التصنيف الائتماني| بقلم حاتم برهام

لا أحد ينكر الجهود الكبيرة التي يبذلها الخبير المصرفي القدير طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري، من أجل تذليل كافة العقبات وتسهيل جميع الصعوبات أمام عجلة الاقتصاد المصري، على وجه الخصوص في هذه الفترة البالغة الحساسية التي تمر بها مصر، بل والعالم أجمع، في ظل حالة الانكماش الاقتصادي التي صاحبت توقف أغلب مناحي الحياة على خلفية انتشار فيروس كورونا القاتل.

فالرجل، وبلا أدنى مبالغة، لا يترك شاردة أو واردة إلا ودرسها باتقان لإيجاد حلول ذكية تضمن عدم إلحاق ضرر بالغ بمناخ الاستثمار في مصر، والذي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة تهيئته على أفضل ما يكون لتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب المشروعات الصناعية لتوفير الحد الأقصى من اجراءات الحماية المالية وارسال اشارات طمأنة واقعية لحرص كافة مؤسسات الدولة على صالح هؤلاء المتعاملين مع المصارف الوطنية من جهة وكذلك التيسير على المواطنين والافراد المتعثرين من ابناء الشعب المصري من جهة اخرى.

ويتجلى هذا بوضوح في عدد من المبادرات الحثيثة التي أقرها البنك المركزي، أبو المصارف المصرية، لمنح ما يمكن اعتباره “قبلة الحياة” لكبار وصغار والافراد المتعاملين مع البنوك الذين حالت الأجواء الحالية والسابقة دون وفائهم بكامل التزاماتهم تجاه سداد أقساط القروض والتغاضي عن مديونياتهم بل والتنازل عن الاحكام التي اخذت ضدهم من أجل عدم خروجهم من السوق.

إلى هذا الحد وكل شيء على ما يرام .. لكن هناك على الجانب الآخر توجد تفاصيل غاية في المأساوية تستحق أكثر ما تكون للنظر إليها بعين الرعاية من جانب كل مسئول مصرفي في موقعه، وفي الصدارة طبعا السيد طارق عامر باعتباره المرجعية الاقتصادية الأولى في قرارات البنوك.

حكى لي صديق أنه قبل عدة أعوام كان يتقلد منصباً إدارياً مرموقاً بأحد المؤسسات الكبرى، وكان دخله الشهري يشجع على خوض مغامرة الحصول على قروض مالية من البنوك المصرية .. فسلك جميع الأبواب الشرعية وقدم كافة الضمانات المطلوبة للحصول على القروض التي لم يكن يتعد اقساطهم الشهرية حينذاك نصف ما يتقاضاه الصديق، وكعادة الأيام دارت عجلة الزمن دورتها وفي ظل أمور خاصة بهذه المؤسسة انتقل الرجل إلى “درجة وظيقية” اقل وبالتالي قل دخله الى ما يقارب نصف دخله السابق ومع ذلك كان الرجل يسدد ما عليه من اقساط ولكن مع وجود تأخيرات في السداد قد تصل الى شهرين وثلاثة اشهر في بعض الاحيان مما جعله مصنف مخاطر مرتفعة لدى ادارة التصنيف الائتماني (آي سكور).

وفي ظل الحالة “الكورونية” التي اجتاحت العالم أجمع .. وقع على صديقي ضرر آخر تزامناً مع موجة التخفيضات التي كان الكل مضطر لقبول تبعاتها من باب “الذي لا يرى من الغربال فإنه لا يرى” .. مما أطاح بنصف البقية المتبقية من دخل الرجل، ورغم كل هذا فإنه لم يلجأ لأي وسيلة تلاعب أو تهرب من سداد أقساط القروض، ولكنه في الوقت ذاته كان أحوج ما يكون إلى “خارطة طريق” جديدة تتيح له عدم التأخر عن سداد المستحقات البنكية، ويتبقى له بعض المال ليعيش منه هو وأسرته وهنا تكمن المأساة.

بطبيعة الحال أظهر التصنيف الائتماني “آي سكور“، وهو جواز مرور العملاء لدى البنوك، لصديقي أنه لا تنطبق عليه مواصفات ما تعتبره البنوك “العميل المثالي” بسبب تعثره في الالتزام زمنياً بمواعيد السداد، وبالتالي حرمته جميع المؤسسات المصرفية من الحصول على “قبلة الحياة” التي استمتع بها كبار وصغار المقترضين الذين تعثروا بالفعل ولم يقوموا بالوفاء بمديونياتهم .. وهذا بالرغم من وجود جميع الضمانات التي تطمأن البنوك لدى الرجل الذي لا يجد من يشتكي إليه حاله إلا الله.

ونضع هذه الواقعة بين يدي صناع القرار المصرفي في مصر ونحن على يقين من أنهم لن يقصروا في إيجاد آليات حل لمثل هذه الحالات حتى نمحو أي صورة سلبية عن دورة القروض البنكية، ولنحمي آلاف الأسر التي تعاني مثل صديقي وأكثر لكنهم ربما لا يجدون من يوصل صوتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى