صور| قناة السويس شريان الحياة.. حكاية ممر مائي عالمي لخدمة البشرية
17 نوفمبر عام ١٨٦٩ يوم تاريخي يظل راسخ في الأذهان على مر العصور، حين تحولت مصر إلى بؤرة اهتمام العالم وشريان الحياة للشعوب بين شرق وغرب الكرة الأرضية بأكملها، حيث انطلقت آنذاك قبل ١٥٣ عام ميلادي احتفالات أسطورية إيذانًا ببدء مراسم افتتاح قناة السويس.
حفل عالمي مُهيب شهد حضوراً بارزاً من أهم ملوك وأمراء وسفراء العالم، حيث وصفه الكاتب الفرنسي جيستافي نيقول في كتابه بعنوان (افتتاح قناة السويس رحلة الملوك) “كانت لحظة تاريخية فارقة أدرك خلالها العالم ميلاد طريق بحري سيلعب دوراً محورياً في خدمة البشرية، وتغيير مسار حركة التجارة حول العالم، وبعد مرور عشرات العقود، ها هي القناة باتت ركن أساسي فاعل لا غنى عنه على الإطلاق”.
من هنا انطلقت رحلة قناة السويس منذ ١٥٣ عاماً، حين شقت أول قافلة بحرية مياه القناة، بقيادة اليخت “إيجل” الخاص بإمبراطورة فرنسا “أوجيني”، تلاه عبور يخت إمبراطور النمسا ثم يخت أمير وأميرة هولندا، وولي عهد بروسيا، مع انطلاق العديد من المراكب والقطع البحرية الخاصة بالضيوف من السفراء وممثلي دول العالم.
وانطلقت مراسم الاحتفال الزاخر بفقرات ترفيهية وسياحية ودينية وثقافية على مدار 5 أيام من 17 حتى إلى 21 نوفمبر، ففي خلال اليوم الأول استقبلت مدينة بورسعيد ملوك وأمراء العالم، ثم تحركت اليخوت الملكية في 18 نوفمبر 1869 إلى الإسماعيلية قادمة من بورسعيد، وبمجرد دخول أسطول الملوك إلى بحيرة التمساح خرجت ثلاث سفن حربية مصرية لتطلق مدافعها احتفالاً بوصول قادة العالم، وتزينت حينها الإسماعيلية لاستقبال هذا الاحتفال المبهر، وتم إقامة حفلاً ضخمًا بالقصر الجديد الذي تم تشييده في الإسماعيلية لاستضافة الاحتفالات التي تميزت بطابع عالمي بحضور ملوك وأمراء وسفراء ووزراء وعلماء وكبار ضباط وتجار وصناع ومسئولين كبار.
وظهر اليوم التاسع عشر تركت التشكيلة البحرية بحيرة التمساح في اتجاه مدينة السويس حيث دخلت اليخوت في البحيرات المرة ليتم استقبالهم بحفل عشاء وألعاب نارية، وفي صباح اليوم التالي وصلت رحلة الملوك والأمراء إلى السويس، واستمرت في الإبحار حتى وصلت بحلول الحادية عشرة والنصف صباحًا إلى نهاية القناة ودلفت إلى البحر، وحينها أعلنت طلقات المدفعية انتهاء الرحلة ليتم رسميًا تأكيد نجاح مشروع قناة السويس.
كانت مصر على قدر هذا الحدث التاريخي تماماً حيث أدركت حينها أنها تسطر فصلاً جديدًا في تاريخ المشروعات المُلهمة للبشرية وتضيف إسهاماً جديداً يليق بعراقة وحضارة وتاريخ الشعب المصري، فقد أثرت هذه الاحتفالات الساحرة قلوب ووجدان ملوك وأمراء العالم ونالت إعجابهم، ما دفع الخديوي إسماعيل إلى تخليد هذه الذكرى الرائعة بإهداء ملوك العالم ألبومًا من الرسومات الفريدة التي أبدعها الرسام الفرنسي إدوارد ريو توثيقًا للاحتفال العالمي بافتتاح قناة السويس. ولا يمكن أن نستشهد على حُسن التنظيم الرائع للاحتفالات وانبهار قادة العالم بأفضل من رسالة الإمبراطورة أوجيني إلي زوجها الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، والتي أوجزت خلالها انطباعها الرائع عن الاحتفالات بعبارة فحواها: “وصلت بورسعيد بسلام، استقبال باهر لم أشهد قط مثيلا له طول حياتي”.