شياطين الأنس وشياطين الجن | بقلم د. ايات الحداد
جاء رمضان وتسلسلت الشياطين التي يعتقد البعض أنها سبب ما يرتكبه الانسان من معاصي وذنوب! فالبعض منّا يلقي اللوم دومًا على الشيطان ولا يعلم بأن الشيطان من الممكن أن يغري الإنسان ولكن لا يُجبره! كما أن الله سبحانه وتعالى قال:” إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً”، فإذا كان الشيطان يغري الانسان ويوسوس له على ارتكاب الفواحش او المعاصي فهو بالتأكيد لا يفعل ذلك مع الكل او بمعنى أدق لا يفلح مع كل الناس، فهو ينجح مع البعض منهم وهؤلاء هم من لديهم استعداد وايضًا ليس لديهم مباديء او تحصين من الوقوع في ذلك، إذاً لا يصغي للباطل إلا من كفر بالآخرة، لا يتأثر بالباطل إلا من أراد الدنيا فقط، لا يقتنع بالنظريات الهدامة إلا من أراد الشهوة، المؤمن لا يتأثر، المؤمن مُحصِن لا يتأثر بالباطل.
فعندما يشعر الانسان بالضعف، ويشعر أنه ارتكب ذنوب يقول الشيطان السبب! حتى يستريح فيبدأ بإلقاء اللوم على الشيطان، ولكن حدّثنا القرآن عن ذلك فعندما خاطب الشيطان الله:” فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ “، إذًا الشيطان ليس له سلطان على الناس والدليل على ذلك قوله تعالى :”وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ “، فالبعض يرمي الحجج على الشيطان ولا يعلموا بأن الشيطان ليس له سلطان الا على أصحاب النفوس الضعيفة، فنعم يغريك الشيطان ولكنه لا يُجبرك! والبعض لا يعلم أن الشيطان ليس فقط من الجن بل القرآن تحدث أيضًا عن شياطين الإنس وتأثيرهم أقوى من شياطين الجن! “الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ “،”وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن “، فالشيطان ليس له سلطان كل ما في الأمر انه دعى الانسان الى المعاصي وارتكاب الذنوب، فالنفس الضعيفة ستنساق إليه والنفس المطمئنة لا تستجيب، فقد دعى الشيطان الناس، البعض لبى الدعوة وآخرين لم يستجيبوا له وهم المخلصين، فلا تلوموا الشيطان بل لوموا أنفسكم، اما شياطين الإنس فما أكثرهم وتأثيرهم أقوى من الشيطان لأن الشيطان كما ذكرنا كل ما يستطيع فعله هو أن يوسوس الإنسان وأن يدعوه لإرتكاب المعاصي.
اما شياطين الإنس فنراها، ونسمعها، وتتلون، وتتخابث بالكلام، وتتصور في أكثر من صورة، تنافق، تكذب، نتحدث معها، تُقيم الحجج الواهية الضعيفة، فالنفوس الضعيفة تستجيب إليها والنفوس القوية تنفرّ منها، فقد نرى أصحاب مع بعضهما البعض وأحدهما يدعو البعض لإرتكاب معصية أيا كان نوعها ثم نجد من يستجيب له وآخرين لا يستجيبوا فهؤلاء هم شياطين الإنس، وبرغم تواجد شياطين الإنس الا انه لا يوجد إنسان يضر إنساناً، فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
وتحدث القرآن عن مشاهد من ذلك: “قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أنك لمن المصدقين”، فحتى القرين الذي دائمًا نصفه بأنه يُلازم الإنسان سيتخلى عنه،”يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا “، ففي الدنيا نرى البعض أصحاب النفوس المريضة والفقيرة يلجأون إلى الناس بحكم أموالهم ومناصبهم ويغضبون الله من أجلهم ولو تمعنوا في تلك الأية لِمَ غضبوا الله ولو لثانية! وتحدث القرآن على من يتبعون الظالمين والفاسدين ويغضبون الله من أجلهم بأنهم يتخلوا عنهم يوم الحق!” وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ”،” وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ” صدق الله العظيم.وكل عام والامة الاسلامية بخير.