شكرا مجدي يعقوب .. قلب مصر النابض
تقرير .. عادل محمد
أحياناً ما تعجز الكلمات عن الوفاء بحق أشخاص أسهموا على أروع ما يكون في تغيير وجه الحياة أو تخفيف معاناة أو تحويل الواقع إلى أجمل أو حتى ألطف وأرحم .. وإذا فتشت عن جميع هذه المعاني الراقية فلن تجدها مجتمعة في إنسان كما هو الحال مع البروفيسور مجدي يعقوب، جراح القلب العالمي، الذي يعتبر وبحق أروع تجسيد لمسيرة العطاء الوطنية والانتماء لحضن مصر الحبيبة .
فالرجل، الذي ولد وتربى وتعلم في أرض الكنانة، تحول إلى خير سفير يجوب العالم ويكتسب الخبرات ويحصل على أرفع الأوسمة .. لكنه أبداً لا ينفصل عن تراب الوطن ويأبى إلا أن يرتقي بمصره الغالية فيعود إلى مصر محملاً بالعلم النافع والخير الوفير ليرسم ابتسامة على شفاه مرضى القلوب .. ويشيد صروحاً علاجية قائمة على اقتناع القادرين برسالته الإنسانية المقدسة وحرصهم على المشاركة بتبرعاتهم في تخفيف آلام أوجاع القلوب .
رسول القلوب
” من القلب للقلب رسول” .. مثل شعبي وأغنية رومانسية يحفظها المصريون عن ظهر قلب، كناية عن أن المشاعر الصادقة المخلصة التي تخرج من القلب تعرف طريقها إلى القلب مباشرة .. وإذا بحثنا عن خير تجسيد لهذه الأحاسيس الإنسانية الرائعة لن تجدها مجتمعة كما في شخصية الدكتور مجدي يعقوب جراح القلب العالمي .
فمنذ ما يزيد على العشر سنوات اعتاد ” ملك القلوب” ، كما يعشق المصريون تسميته، زيارة مصر كل فترة لإجراء العديد من عمليات القلب المفتوح بالمجان، وفي منتصف عام 2009 شرع الدكتور مجدي يعقوب في إنشاء مركز لعمليات القلب بمدينة أسوان بالصعيد معللا اختياره للمدينة الواقعة أقصى جنوب مصر، بتقديره للحاجة الملِحّة لأهالي الصعيد للرعاية الصحية في جميع المجالات وليكون منصة انطلاق لتأسيس عدة مراكز لعلاج القلب من بينها ” وحدة جراحات قلب الأطفال بمستشفى النصر ببورسعيد، بخلاف هديته الجديدة لمصر والشرق الأوسط والمتمثلة في تدشين مدينة جديدة للأبحاث العلمية المتعلقة بأمراض القلب في أسوان، والتي تبلغ مساحتها 4 أضعاف المستشفى الحالي .
ولم تكن هذه آخر هدايا ” ملك القلوب” لبلده الحبيب مصر ولا أهله الطيبين .. ففي أواخر العام 2018 زف السير مجدي يعقوب بشرى سارة جديدة للمصريين معلناً تدشين مركز جديد فى العاصمة الإدارية الجديدة لجراحة القلب على غرار مؤسسة مجدى يعقوب لعلاج أمراض القلب بأسوان .
وأوضح الجراح العالمى أن المؤسسة الموجودة بأسوان أصبحت مشهورة فى إفريقيا وجميع أنحاء العالم، وسيكون المركز الجديد بنفس التصميم الموجود فى أسوان، الذى صممه أكبر معمارى فى العالم، وسيكون مركزا علميا ضخما بالعاصمة الجديدة .
وأشار يعقوب إلى أن هناك تعاونا بين مركز أسوان وكبرى مراكز علاج القلب العالمية وهناك مجلة علمية عالمية تم الاشتراك فيها وتمول لكى تصل إلى أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا، وهناك أفكار لأدوية جديدة للذين يعانون من تصلب شرايين الرئة، وسيكون هناك مشاريع كثيرة سيتم الإعلان عنها قريبا .
وفي روشتة نجاح وطنية خالصة ، قال ” يعقوب” خلال افتتاح المركز : ” لابد أن نتقدم أكثر، لأن عندنا كل حاجة، ولكن لابد أن يكون هناك عزيمة، وأن نعطى فرصة لأن يكون هناك قابلية فى التطوير، وأن نفكر فى أشياء جديدة، لأن الشعب المصرى يستحق كل خير، لازم نقدم كل ما يتطلبه المريض، لن يحدث ذلك إلا من خلال الأبحاث الطبية والبحث العلمى، فمن غير بحث علمى مفيش تقدم ويشرفنى أن أكون موجود هنا اليوم لكى أرى صرح عالمى، لكى ارى الأبحاث العملية من أجل تقدم مصر” .
ويعد د. مجدى يعقوب من أفضل النماذج التى يجب أن يحتذى بها فى ملف بناء الإنسان المصرى والتى تبدأ من رعاية الطفل الذى يجب أن يتمتع بصحة جيدة، وصولا إلى الحكومة وجميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني .
مشوار حياة حافل
ولد د. مجدى حبيب يعقوب فى مركز بلبيس بالشرقية فى 16 نوفمبر عام 1935، عشق مهنة الطب بسبب والده حبيب يعقوب جراح وزارة الصحة، له شارع يحمل اسمه بمنطقة العجوزة فى قلب القاهرة، عمل فى مستشفيات أسوان وقنا ومعظم محافظات الجمهورية وكان وراء سبب عشق الابن مجدى لمهنة الطب .
أما اتجاهه للتخصص فى جراحة القلب والصدر فله قصة منذ فقدت الأسرة عمته الصغرى أوجينى التى توفيت عن 21 سنة بسبب إصابتها بضيق فى صمام القلب، وحزن الأب حبيب يعقوب على شقيقته التى اختطفها الموت فى سن مبكرة وكان الأب يردد لمن يواسيه حرام تموت شابة بسبب مرض له علاج فى خارج مصر، وكان ممكن إنقاذها .. ظلت هذه المقولة تتردد فى عقل مجدى يعقوب الابن حتى قرر أن يصبح هدفه أن يتخصص فى علاج القلب لإنقاذ حياة المرضى بأمر الله تعالى.
أوسمة ونياشين
* نال حبيب القلوب شهرة واسعة في مصر، بإنشائه مستشفى علاج القلب بالمجان في محافظة أسوان، ورغم كونه من أشهر أطباء القلب في العالم يغفل البعض الإنجازات الأخرى التي حققها السير مجدي يعقوب، ومنها حصوله على جائزة فخر بريطانيا في 11 أكتوبر 2007 والمقدمة على الهواء مباشرة من قناة إي تي في البريطانية بحضور رئيس الوزراء البريطاني، بعدما رأت لجنة التحكيم أن الدكتور مجدي يعقوب أنجز أكثر من 20 ألف عملية قلب في بريطانيا .
* نجح فريق طبي بريطاني بقيادة الدكتور مجدي يعقوب، في تطوير صمام قلب باستخدام الخلايا الجذعية، وقال مجدي يعقوب إنه سيتم التوصل إلى زراعة قلب كامل باستخدام الخلايا الجذعية.
* يحمل د. مجدى لقب ” أكثر أطباء العالم إنجازا في عدد عمليات زرع القلب”، التي قام بها خلال مسيرته الطبية الطويلة، ومنحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس في عام 1966 ، بينما لقّبته أميرة ويلز الراحلة، ديانا، بملك القلوب.
* أفردت له جريدة التايمز البريطانية فى عام 1978 صفحاتها الأولى لتقدم لقرائها يوما فى حياة مجدى يعقوب تحت عنوان ” الجراح النابغة الذى يعزف يوميا لحن الأمل والحياة ” وتعود الصحيفة العريقة فى عام 2001 وتنشر تحقيقا مصورا عن الرحلات المكوكية ليعقوب إلى مصر ودول إفريقيا لإجراء جراحات بالقلب بالمجان للاطفال .
* اختاره رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير لإصلاح نظام التأمين الصحي في المملكة المتحدة والذي يعتبر من الأنظمة الهامة والمحورية للشعب الإنجليزي، و حصل على لقب بروفسير في جراحة القلب عام 1985 ، وقامت ملكة بريطانيا بمنحه لقب ” سير ” عام 1991 .
* فاز بجائزة الشعب عام 2000 والتي قامت بتنظيمها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، كما تم انتخابه من قبل الشعب البريطاني ليفوز بجائزة الإنجازات المتميزة في المملكة المتحدة وتقدم لأصحاب الإنجازات المتميزة بالمملكة، كما تم منحة جائزة فخر بريطانيا في 11 أكتوبر 2007 على الهواء مباشرة من قناة اي تي في البريطانية بحضور رئيس الوزراء جوردن براون وتمنح للأشخاص الذين ساهمو بأشكال مختلفه من الشجاعة والعطاء أو ممن ساهم في التنمية الاجتماعية والمحلية .
* حصل على جائزة Bradshaw Lectures لأساتذة الكلية الملكية للطب عام 1988، ووسام الاستحقاق الملكي البريطاني عام 1991 ، كذلك وسام ري فيش المقدمة من معهد تكساس للقلب عن انجازاته في جراحة القلب 1998 ، و حصل على وسام الواجب الأول ووسام الجمهورية من مصر فى يوم الطبيب لنفس العام، و وسام وزارة الصحة البريطانية عن دوره في الطب عام 1999 .
* نال جائزة قمة مؤسسة عيادة كليفلاند لفشل القلب 2001، جائزة أبوقراط الذهبية (موسكو) لدوره في جراحة القلب 2003، وجائزة منظمة الصحة العالمية لخدمة الإنسانية لنفس العام، و جائزة الجمعية الدولية لزراعة القلب والرئة عام 2004، و الوسام الذهبي للجمعية الأوروبية لطب القلب 2006، بينما حصل على جائزة فخر بريطانيا المقدمة من الديلي ميرور، والجنسية الفخرية لمدينة بيرجامو الإيطالية، ووسام الاستحقاق للأكاديمية الدولية لعلوم القلب لنفس العام أيضا .
* فى يناير 2011 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 2011 بمنح قلادة النيل العظمى للدكتور مجدى يعقوب لجهوده الوافرة والمخلصة فى مجال جراحة القلب وقد تسلمها بنفسه من الرئيس مبارك فى احتفال كبير بمقر رئاسة الجمهورية فى 11/1/2011، وفى وعام 2012 حصل على وسام العظام للجمعية الأمريكية للقلب.
* تسلم الميدالية الذهبية من ملكة أسبانيا صوفيا تقديرا لإنجازاته البارزة في مجال جراحات القلب، وهو صاحب الـ 15 دكتوراه فخرية من مختلف جامعات العالم ومنها: جامعة برونيل وجامعة كارديف وجامعة لوفبورا وجامعة ميدلساكس ” جامعات بريطانية” وكذلك من جامعة لوند بالسويد، و حصل على درجة شرفية من جامعة سيينا بإيطاليا .
مصر فى قلب يعقوب
* فى لقاء صحفي قال معلقا على سؤال حول لقب السير: يا عم أنا شرقاوى.. السير ده لما اكون خارج مصر .. أنا هنا مصرى .. حتى يوم منحى قلادة السير من ملكة إنجلترا قلت لهم بالعربى: أولًا أنا شرقاوى من مصر والشرقية عندى هى مصر وهى نبع الكرم والعطاء .
* قام د. مجدى يعقوب بتأسيس إحدى المؤسسات الخيرية العالمية منذ عام 1995 والتي عرفت باسم ” تشين أوف هوب” أو ” سلاسل الأمل” وسعى من خلالها لإجراء جراحات القلب للمرضى في الدول النامية، وقد اهتم بإجراء العمليات الجراحية مجاناً في عدد من الدول وعلى رأسها ” مصر” وذلك للأطفال الذين لا يستطيع ذويهم تحمل نفقات الجراحة والعلاج لهم، كما عمل على إنشاء وحدة رعاية متكاملة بمستشفى قصر العيني بمصر لعلاج التشوهات الخلقية في القلب .
* تبنت ” مؤسسة مجدي يعقوب” الخيرية بالتعاون مع ” مكتبة الإسكندرية” برنامجا لأمراض القلب الوراثية على المستوى القومى بدءاً بمحافظات أسوان والقاهرة والإسكندرية والمنوفية، أسهم فى متابعة حالات أكثر من 1600 من الأسر المصرية ، وذلك قبل يناير 2011 .
* أنشأ العالم المصرى فى” أسوان” مركزاً لجراحات القلب لعلاج الحالات الحرجة لغير القادرين، كما شرع فى إنشاء مركز آخر – ملحق به – لدراسات وأبحاث أمراض القلب، وذلك لتكوين كوادر مدربة ومؤهلة من الأطباء هذا إلى جانب الإهتمام بالبحث العلمى لوضع مصر على الخريطة العالمية فى مجال علاج أمراض القلب وجراحات القلب المفتوح .
* وقد قام هذا المركز الذى بدأ خدماته فى ابريل عام 2009 والمقام على مساحة 9 آلاف متر مربع بمحافظة أسوان ، والذى يديره مجلس أمناء برئاسة د. مجدي يعقوب بإجراء حوالى 200 عملية قلب مفتوح إلى جانب حالات كبيرة من قسطرة القلب، ونصف الجراحات التى تم إجراؤها أجريت للأطفال .. و فى الأعوام الاولى لتشغيل المركز كان يتم استقدام فريق طبى كامل من جراحين وتخدير وطاقم تمريض، الآن جميع الأطقم العاملة بالمركز من أبناء مصر تلاميذ مجدى يعقوب تدربوا على يديه واكتسبوا منه خبرات السنين وهو فخور بهم يشيد بهم فى كل محفل علمى أو تجمع شعبى، أكثر من 20 طبيبا ومساعدا مع أطقم التمريض هم القوة الضاربة بمؤسسة مجدى يعقوب .
* وكانت أول جراحة نادرة قام بها مجدى يعقوب فى مركز أسوان لجراحات القلب كانت يوم 23 أغسطس عام 2009 لطفل عمره ( 12 سنه) كان يعانى ضيقا خلقيا فى الصمام الاورطى استغرقت العملية 11 ساعة كاملة وأثبت المركز وأجهزته كفاءة عالية وبعدها نفذ المركز سيلا من العمليات بلغت 220 قلبا مفتوحا و500 قسطرة قلبية فى عامين.
طبيب القلوب وثورة 30 يونيو
* فى سبتمبر 2013 انضم الطبيب مجدى يعقوب للجنة الخمسين المكلفة بصياغة دستور للبلاد عقب ثورة الـ30 من يونيو بقرار من رئيس الجمهورية المؤقت عدلى منصور، كما تم اختياره عضو المجلس الاستشارى العلمى لرئيس الجمهورية .
* وقد عرض الرئيس عبدالفتاح السيسي علي الدكتور مجدي يعقوب عام 2015 إنشاء مركز لجراحة قلب الأطفال بمحافظات وجه بحري، وذلك علي غرار مركز ” يعقوب للقلب” بأسوان، وقد جاءت استجابته فورية معلنا تفاصيل انشاء المركز وقال :” أفضل الخدمة وعلاج أولاد بلدي مجانًا” .
* وفى 5 مايو 2018 أعلن د. مجدى يعقوب عن آخر التطورات في مركز القلب الجديد بأسوان، علي مساحة 37 فدان، بتكلفة 350 مليون دولار، ليقدم المركز 12 ألف جراحة سنويا، واستقبال 80 ألف مريض، ويعد المركز توسعا لمستشفي قلب مجدي يعقوب الذي تم إنشاؤه منذ 8 سنوات بأسوان وسيتم التركيز علي علاج مرضي القلب حديثي الولادة، لإجراء جراحات دقيقة لهم، خاصة غير القادرين منهم، بدلا من سفرهم للخارج ومن المقرر أن يضم 1200 طبيباً من أمهر الأطباء، والباحثين، وطاقم التمريض الذين تم تدريبهم على أعلي مستوي لتشغيل المركز الجديد على أكمل وجه .
* وهناك تجاوب من مؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات الخيرية والبنوك الوطنية و الخاصة وغيرها للتعاون مع مؤسسة مجدى يعقوب، وقد تم توقيع بروتوكول بين مؤسسة مصر الخير ومؤسسة مجدى يعقوب بهدف اقامة شراكة حقيقية وفاعلة لعلاج المواطنين الفقراء والأكثر احتياجا بالمجان، وفى فبراير الماضى 2018 مرت عشر سنوات على اشهار وعمل مؤسسة مجدى يعقوب الخيرية بنجاح منقطع النظير حتى أصبحت المؤسسة محل تقدير المواطنين البسطاء .
* وأمام مسيرة العطاء هذه لا نجد ما نقوله لنوفي هذا الإنسان العظيم د. مجدي يعقوب حق قدره سوى : دمت وأمثالك من أبناء الوطن المخلصين ذخراً لبلدكم مصر .. فبمثلكم ترتقي الأمم وتعلو رايتها .