شكراً طارق عامر .. استشاري ضرب السوق السوداء

تقرير .. عادل محمد
لم تكن المهمة سهلة، ولم يكن الطريق مفروشاً بالورود أمام الخبير المصرفي طارق عامر، الذي حمله الرئيس عبد الفتاح السيسي مسئولية منصب محافظ البنك المركزي قبل أكثر من 3 سنوات وتحديداً في الحادي والعشرين من شهر أكتوبر 2015 خلفاً لـ هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق .
ثقة الرئيس كلمة السر
وقد فتح تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي، طارق عامر بتولى منصب محافظ البنك المركزي لمدة 4 سنوات الباب أمام الكثير من الآمال بشأن ضبط إيقاع السياسة النقدية في مصر، والسيطرة على السوق السوداء للدولار، والتي ساهمت بدورها في هروب الكثير من الاستثمارات .
فمنذ اللحظة الأولى لتحمله أمانة المنصب .. وضع ” عامر” مهمة الحفاظ على استقرار السوق المصرفي للعملات، ووقف تدهور قيمة الجنيه المصري، والقضاء على السوق السوداء .. هدفاً استراتيجياً لا يحتمل التأجيل أو التهاون، وبناء عليه اتخذ قرارًا مصيرياً بتحرير سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية تحريرًا كاملاً في الثالث من شهر نوفمبر 2016 وذلك للمرة الأولى، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يعتبر قراراً تاريخياً اتخذه القائد عبد الفتاح السيسي والذي طالما تراجع عن اتخاذه رؤساء سابقون خوفاً على شعبيتهم الشخصية .. رغم كونه بمثابة عملية جراحية (قلب مفتوح إن جاز لنا التشبيه) لا بديل عنها لعلاج تشوهات الاقتصاد المصري والقضاء على السوق السوداء للعملة الأجنبية في مصر، بما يشجع الاستثمار الأجنبي وتدفق رؤوس الأموال .
مصر الهدف الأسمى
وتشير جميع الشواهد إلى أنه ومنذ اللحظات الأولى لتوليه منصب محافظ البنك المركزى، فقد دأب ” عامر” على مخالفة توقعات الجميع فى خطة ذكية نفذها باحترافية عالية لتضليل مضاربى السوق السوداء، فى تنبؤاتهم لقرارات البنك المركزي حيث كانوا يخططون لتوصيل سعر الدولار إلى 40 وربما 50 جنيه مصري في ظل المضاربات اللعينة واحتكار العملة الصعبة .
إلا أنه وكما يقولون بـ ” ضربة معلم” محسوبة بدقة سرعان ما تمكن من السيطرة على سوق صرف العملات وبالتالي تحديد القيمة والسعر وفق معايير حقيقية لا مضاربات ومقامرات لا يتفيد منها سوى مافيا السوق السوداء .
وشيئاً فشيئاً تمكن طارق عامر من تنفيذ برامج إصلاح الاختلالات الهيكلية التي طالما عانى منها الاقتصاد المصرى على مدار سنوات طويلة مضت، مما أدى لتراجع موارد الدولة من العملة الصعبة واستنزاف الاحتياطى المحلى من العملات الأجنبية فى حماية غير مبررة للجنيه المصرى كثيراً ما حرمته من تنافسية الاقتصاد التي هي أساس أي عملية نهضة، كما أمكن لعامر إنهاء نشاط السوق الموازية للصرف وسيطرتها على الحجم الأكبر من المعاملات النقدية وذلك بإخضاع كافة شركات الصرافة لرقابة البنك المركزي فلا يصرف دولاراً واحداً بيعاً أو شراءً إلا بموجب إيصالات مدون عليها من البائع ومن المشتري وموضح فيها مصدر هذه الأموال وإلى أين ستصرف وهذا ليس على مستوى التعاملات التى تتم على الدولار فقط وإنما باقي العملات الأخرى، وبطبيعة الحال لم يعجب هذا الوضع الكثيرين ممن كانوا يتربحون على حساب إنهاك الاقتصاد المصري .
أعلى احتياطي نقدي
وقد ساهمت السياسات النقدية التي تم تنفيذها خلال السنوات الأربعة الماضية، لأن يتجاوز رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي الـ 42 مليار دولار مع ارتفاع كبير في تحويلات المصريين بالخارج إيماناً منهم بأهمية دعم الاقتصاد المصري خصوصاً في ضوء الإجراءات التشريعية والقانونية التي مهدت التربة على أروع ما يكون لجذب الاستثمارات وضمان جميع حقوق الدخول والخروج في السوق المصري إضافة إلى تسعير العملة المحلية بقيمتها الحقيقية، مما قطع الطريق على المضاربات السعرية التي احترف ممارستها لعقود طويلة مافيا السوق السوداء بهدف احتكار تجارة العملة الصعبة والتحكم في أسعار بيع وشراء الدولار الأمريكي وباقي العملات الأجنبية .
ضربة تعويم الجنيه
كان قرار تعويم وتحرير الجنيه المصري في 3 نوفمبر 2016، بمثابة الزلزال الذى هز قواعد السوق السوداء والمضاربين بالعملة، وأدى لاختفاء ظاهرة الدولرة، وأعاد للجهاز المصرفي هيبته وكرامته في سوق النقد، وأصبح لأول مرة يتم تقييم أنشطة الاقتصاد المصري بسعر صرف موحد وواقعي، وهذا القرار ساهم في زيادة حصيلة التنازلات ونموها تدريجيًا .
كما أن الجهاز المصرفي استطاع توفير 56 مليار دولار لتلبية احتياجات تمويل عمليات التجارة الخارجية وسداد الاعتمادات المستندية اللازمة لاستيراد السلع الإستراتيجية لمصر، كما تم سداد 16.8 مليار دولار مديونيات خارجية مختلفة فى تواريخ استحقاقها دون أى تأخير .
وطوال الأسابيع الماضية شهد الجنيه المصري ارتفاعاً ملحوظاً تخطى 40 قرشاً حتى الآن في مقابل باقي العملات الأجنبية وهذا مؤشر في غاية الإيجابية لتعافي العملة المحلية .
تطور السياسة النقدية
ساهمت السياسة النقدية التي تم تنفيذها خلال المرحلة الماضية، لأن يتجاوز رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي الى أكثر من 42 مليار دولار مع نهاية شهر نوفمبر 2018 .
وتبنى البنك المركزي في عهد عامر ؛ العديد من المبادرات المهمة ذات الأثر الإيجابي بعيد المدى مثل مبادرة التمويل العقاري، ومبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ومبادرة دعم نشاط السياحة، إلى جانب تفعيل السياسة النقدية لاستهداف التضخم سواء برفع سعر الفائدة أو رفع نسب الاحتياطي الإلزامي، كما أن كل القرارات والسياسات التي انتهجها البنك المركزي خلال المرحلة الماضية تستهدف فى النهاية دعم عملية الإصلاح الاقتصادي والنقدي والسيطرة على تضخم الأسعار وتحسن مؤشرات الاقتصاد القومى .
ولأن عامر ، رجل مصرفي من الطراز الأول، فقد شارك في وضع خطة الإصلاح الأولى للجهاز المصرفي في 2003، وساهم في تصحيح مسار البنوك المصرية وإنقاذها من شرك التعثر بعد فترة من الأزمات، حيث تم وضع برنامجين للإصلاح أحدهما للبنك المركزي والآخر للقطاع المصرفي،
بالتعاون مع البنك المركزي الأوربي، حتى أصبح البنك المركزي من أقوى البنوك المركزية، إلي جانب نجاح هيكلة البنوك المصرية لتصبح من أقوى البنوك على مستوى الشرق الأوسط .
خبير مصرفي من الطراز الأول
وعمل طارق عامر، في عدة بنوك دولية وأجنبية، لفترة تجاوزت 25 عاماً عمل بها في كبريات المؤسسات المالية العالمية، كما شغل منصب نائب محافظ البنك المركزي المصري، قبل توليه مسئولية رئاسة البنك الأهلي المصري، ثم العضو المنتدب للبنك الأهلي لندن .
فاز طارق عامر، بلقب أفضل محافظ بنك مركزي لعام 2017 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، طبقًا لصحيفة جلوبل ماركتس، الصادرة عن الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولى، والتي أعلنت فوز طارق عامر بهذه الجائزة، في أكتوبر الماضي خلال احتفالية أقيمت في العاصمة الأمريكية واشنطن .
كما تم اختياره، كأفضل محافظ بنك مركزي عربي لعام 2017، من قبل اتحاد المصارف العربية، يعد حدثًا مهمًا جدًا، ولكن الأهم هى الأسباب والحيثيات التى وثقت هذا الاختيار؛ وهي أن طارق عامر تحمل في العامين الأخيرين مسئولية اتخاذ قرارات صعبة وجريئة، تحمل فى طياتها آثاراً وتداعيات مؤثرة على تيسير البرنامج الاقتصادي من ناحية، وما يمكن مواجهته من تحديات من جراء أثار بعض تلك القرارات على الأوضاع الاجتماعية ومعيشة المواطنين من ناحية أخرى .
** كلمة أخيرة
شكراً طارق عامر محافظ البنك المركزي .. ولكل مسئول وطني يعي جيداً طبيعة المرحلة الحاسمة التي تمر بها بلدنا المفدى مصر، ويتحمل مخاطرة القرارات المصيرية مادامت في صالح الوطن .. فما أحوجنا إلى مثل هذا مسئول يجمع بين الكفاءة والإخلاص .