آراءشويّة دردشة

شعرة معاوية | بقلم د. روان عصام يوسف

يقال إن أعرابياً سأل معاوية بن أبي سفيان : كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟، فقال: ” إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها”.

هذه المقولة مع كونها نبراساً في أحكام السياسة فهي تدخل في كل سياسة حتى في سياسة الإنسان مع نفسه، فلو طبق الإنسان هذه القاعدة لصار من أعقل الناس، كيف لا وهو يعطي كل شيء حجمه ويتلافى عمَّا لا يستحق النظر! حيث انه من أكثر الأمور التي يضرب بها المثل في شأن التعامل مع الناس ومداراتهم وأخذهم بالحكمة والحنكة هو ما يسمى بـ “ شعرة معاوية ”؛ فيقول المرء متمثلاً بها: “ اجعل بينك وبينهم شعرة معاوية ”، أي: تصرف معهم بالكياسة وبُعد النظر حتى تحتويهم فينقادوا لك.

و” شعرة معاوية ” هذه ترسّخ لمبدأ عظيم وأصل وطيد من أصول الحنكة السياسية، وقد أرسى قواعدها معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه)، وكانت إحدى مظاهر وفور عقله وغزارة فكره وشدة دهائه الذي عُرف به بين العرب، حتى عدّه الناس من أدهى دهاة العرب عبر التاريخ.

إن التعامل بين الناس، يجب أن يكون مبنياً على الأخلاق، والمودة، فعندما يكون التعامل مبنياً على أسلوب حسن، وطريقة لبقة في الكلام، يسود عندها الاحترام المتبادل بين الناس، وبالطبع للناس أمزجة مختلفة، فمنهم الهادئ، والعصبي، والودود، والعنيد، وغير ذلك، وعندما يقدر كل شخص، ويستوعب الشخص الآخر قدر المستطاع، يؤدي ذلك إلى تجنب حدوث المشاحنات، والمشكلات بين الناس، وبالطبع عند التقيد بالأخلاق التي يدعو إليها الدين، يشكل ذلك الصورة الواضحة عند الأسلوب السليم في التعامل مع الآخرين.

يمكن أن نطلق على أسلوب التعامل مع الآخرين، مسمى (فن)، فهو طريقة تأقلم الشخص مع الأشخاص الذين يتعامل، أو سيتعامل معهم، سواءً في الحي، أو العمل، أو السوق، أو أي مكان يتواجد فيه، وتقدير ظروف الناس، والتعامل معهم وفق حدود معين، يساعد على جعل الشخص فناناً في التعامل مع الآخرين، وتقبلهم، واستيعابهم.

لقد استطاع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن يقود سفينة الأمة إلى بر الأمان بشعرته التي قال فيها : بيني وبين الناس شعرة لا تنقطع؛ إذا شدوا أرخيت، وإذا أرخوا شددت.

فهل نتستطيع نحن أن نقود المجتمع بنجاح بمثل هذا الشعرة !!، فإنه ليس المهم فحسب أن نبدأ بالمحبة، ولكن أن نستمر عليها …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى