شويّة دردشة

ساكن وادي النيل .. بقلم وسام سمير

 FullSizeRender
ساكن وادي النيل  …
منذ ان اخترق شعاع الحضارة البشرية ظلمات فجر تاريخ الإنسانية ولا يوجد علي المسرح العام سوي الإنسان المصري ساكن وادي النيل صاحب العقيدة الراسخة والإيمان المتجذر بضرورة استقرار وتوحيد المجتمعات البشرية ،  فقد تبني كهنة مصر القديمة رسالة توحيد المجتمع المصري وأخذوا علي عاتقهم تحقيق هذا الحلم السرمدي ولكن موازين القوة الاجتماعية وضراوة قوة الشر المسيطرة علي البشر كان لها دائماً رأيا  آخر فأخذ  الصراع ينمو  ويتعمق لفترة طويلة من الزمن وتحت وطأة هذا التناحر بدا ميلاد الحلم الذهبي للملك نارمر ( مينا ) في ان يوحد ارض وادي النيل الي الأبد.
وقد ساهم وادي النيل بطبيعته الساحرة في تأصيل هذه الفكرة  و تبلورها حتي نضجت واكتملت مع بدايات الألف الثالثة قبل الميلاد وهنا كان ميلاد اول جيش نظامي تعرفه الانسانية علي وجه الاطلاق وتم تدشين الثوابت والرواسخ الرئيسية التي يقوم عليها هذا الجيش وهي التوحيد وشرف وقدسية تراب ارض وادي النيل العظيم ، فانطلقت بطولات  الجيش المصري علي مسرح التاريخ تكللها عقيدة التوحيد وحقن الدماء  .. وهذا ما يتمايز به جيشنا عن باقي جيوش الامم فلم يكن الصراع والنفوذ هما المحركان له كباقي جيوش العالم القديم بل كان هو الأشرف والاسمي هدفا.
وبعد ان تم توحيد مصر انصهر شرف الجندية في نسيج الوعي العام للمجتمع المصري واخذ ينتقل من جيل الي جيل يسطر الأمجاد  ويعلي من شرف وسمو عقيدة المحارب المصري الذي هو حليف قوة الخير منذ فجر التاريخ ، ثم بدأت عجلة الزمان تدور وطواحين الأيام تعصف بمصر صعودا وهبوطا لثلاثة آلاف عام متواصلة سجل فيها الجيش المصري إنجازات وبطولات وتضحيات عبرت بمصر عبورا سالما من الملك مينا والقائد الخالد أحمس الي رمسيس الثاني وتحتمس.
وحينما اجتاحت العالم ظاهرة الجيوش المرتزقة  ، لم يكن لجنود مصر الإشراف أي تواصل مع هذه الظاهرة  بل عاد الجيش المصري الوطني منصهرا في نسيج المجتمع المدني منذ سقوط كليوباترا وحتي عصر محمد علي باشا أكثر من ١٨٠٠ عام دفنت فيهم روح الجندية الوطنية مع كنوز وأسرار حضارة مصر القديمة.
واللافت للنظر ان عودة الحياة مرة أخري للجيش المصري تزامنت مع بدايات فك رموز حضارة مصر القديمة في الربع الاول من القرن التاسع عشر ، فقد عادت الحياة للفارس الجسور من جديد فصعد علي مسرح التاريخ وأخذ يعزف ببراعة ويسطر أمجاد محارب وادي النيل فتحول في اقل من ٢٠ سنه  الي قوي  عظمي في العالم لها من الهيبة الكثير .
ومع مشارف الربع الأخير من القرن العشرين تفجرت براعة الجندي المصري وعظمة الروح المصرية وأزهلت العالم بالعبور الاول في أكتوبر ٧٣ ، واليوم أيضاً بهر العالم اجمع من هذا الجيش الذي لبي نداء المصريين في لحظة فريدة تاريخيا  وعبر بمصر العبور الثاني فاتحا عهدا جديدا سوف نري فيه مصر تبتسم وتحتضن الجميع .
والآن دعونا نقف أمام السر الكامن خلف عظمة هذا الجيش .. إنها روح مصر .. الساكنة في أعماق كل من ولد في ارض وادي النيل هي التي تمدنا بالشعور العام والفطرة المصرية وتشعرنا دائماً بالسلام ، فالنستكمل المشوار ونسلم الي الأجيال القادمة هذا السر العريق الحافظ لوحدانية تراب ارض وادي النيل منذ فجر التاريخ وحتي يومنا هذا .

وسام سمير 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى