آراءشويّة دردشة

ساحر المسرح .. وتعويذة المسرينيما| بقلم ضياء داوود

لا تكاد تطأ قدماك داخل صالة المسرح لتشاهد هذا العرض حتى تملؤك التوقعات لأن صاحب هذا العرض ليس مخرجا مبدعا أو مخرجا مسرحيا متفوقا فحسب ولكنه صاحب مدرسة تخرج منها نجوم ساطعة أضاءت سماء مصر والعالم العربي كافة بلا مبالغة .

تجلس في مقعدك تحاول أن ترتب أفكارك وتستعد لما هو قادم من مفاجآت من مدرسة فن الارتجال التي عودنا عليها والتي تناقش دوما المشاكل المعاصرة المواتية لكل عرض قدمه على حده.

يظهر أمامك كما عودنا ليقدم العرض فهو عرض تخرج الدفعة الخامسة من استوديو مركز الابداع الفني لتسقط على رؤوسنا المفاجأة فهو ليس عرض ارتجال ولكنه عرض يبحث في الذاكرة ذاكرة ناديه أم هي فوزية ويتركك ويمضي دون المزيد من الافصاح في مفاجأة حقيقية لكل ما رتبته في عقلك أو وجدانك فعروضه دائما تستدعي استعدادا ذهنيا كي تتلقاها وتستوعبها لدسامة موضوعاتها.

يسود الصمت ليبدأ العرض ما هذا، هذا مقطع من فيلم ( الليلة الأخيرة ) وكأنما تجسدت ناديه أو فوزية ولكن ليس في جسد واحد وإنما في عدة أجساد تكمل جميعا جملها الحوارية بتسلسل ألسنة من ينطقها دون خطأ واحد لم أصدق ما أرى ما هذا كأنما الشخصية الواحدة أصبحت خيالات ناطقة لشخصيات عده لتجد نفسك فجأة في مشهد آخر من فيلم آخر لتعود مرة أخرى إلى نادية وزوجها شاكر المستفيد من كونها فوزية لتذهب إلى مشهد آخر فتارة تجد نفسك أمام مشهد اسماعيل ياسين في الاسطول مشهد كوميدي خفيف يخفف من وطأة التراجيديا لقصة ناديه.

يربط تلك المشاهد جميعا وهو الاعجاز الحقيقي في هذا العرض غناء لايف فردي أو جماعي بأداء فني رائع يكاد يطابق مشاهد الافلام فقد تجسد أمامي عبد الحليم وشاديه من فيلم معبودة الجماهير في أكثر أغانيه التي أحبها وأحفظها ( بلاش العتاب )، لنعود إلى ناديه وصراعها لاثبات أنها ليست فوزيه، لنذهب إلى واحد من أكثر المشاهد التي كانت تجعل عيناي تدمع وأنا طفل صغير وهذا اعتراف لأنه في الأصل مشهد كوميدي للفنانة القديرة شاديه وهي تغني ( شرابي مدلدل ) من فيلم أضواء المدينة فقد كنت ارى أنه تم قهرها لفقرها وكان هذا المشهد يحزنني وأنا طفل ويضحكني وانا كبير ويسحرني في هذا العرض لكونه للمفاجأة لايف أي نعم لايف.

ثم تعود إلى الدوامات الحوارية المرعبة للشخصية الواحدة التي يؤديها أكثر من بطل وأقول بطل فهذه الدفعة من ورشة استوديو مركز الابداع فعلا تفوقوا على الذاكرة فجسدوها في تحد حقيقي لأنفسهم وللمشاهد وبقدرات وملكات لم تكن لتخرج إلا على يد أستاذ قدير والذي آن الأوان أن أذكره إنه ( المخرج الكبير/ خالد جلال ).

إنه عرض (( سينما مصر )) هذا العرض الذي حطم البعد الثنائي للشاشة الفضية والبعد الرأسي لخشبة المسرح واخترق الذاكرة ذاكرتي كمشاهد وحملني وأنا يقظ إلى أرض سحرية حيث تندمج فيها السينما والمسرح والذاكرة لتجعلك تقف مذهولا ففجأة ترى أمامك الناصر صلاح الدين وأداء احمد مظهر المشتعل وردود حمدي غيث العبقرية في ريتشارد لتخرج تارة أخرى تبحث مع ناديه على ذاكرتها وزوج أختها فوزية المتآمر الذي يريد أن ينسيها من هي، يريد أن ينسيها نفسها لتظل تخدمه وأولاده.

وكأنني أمام مصر بتاريخها وفنها وعراقتها وسنين من التغييب ومحاولة طمس الهوية ليعيدها إلى ذهني في قرابة الساعتين باحث ومؤرخ بل فنان قدير ومبدع حقيقي صنع فنا جديدا ومدرسة جديدة فلا أتخيل كم المجهود الرهيب المبذول في هذا العرض منه ومن العاملين كافة ومن الطلبة النجوم وهم حقيقة نجوم، وكم الأبعاد التي تم اختراقها في عرض واحد ما بين الزمان والمكان بل والشخصية الواحدة ليؤديها أكثر من بطل بلسان وأداء بطل واحد ومؤثرات حقيقية بسيطة وفعالة.

يا صديقي المخرج الكبير العبقري (الأستاذ/ خالد جلال ) أنت بجدارة (ساحر المسرح ) الذي يسحرنا بعروض تستولي على الخيال والذاكرة والوجدان وتحفر ذكراها في العقل والقلب بل والأحلام، شكر حقيقي من القلب على هذا العرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى