روسيا ترصد بقلق تحركات الناتو لتعزيز تواجده البحرى والاستطلاعى فى البلطيق
ترقب موسكو بعين القلق تحركات لحلف شمال الأطلنطى والولايات المتحدة لتعزيز التواجد البحرى والاستطلاعى الجوى فى منطقة البلطيق وفى مياه البحر الأسود، حيث قررت الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ مخطط شامل لتطوير الموانئ الأوكرانية وتحديث أرصفتها ومراكزها اللوجيستية بما يجعلها ملائمة لاستقبال البوارج الحربية الأمريكية وبوارج حلف شمال الأطلنطى “اتو” والذى تقوده واشنطن.
كما تعمل واشنطن على توسيع قواعد عمل و تمركز طائرات الاستطلاع الأمريكية المسيرة فى منطقة البلطيق، ويأتى الإجراء الأمريكى فى وقت تشهد فيه منطقة البحر الأسود توترا متصاعدا بين روسيا والولايات المتحدة، من المتوقع أن يزيده الإجراء الأمريكى الأطلسى الجديد اشتعالا بالنظر إلى القرب الجغرافى بين الموانىء الأوكرانية وشبه جزيرة كرايميا التى تسيطر عليها روسيا .
و منذ بداية العام الماضى لاحظت موسكو تزايد نشاط الأسطول السادس الأمريكى فى مياه البحر الأسود، ففى أبريل الماضى دخلت سفينة الصواريخ الموجهة الأمريكية USS Ross مياه البحر الأسود تحت غطاء المشاركة فى تدريب بحرى مع بلغاريا و جورجيا و تركيا ، وفى الشهر الماضى خاضت البارجة الأمريكية Carney فى مياه البحر الأسود لتصبح البارجة الأمريكية الخامسة التى تتواجد فى مياه البحر الأسود، ولم تخف الناطقة باسم الأسطول السادس الأمريكى “ايميليا اوميام” الهدف من تلك التحركات بأنه “رسالة مساندة وتطمين لحلفاء واشنطن وحلف شمال الأطلنطى فى منطقة البحر الأسود”.
و فيما تعتبره دوائر التحليل السياسى الروسية مقدمة لتهيئة ” مسارح عمليات محتملة ” فى منطقة البلطيق ، ستبدأ واشنطن خطة تطوير الموانىء اوكرانية بميناء مايكوليف الذى يقع على مسافة 40 ميلا بحريا من شرق جمهورية اوديسيا الاتحادية – إحدى جمهوريات الاتحاد الروسى – وأقل من مائة ميل بحرى شمالى غرب شبه جزيرة كرايميا، وسيقوم سلاح الهندسة البحرى الأمريكى بتطوير هذا الميناء وغيره بما فى ذلك تعزيز إجراءات الحماية والدفاع عنه من الهجمات المعادية، كما سيمكن هذا التطوير البحرية الأوكرانية من إجراء التدريبات المشتركة مع أساطيل الولايات المتحدة و حلف شمال الأطلنطى.
لكن خبراء حروب البحر يرون أن الطموحات الأمريكية فى مياه البحر الأسود تحدها اعتبارات تقنين و تنظيم الملاحة فى هذا الجزء من العالم وفقا لمعاهدة ” مونترو الدولية للملاحة البحرية العسكرية ” وهى المعاهدة التى تنظم إبحار السفن الحربية من خارج دول حوض البحر الأسود بما فى ذلك حجمها و فترة تواجدها فى مياهه ، وبموجب بنود المعاهدة لا يجب أن يتعدى وزن السفينة الحربية لأية دولة لا تطل على البحر الأسود 30 ألف طن ، وألا تتجاوز مدة تواجدها فى مياهه 21 يوما .
وعلى ضوء تلك الاعتبارات التنظيمية المشمولة بمواد القانون الدولى للبحار .. يكتسب التحرك الأمريكى و الأطلسى خطورته من وجهة النظر الروسية حيث سيمكن تطوير موانىء أوكرانيا من رسو و إبحار البوارج الأمريكية و الأطلسية على مقربة من شبه جزيرة كرايميا و تنفيذ عمليات بحرية مشتركة مع أوكرانيا بغرض تمكين البحرية الأوكرانية من ملاحظة ورصد النشاط البحرى الروسى فى مياه البحر الأسود ، ويقول الخبراء إن واشنطن قد تلجأ إلى الاعتماد كلية على البحرية الأوكرانية فى أنشطة الرصد و المراقبة الملاحية المتحركة فى مياه البحر الأسود .
ويرى المراقبون أن قيام واشنطن بتطوير الموانىء الأوكرانية ، هو بمثابة رد فعل على واقعة قيام البوارج الحربية الروسية فى نوفمبر الماضى باستهداف و خطف ثلاثة زوارق حربية أوكرانية فى مضيق / كيرتشى / الواقع بين روسيا و أوكرانيا وهى الواقعة التى لا تزال روسيا تتحفظ فيها على طواقم الزوارق الأوكرانية الثلاثة .
وسيكون ميناء اوتشوكيف الأوكرانى على البحر الأسود هو ثانى الموانىء الأوكرانية التى ستطالها يد التطوير الأمريكية ، و تتابع موسكو بقلق بالغ هذا المخطط الذى تعتبره تحركا من جانب حلف شمال الأطلنطى و الولايات المتحدة لإقامة قواعد بحرية على عتبات الاتحاد الروسى ، لكن البروفيسير مايكل كوفمان خبير شؤون روسيا فى مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية يرى أن التحرك الأمريكى صوب تعزيز التواجد البحرى فى منطقة البحر اسود لا مفر منه بعد قيام روسيا بضم شبه جزيرة كرايميا الأوكرانية بالقوة العسكرية عام 2014 ، وأوضح أن هذا العمل كشف عن مساع روسية لبسط الهيمنة على البحر الأسود فى مواجهة الغرب ، فمنذ هذا التاريخ نشرت روسيا منظومات الدفاع الصاروخى المتطورة / إس – 400 / على أراضى كرايميا ، و دفعت بست غواصات روسية فى مياهها و عشر بوارج حربية متطورة و مقاتلات متقدمة متعددة المهام تحسبا لأى تصعيد .
و على الرغم من أن أوكرانيا ليست عضوا فى حلف شمال الأطلنطى ، إلا أنها تتلقى دعما عسكريا و تدريبيا من دول الحلف ، وفى مياهها تجرى مناورة بحرية سنوية منتظمة باسم نسائم البحر / Sea Breeze / تشارك فيها أساطيل أمريكية و أطلسية .
كما قامت رومانيا التى تقع على مسافة 150 ميلا بحريا عن مياه كرايميا بشراء منظومات الدفاع الصاروخى الأمريكية / باتريوت / و تقوم القوات الرومانية بتدريبات قتالية مشتركة مع الولايات المتحدة وكذلك التدريب مع دول الناتو على عمليات التصدى لهجمات الطائرات المسيرة المعادية ، و قد كشف الأمين العام لحلف شمال الأطلنطى جينز ستولتنبيرج – فى زيارة قام بها الشهر الماضى للعاصمة الأمريكية واشنطن – عن حزمة من الإجراءات العاجلة لتعزيز التواجد العسكرى للحلف فى أوكرانيا و جورجيا و رفع كفاءة جيشيهما من خلال التدريب المشترك و نقل التكنولوجيا لا سيما فى المجال البحرى تحسبا لأية مواجهات فى المستقبل و تعزيز الاستعدادات القتالية للحلف فى منطقة البحر الأسود .
فى السياق ذاته .. قررت الولايات المتحدة الدفع بطائرات الاستطلاع التى تعمل بدون طيار / ام – كيو 9 ريبر / إلى مواقع تمركز عملياتى متقدمة فى قاعدة توريتزى البولندية التى تبعد مسافة مائة ميل عن ميناء سازكينزين فى رومانيا على البحر الأسود وذلك بموجب اتفاق مؤقت فى هذا الشأن بين رومانيا و حلف شمال الأطلنطى تم التوصل إليه فى مايو الماضى ، وجاء فى بيان صادر عن قيادة عمليات القوات الأمريكية فى حلف شمال الأطلنطى و مقرها مدينة شتوتجارت الألمانية أن طائرات / ام – كيو 9 ريبر / ستقوم بأعمال الاستطلاع البحرى و البرى معا وأن تنسيق ترتيبات ذلك عمليا مع الجانب الرومانى كأحد شركاء حلف شمال الأطلنطى قد تم بنجاح فى الرابع من يوليو الجارى ، ووصف البيان التعاون بين واشنطن و رومانيا فى هذا الشأن بأنه خطوة ذات أهمية استراتيجية لتعزيز أمن و استقرار البحر الأسود .
و كانت طائرات الاستطلاع الأمريكية المسيرة قد بدأت تنفيذ مهامها انطلاقا من بولندا منذ مايو عام 2018 و جميعها طائرات تتبع المفرزة الثانية من مجموعة العمليات العسكرية الخاصة رقم 52 فى الجيش الأمريكى المتمركزة فى قاعدة / سبانجدهلم / الجوية فى ألمانيا ، و يرى الخبراء أن تمديد عمل الطائرات المسيرة الأمريكية الاستطلاعية فى رومانيا – برغم كونه مؤقتا وغير محدد المدة – من شأنه تعزيز العمليات الاستطلاعية الأمريكية فى منطقة البلطيق و البحر الأسود نظرا لقربها من منطقة كالينجراد العسكرية الروسية ذات الأهمية الاستراتيجية .